الخلايا المصنّعة تتخذ خطواتها الأولى: تصنيع غشاء خلية متحرك لأول مرة

ترجمة: نورة الدراك

باستخدام قليل من المكونات، استطاع البروفيسور الفيزيائي الحيوي آندرياس باوش و فريقه في جامعة ميونخ التقنية (Technische Universität München) بنجاح صنع نموذج مصغر للخلية تستطيع أن تتحرك و تغير شكلها ذاتياً. يصف الفريق البحثي هدفهم الذي تحول إلى حقيقة في العدد الحالي من مجلة ساينس Science حيث تم عرض بحثهم على الغلاف!

لدى خلايانا أنظمة أيضية (هضمية) معقدة. تعود أصول هذه الخلايا إلى خلايا أبسط منها تحتوي على غشاء خلوي و بعض الجزيئات. بالرغم من مكوناتها البسيطة إلا أن أنظمتها تعمل بشكل مثالي.

أصبح “العودة إلى أصول الخلية” شعاراً لفريق بروفيسور جامعة ميونخ التقنية آندرياس باوش و شركاؤه حول العالم. كان حلم الفريق هو تكوين نموذج لخلية بسيطة ذات وظيفة محددة باستخدام بعض المكونات الأساسية. اتّبع الفريق مبادئ البيولوجيا المصنّعة بحيث تم تجميع كل وحدة بناء خلوية على حدة لتكون نظام حيوي اصطناعي بخواص جديدة.

كانت رؤية الفيزيائيين الحيويين هي تكوين نموذج مشابه لخلية حقيقية تقوم بوظائف حيوية و ميكانيكية. بمعنى أنه يجب على النموذج أن يكون قادراً على الحركة و تغيير شكله دون تأثيرات خارجية. يفسّر الباحثون كيف قاموا بعمل ذلك في مجلة ساينس Science.

الكرة السحرية

يحتوي نموذج الباحثين على غشاء خلوي و نوعين من الجزيئات الحيوية و مصدر للطاقة. تتكون الحوصلة الخلوية من طبقة مزدوجة من الدهون كما في أغشية الخلايا الحقيقية. يملأ العلماء هذه الحوصلة الخلوية بأنابيب دقيقة microtubules، وهي مكونات أنبوبية توجد في الهيكل الخلوي، وتتم إضافة جزيئات الكينيسن kinesin، وهي جزيئات بروتينية تعمل كحامل ينقل وحدات البناء الخلوية على مدى الأنابيب الدقيقة. تحتاج هذه الجزيئات الناقلة إلى طاقة على شكل ATP لكي تؤدي عملها. وهذا سبب إضافة العلماء لمصدر للطاقة أثناء تجهيز النموذج للتجربة.

Kinesin_walking

من وجهة نظر فيزيائية، هذه الأنابيب الدقيقة تكوّن كريستالات سائلة ثنائية البعد تحت الغلاف الخلوي لا تتوقف عن الحركة. وصفها فيليكس كيبير – قائد الباحثين لهذه الدراسة – كالآتي: “تستطيع أن تتخيل شكل الكريستالات السائلة كطبقة من قطع خشب الأشجار تتحرك على سطح بركة، فعندما تزدحم هذه القطع الخشبية، ستبدأ بالاصطفاف بشكل موازي، و لكن بإمكانها أن تنجرف بجانب بعضها البعض” أي أنها في حركة مستمرة.

عدم-التساوي المتنقّل

إن الأنابيب الدقيقة لا تصطف موازية لبعضها البعض و متساوية تحت الغشاء الخلوي بأكمله بشكل منتظم، بل توجد بعضها متعامدة تقريباً في بعض المناطق من الخلية، فالخلية كروية واستناداً إلى النظرية الرياضية ‘الكرة ذات الشعر’ أوPoincaré-Hopf theorem والتي تنص على أنه عند تمشيط كل الشعر الموجود على الكرة، يجب أن يظهر لنا في الأخير في مناطق صغيرة بروز للشعر. فمن غير الممكن رياضياً أن يتساوي كله.

Hairy_ball 

في تجربة علماء ميونخ كانت الأنابيب الدقيقة  في حركة مستمرة بسبب نشاط جزيئات الكينيسن، فتتواسى الأنابيب المتعامدة في جهة وتتعامد أنابيب أخرى في جهة. ومن المدهش أنها تفعل ذلك في نمط دوري متجانس. تتذبذب بين هذين الوضعيتين.

النهايات المدببة

حتى مع وجود هذه التذبذبات في وضعيات الأنابيب الدقيقة فإنها لا تؤثر على شكل الحوصلة الخارجي فهي ستبقى كروية الشكل. لكن عند إزالة الماء من داخلها، يُلاحظ التأثير الأسموزي عليها. فتبدأ الحوصلة في الإنكماش تدريجياً. أثناء هذا الإنكماش تنشأ انثناءات في الغشاء فتصبح وكأنها نهايات مدببة مثل التي تستخدمها الكائنات وحيدة الخلية للحركة.

artificial_cell1

في أثناء سير هذه العملية، تظهر لنا أشكال و ديناميكا متعددة ومذهلة.  فما قد يبدو عشوائياً للوهلة الأولى في الحقيقة يتبع القوانين الفيزيائية. استطاع هؤلاء العلماء العالميين تبعاً لهذه الطريقة فك شفرة المبادئ الأساسية التي تتبعها حركة الحوصلة الدورية. فهذه المبادئ في المقابل تعطينا أساسيات تجعلنا نتنبأ بديناميكية أنظمة أخرى.

يقول باوش: “بواسطة نموذجنا الحيوي المصنّع، لقد أوجدنا مجالاً جديداً لتأسيس نماذج خلوية مصغرة”.

 

هنا شرح مبسط لنظرية الكرة ذات الشعر:

 


Technische Universität München (المصدر الأصلي)

ZME science (مصدر الصور)

Science

Comments are closed.