خطوات البحث العلمي في المواد النانوية

كتابة: د. نُهى عَلوي الحبْشي.
أستاذة مساعدة في قسم الفيزياء بجامعة الملك عبد العزيز.

سواءً كنت طالباً أو باحثاً في مجالات العلوم، الهندسة، الصناعة، أو الطب، فلديك فرصٌ ثمينةٌ للمساهمة في حل أحد المشاكل العلمية أو لاكتشاف معلوماتٍ جديدةٍ في مجال تخصصك، وذلك عبر إجراء أبحاثٍ علميةٍ ونشرها ومحاولة الاستفادة منها، ولقد وجدت شخصياً أن فرص الاستفادة من هذه الأبحاث تزداد عندما يكون محور البحث أحد المواد النانوية، فالمجلات المحكمة والمواقع العلمية تطالعنا يومياً بأبحاثٍ وأخبارٍ جديدةٍ عن اكتشافٍ أو اختراعٍ أو تطورٍ معتمدٍ على أحد الخصائص الفيزيائية، الكيميائية، أو الحيوية المميزة للمواد النانوية.

تُعرف المواد النانوية بأنها المواد التي يتراوح طول أحد أبعادها من 1 نانومتر إلى عدة مئاتٍ من النانومتر، وبما أن النانومتر هي وحدة قياسٍ للأطوال تساوي جزءاً واحداً من مليار جزء من المتر، فإن هذا المقياس المتناهي في الصغر لا يُرى بالعين المجردة ولا حتى بالمجاهر الضوئية، بل بالمجاهر الإلكترونية التي تُظهر لنا أشكال المواد النانوية المتنوعة. وتضم المواد النانوية الأنابيب، الكرات، المكعبات، والشرائح النانوية، ومنها ما يشبه البصل لأنها مكونةٌ من أغلفةٍ متحدة المركز كالموضحة في الصورة، ويتميز الكربون البصلي النانوي بأن مقاومته للكسر أعلى من مقاومة الألماس غير النانوي المتوفر تجارياً. وسأذكر هنا بعض الخطوات التي تساعد الباحثين الجدد على بدء رحلتهم في عالم النانو:

الخطوة 1: اختيار المجال
ابدأ باختيار المجال العام لبحثك بناءً على ثلاثة أمور: تخصصك الدراسي في البكالوريوس أو الدراسات العليا، شغفك الشخصي بالمواضيع التي تثير اهتمامك العلمي، والإمكانات المتاحة لك في جامعتك أو مركز الأبحاث، كتجهيزات المعامل، خبرات المشرفين، والمقررات المتخصصة المتوفرة. ثم حدد المجال الدقيق لبحثك عن طريق مناقشة مشرفك وقراءة الكثير من الأبحاث السابقة عن مجالك العام، واختيار أحد المشاكل أو الثغرات الموجودة فيها.

الخطوة 2: تعلم النظريات
يتضمن علم وهندسة المواد النانوية نظرياتٍ علميةٍ وقوانين رياضيةٍ تصف وتتوقع الخصائص الفيزيائية، الكيميائية، والحيوية للمواد النانوية، مثل اعتماد حركة الإلكترونات على نظريات وقوانين ميكانيكا الكم، وتسميات الترتيب الهندسي لذرات وجزيئات المواد بمصطلحات فيزياء الجوامد، وغيرها الكثير من الأساسيات التي يصعب إجراء الأبحاث المتعلقة بالمواد النانوية بدون فهمها.

الخطوة 3: اكتساب المهارات
كثيرة هي المهارات التي تحتاجها للقيام بالتجارب العملية وتحليل نتائجها وعرضها، ابتداءً من تعلم احتياطات الأمن والسلامة في المعامل والأدوات الأساسية فيها، مروراً بالتدرب على استخدام الأجهزة المطلوبة في مجالك البحثي، إتقان مهارة تحليل النتائج وتمثيلها بيانياً وكتابياً بأساليب علميةٍ، وانتهاءً بمهارات العرض والإلقاء التي تحتاجها لمناقشة بحثك أمام لجنة التقييم أو لنشر بحثك في المؤتمرات العلمية، وغيرها.

الخطوة 4: اقتراح الفكرة
بعد اختيار مجال بحثك وتعلم النظريات واكتساب المهارات المتعلقة به، وبعد قراءة الكثير من الأبحاث السابقة وخاصة المقالات المرجعية، ستتبلور لديك خلفيةٌ علميةٌ قويةٌ عن مجالك، وستساعدك هذه الخلفية مع مشرفك على تحديد المشكلة الدقيقة أو الثغرة العلمية التي يهدف بحثك لحلها، وهنا يجب عليك أن تفكر بإبداع وتقترح حلًا أو فكرةً مبتكرةً وأصيلةً، وتصيغها كفرضيةٍ ستحل مشكلةً إذا طبقت فكرتك عملياً.

الخطوة 5: اختبار الفرضية
ستختبر مدى صحة فرضيتك عن طريق تطبيق فكرتك المقترحة بالتجارب العملية، ثم مقارنة النتائج العملية التي حصلت عليها بالنتائج النظرية التي كنت تتوقعها، فمثلاً إذا افترضنا أن استخدام تركيبٍ هندسيٍ جديدٍ من مواد نانويةٍ معينةٍ سيزيد سعة المكثفات الكهروكيميائية، فستكون النتائج إيجابيةً وقابلةً للنشر في مجلةٍ علميةٍ ممتازةٍ إذا نجحت الفرضية وحصلنا على سعةٍ عاليةٍ جداً، أما إذا حصلنا على سعةٍ متوسطةٍ فربما يمكننا نشر البحث في مجلةٍ علميةٍ متوسطةٍ، ولكن إذا لم يعمل المكثف بهذه المواد المقترحة وفشلت التجربة فتعتبر الفرضية خاطئةً.

الخطوة 6: مناقشة النتائج
لابد أن تتأكد من صحة نتائج التجارب وتمثلها بالرسوم البيانية وبالكتابة العلمية، وتفسرها وتدعمها بالنظريات والإثباتات، وأن توثق كل ما سبق بكتابته في رسالة الدراسات العليا أو ورقةٍ علميةٍ، وتعرضه على بعض المختصين مثل لجنة الممتحنين أو المحكمين لمراجعته والموافقة على نشره.

الخطوة 7: نشر البحث
هذه هي الخطوة الأخيرة والمرتقبة للطلاب والباحثين، فبعد شهورٍ من البحث العلمي ستشعر بقيمة عملك وصبرك وإتقانك عندما يُقبل بحثك لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراه، أو لنشره في أحد المجلات العلمية المحكمة، أو لعرضه في المؤتمرات العالمية المتخصصة، وقد يفوز بحثك بجائزةٍ مرموقةٍ محليةٍ أو عالميةٍ. ومن المؤكد أنك ستستفيد عندما تحصل على جائزةٍ أو ترقيةٍ عن أبحاثك، ولكن لا ينبغي أن تُحبط إذا لم تحصل على شيءٍ! فمن وجهة نظري، ستزداد سعادة الباحث واستفادته كلما زاد عدد مرات الاستشهاد بأبحاثه؛ لأن هذا العدد المعترف به عالميًا يعبر عن مدى استفادة الباحثين الآخرين من أبحاثه المنشورة، وبالتالي سيكون الغرض الأساسي من البحث العلمي قد تحقق، ألا وهو المساهمة في حل مشكلةٍ علميةٍ أو اكتشاف معلوماتٍ جديدةٍ.

مصادر الصور:

https://arabicedition.nature.com/journal/2014/07/510220a
http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0020169317302426

السعودي العلمي

Comments are closed.