أداةٌ لاسلكيةٌ مزروعةٌ في الدماغ تعالج شلل القرود

كتابة: بيتر دوكريل.
ترجمة:  مرنان سليماني.
مراجعة: أحمد إبراهيم عبد الخير.

استخدم العلماء جهازاً مزروعاً دماغياً لاسلكيٍ في اثنين من قرود المكّاك الريسوسي المشلولة لتجاوز إصابات الحبل الشوكيّ، متيحةً لهم بذلك القدرة على المشي ثانيةً.

وتمثل هذه المنظومة أول مرةٍ يقوم فيها جهازٌ عصبيٌ اصطناعيٌ باستعادة الحركة في حيوانٍ رئيسيٍّ، حيث تقوم بإرسال إشارات الدماغ المترجمة مسبقاً لاسلكياً لتحفيز العضلات المسئولة عن حركة الساق.

في حين أنه هذه التقنية اختبرت حتى الآن على قرود المكّاك فقط، إلا أن الفريق القائم على البحث يُصرح بأنها ستساعد في استعادة القدرة على المشي مجدداً للبشر المشلولين نتيجة إصاباتٍ بالحبل الشوكيّ يوماً ما.

يقول المهندس بجامعة براون ديفيد بورتون: “تستخدم المنظومة التي طورناها إشاراتٍ مُسجَلةً من القشرة الدماغية الحركية، لإطلاق تحفيزٍ كهربائيٍّ مُنسَقٍ للأعصاب الموجودة بالحبل الشوكي المسؤولةٌ عن الحركة”. وأضاف: “كان للحيوانات في الدراسة حركةً طبيعيةً تقريباً عند تشغيل هذه المنظومة”.

تُرسل الإشارات الكهربائية المنبعثة من القشرة الحركية المخية إلى الأسفل في المنطقة القطنية (أي أسفل الظهر) من الحبل الشوكي السفلي عندما نمشي، وتقوم بتنشيط الخلايا العصبية الحركية التي تساعدنا في تنسيق حركة عضلات الساق الضرورية للمشي بمجرد وصولها.

لكن إصابات الحبل الشوكيّ العليا يمكن أن تؤدي إلى قطع التواصل بين المخ والحبل الشوكيّ السفليّ، بمعنى أن الإشارات العصبية لا تستطيع الوصول لتنسيق حركة ساقنا.

كان هدف الفريق البحثيّ الذي تضمن باحثين من سويسرا وألمانيا أن يستعيدوا هذه الحركة المفقودة، عن طريق إرسال نفس الإشارات بشكلٍ لاسلكيٍ، متجاوزين الأعصاب المقطوعة تماماً.

يُزرع في المنظومة مجموعةٌ من أقطابٍ كهربائيةٍ بحجم حبة الدواء في الدماغ لالتقاط الإشارات المسببة للحركة الناتجة من القشرة المخية الحركية، ولقد صُممت بناءً على تقنية استشعارٍ سابقةٍ تسمى بـ “برين جيت (بوابة الدماغ)“.

 

ثم تُرسِل أداة الاستشعار اللاسلكيّ تلك الإشارات الحركية إلى حاسوبٍ، والذي يفك شفرتها قبل إرسالها لاسلكياً إلى محفزٍ كهربائيٍّ مزروعٍ في الحبل الشوكيّ القطنيّ أسفل منطقة الإصابة في الحبل الشوكيّ، فتُرسل هذه الإشارات المُحفِزة إلى الأعصاب في الحبل الشوكيّ، والتي تنشط عضلات الساق.

لمعايرة الجهاز، قام الباحثون بزراعة الرابطة العصبية في قرود مكّاكٍ سليمةٍ، ليتمكّنوا من التقاط إشارات دماغ الحيوانات والمسئولة عن حركة وانتقال الساق الطبيعية. بعد ذلك، اختبر الباحثون المنظومة المزروعة على اثنيْن من المكّاك المصابين بشللٍ مؤقتٍ نتيجةً لإصابات الحبل الشوكيّ في العمود الفقريّ الصدريّ الخاص بهم (الواقِع أعلى ووسط الظهر).

عندما نُشط كلٌ من الرابطة العصبية والمتلقي، بدأت الحيوانات بتحريك ساقيها عفوياً، بل وبدأت بالمشي بحركةٍ طبيعيةٍ تقريباً على جهاز السير، كما يمكنك أن تشاهد الفيديو هنا. ووفقاً للباحثين، تُعد القدرة على استعادة الحركة لاسلكيا أمراً بالغ الأهمية، لأن جهاز استشعار الدماغ السلكيّ قد يقيد حرية الحركة.

يقول بورتون: “إن القيام بهذا العمل لاسلكياً يُمكننا من وضع خريطةٍ للنشاط العصبيّ في السياق العاديّ وخلال السلوك الطبيعيّ. فإذا كنا نهدف حقاً للأجهزة العصبية الاصطناعية التي ربما تنتشر في يومٍ ما لتساعد المرضى خلال النشاطات اليومية، فإن التقنيات غير المقيدة ستكون حاسمةً”.

إنه إنجاز ضخم حقاً، لكن الفريق البحثيّ يحذر من أن للنظام بعض القيود حتى الآن، حيث لا تزال الرابطة العصبية تتطلب جهاز حاسوبٍ مستقلٍ قادرٍ على فك شفرة الإشارات، والأهم من ذلك هو أن الإشارات العصبية اللاسلكية حالياً يمكن إرسالها فقط في اتجاهٍ واحدٍ، من المخ إلى الساقين.

في المشي المنتظم، تُرسل ساقيننا وقدمينا أيضاً معلوماتٍ حسيةً إلى المخ، لتساعد في إعلام توازننا، سرعة مشينا، وتناسقه. ويُعد فهم ذلك اللغز وحله هو الخطوة التالية للباحثين. ويقول بورتون: “نريد أن نقوم في دراسةٍ ترجميةٍ بالمزيد من القياسات حول كيفية توازن الحيوان أثناء المشي، وقياس القوى التي يمكنهم بذلها”.

يؤكد الفريق أيضاً أن الأمر قد يستغرق عدة سنواتٍ قبل أن نرى هذه المنظومة تُستخدم على البشر، ولكن على الرغم من ذلك، فإنه من المثير جداً الحصول على لمحةٍ عن إمكانات هذا الجهاز اللاسلكيّ.

لن تُستخدم هذه المنظومة فقط كوسيطٍ عصبيٍّ لاستعادة الحركة عند تنشيط المُتِلقي، بل أيضاً ربما تُستخدم في يومٍ ما كأداةٍ لإعادة تأهيل المرضى، لمساعدتهم على الحركة مجدداً، والتعلم من جديدٍ خطوةً بخطوةٍ، للمشي على أقدامهم من دون مساعدة أحدٍ.

يختتم بورتون قائلاً: “هناك مقولةٌ شائعةٌ في علم الأعصاب وهي أن الدوائر العصبية التي تعمل معاً ستتصل مع بعضها البعض. إن الفكرة هنا هي أننا قد نتمكن من تحسين نمو الدوائر العصبية أثناء إعادة التأهيل بإشراك المخ والحبل الشوكي معاً. وهذا أحد أهم أهداف هذا البحث خاصةً، وهدفٌ لهذا المجال عامةً”. ولقد نشرت النتائج في دورية نايتشر.

 

توضيح:

المنظومة (أو الرابطة العصبية) تتكون من جزءيْن: أولاً، الأداة الموجودة في المخ والتي تقوم بإرسال الإشارات العصبية المخية. ثانياً، المتلقي الذي يستقبل هذه الإشارات مُرسِلاً إياها إلى عضلات الساق، محفزاً المشي. ومن هنا نلاحظ أن المنظومة تعمل كحلقة وصل (وسيط)، بين المخ والحبل الشوكي. (المُراجِع)

المصدر: (sciencealert)

بيتر دوكريل (PETER DOCKRILL)
قردة المكَاك الريسوسي (rhesus macaques)
ديفيد بورتون (David Borton)
القشرة الحركية المخية (Brain’s motor cortex)
براين جيت (Brain gate)
للبدائل العصبية (neuroprosthetics)
إعادة تأهيل (rehabilitation)

السعودي العلمي

Comments are closed.