شفاء فئرانٍ من السرطان باستخدام لقاحٍ بسيط

كتابة ميشيل ستار.
ترجمة: رنا القسومي.
مراجعة: سحاب أحمد الذايدي.

وجد الباحثون أن لقاحاً قابلاً للحقن مباشرةً في أورام الفئران قادرٌ على القضاء على جميع آثار تلك الأورام، كما وجدوا أنه يعمل على العديد من أنواع السرطان المختلفة بما فيها الخلايا السرطانية المنتقلة وغير المعالَجة في الحيوان نفسه. حيث طور العلماء في كلية الطب بجامعة ستانفورد علاجاً محتملاً باستخدام عاملين يعززان الجهاز المناعي، وتُجرى حالياً تجربةٌ سريريةٌ بشريةٌ في مرضى سرطان الغدد اللمفاوية،

ويقول الباحث الرئيسي وعالم الأورام وهو رونالد ليفي: ” نرى اختفاء الأورام في جميع أنحاء الجسم عندما نستخدم هذين العاملين معاً”، ويضيف: “تتجنب آلية هذا العلاج الحاجة إلى تحديد أهدافٍ مناعيةٍ خاصةٍ بالورم، ولا تتطلب تنشيط الجهاز المناعي بجملته أو تخصيص الخلايا المناعية للمريض”.

إن صعوبة العلاج المناعي للأمراض السرطانية يعود إلى إنتاج الخلايا السرطانية من قِبل الجسم نفسه، إذ لا يُدرك الجهاز المناعي بأنها أجسام غريبةٌ يجب محاربتها كالبكتيريا والفيروسات، ولهذا السبب تركز بعض العلاجات المناعية للسرطان على تدريب الجهاز المناعي للتعرف على الخلايا السرطانية كجسمٍ غريبٍ. وتُمثل هذه الفكرة جزءاً فعّالاً من العلاج، لكنها تتطلب إزالة الخلايا المناعية من جسم المريض وهندستها وراثياً لكي تهاجم السرطان ومن ثم إعادة حقنها، وهذه عمليةٌ مكلفةٌ وتتطلب وقتاً طويلاً، ولكن يمكن لهذا اللقاح أن يكون أرخص وأسهل بكثير.

لا يعمل هذا اللقاح كعلاجٍ وقائي السابق للعدوى كاللقاحات التقليدية الأخرى، بل حُقنت به الفئران التي لديها أورامٌ بالفعل وكان الحقن مباشراً في أحد المواقع المُصابة، ويقول رونالد ليفي: “ما توصلنا إليه هو تطبيق كميةٍ قليلةٍ لمرةٍ واحدةٍ لعاملي تحفيز الخلايا المناعية داخل الورم نفسه فقط”، ويُضيف: ” رأينا تأثيراً مذهلاً في جميع أجزاء أجسام الفئران، بما في ذلك القضاء على جميع الأورام الموجودة في الجسم”.

يستغل اللقاح ميزةً في الجهاز المناعي، إذ تتعرف خلايا الجهاز المناعي على البروتينات غير الطبيعية للخلايا السرطانية أثناء نمو الورم السرطاني، بما فيها الخلايا التائية. إلا أن الخلايا السرطانية يمكن أن تُراكم الطفرات لتتفادى تدميرها من قِبل الجهاز المناعي، وتعمل على قمع الخلايا التائية التي تهاجم الخلايا غير الطبيعية.

يعمل هذا اللقاح عبر إعادة تنشيط الخلايا التائية ويتألف من عاملين رئيسين، الأول هو عبارةٌ عن قطعةٍ قصيرةٍ من الحمض النووي منقوص الأكسجين يُطلق عليها سايتوسين-فوسفات ثنائي الأستر-جوانين قليل النوكليوتيدات، وتعمل هذه القطعة مع الخلايا المناعية المجاورة على زيادة فاعلية التعبير الوراثي لمستقبلات مُنشطةٍ على الخلايا التائية والمُسماة “أو إكس 40″، والذي يُعتبر جزءاً من عائلة مستقبلات عامل النخر الورمي.

بينما العامل الثاني هو جسمٌ مضادٌ يرتبط مع جزيء أو إكس 40 وينشّط الخلايا التائية لمحاربة الخلايا السرطانية، ويُحقن هذان العاملان مع بعضهما مباشرةً في الورم بكمياتٍ لا تتجاوز بضعة ميكروغرامات، ما يعني أنهما ينشطان الخلايا التائية الموجودة داخل الورم فقط، والتي تعرّفت مسبقاً على الخلايا السرطانية كمهددةٍ للجسم.

تعمل هذه الخلايا على الأورام، لكن بعضاً من الخلايا التائية تُغادر موقعها في الورم بعد ذلك لتدمر الأورام الأخرى الموجودة في الجسم، و زُرعت غددٌ لمفاويةٌ مسرطنةٌ في فئرانٍ مخبرية في موقعين لاختبار ذلك، وهُندست مجموعةٌ أخرى وراثياً لتُطوّر سرطان الثدي. فوُجد أن 87 حالةً شُفيت تماماً من بين 90 من الفئران المصابة بسرطان الغدد اللمفاوية، حيث حُقن العلاج في إحدى الورمين بينما دُمّر كليهما. أما الحالات الثلاث المتبقية فقد عادت إليها الإصابة، لكنها شُفيت بعد العلاج الثاني. كما أظهر العلاج فعاليّةً على الفئران التي هُندست وراثياً لتطوّر سرطان الثدي، ويقول الباحثون بأن معالجة الورم الأول يمنع عودة الأورام غالباً ولكن ليس دائماً، ويُطيل حياة الحيوانات.

اختبر الفريق فيما بعد فئراناً مصابةً بسرطان الغدد اللمفاوية والقولون، فوجدوا أنه تم تدمير سرطان الغدد اللمفاوية بينما لم يدمر سرطان القولون، وهذا يبرهن لنا أن الخلايا التائية متخصصة لذلك النوع من الأورام، فبالتالي لا يخلو هذا العلاج من القيود. ولكنه يُبيّن لنا أن العلاج المناعي ممكنٌ دون اللجوء إلى الهندسة الوراثية للخلايا خارج الجسم، أو كما في حالة لقاحٍ سابقٍ تم فيه استخلاص الحمض النووي الرايبوزي للسرطان، وعُولج ثم حُقن في الجسم، وتم تطبيق شحنةٍ كهربائية لإيصاله إلى الخلايا المناعية.

إنّ فعالية العلاج الجديد على وشك أن تُختبر لمعرفة إمكانية عمله في البشر، إذ يُتوقع أن تتضمن التجارب السريرية التي تُجرى حالياً 15 متطوعاً مصاباً بسرطان الغدد اللمفاوية منخفض الحدة، وربما يُستخدم العلاج مستقبلاً في الأورام قبل أن تُستأصل جراحياً للمساعدة على منع انتشارها للخلايا المجاورة إذا كان فعّالاً، أو حتى لمنع عودة السرطان. ويقول رونالد ليفي: “لا أعتقد بأن هناك حدّاً لنوع الأورام التي يمكننا علاجها، طالما أن الجهاز المناعي يستطيع اختراقها”. ولقد نُشرت الدراسة في دورية ساينس للطب المتعدي.

 المصدر (Sciencealert)

المصطلحات:
الخلايا السرطانية المنتقلة Metastases
سرطان الغدد اللمفاوية Lymphoma
الجهاز المناعي Immune system
رونالد ليفي Ronald Levy
الخلايا التائية T cells
(سايتوسين-فوسفات ثنائي الاستر-جوانين) قليل النوكليوتيدات CpG oligonucleotide
عامل النخر الورمي Tumour Necrosis Factor
الهندسة الوراثية Genetically Engineering
ساينس للطب المتعدي Journal Science Translational Medicine

السعودي العلمي

Comments are closed.