تقنية سلسلة الكتل (البلوكتشين): بداية عصرٍ جديدٍ من توثيق البيانات

هذا المقال برعاية المعرض والمؤتمر السعودي الدولي الثالث لإنترنت الأشياء .
كتابة وتحرير: فريق السعودي العلمي.

سلاسل الكتل (البلوكتشين): ما هي؟ وكيف تعمل؟
سلاسل الكتل (البلوكتشين) هي تقنيةٌ ناشئةٌ تتصدر اليوم قائمة التقنيات الأكثر تداولاً وجدلاً، فهي لا زالت من منظور البعض بعيدة المنال لتطبيق مفاهيمها واقعياً، بينما بدأت بعض المؤسسات بتطبيقها فعلياً، ويرى الكثيرون أن الإمكانيات الهائلة التي تحملها هذه التقنية ستغيّر أساليب العمل في مجالاتٍ كثيرةٍ، لا سيما التعاملات المالية. فلقد اعتمد الأفراد والشركات سابقاً على الوسطاء مثل البنوك والحكومات لضمان الثقة واليقين في المعاملات المالية أو أيَّ شيءٍ ذو قيمةٍ، حيث يقوم الوسطاء ببناء الثقة في المعاملات مثل المصادقة وحفظ السجلات، وتزداد الحاجة إلى الوسطاء عند إجراء المعاملات الرقمية نظراً لسهولة إعادة إنتاج الأصول الرقمية. فالمال والأسهم والملكية الفكرية هي ملفاتٌ في أساسها، وإعادة إنتاجها يخلق ما يُعرف بمشكلة الإنفاق المزدوج، أي إنفاق نفس وحدة القيمة أكثر من مرةٍ، وهو ما وقف حاجزاً أمام تطبيق عمليات نقل الأصول الرقمية بين النظراء حتى الآن. وهنا يأتي دور سلسلة الكتل كوسيلةٍ لإجراء المعاملات الرقمية دون أي طرفٍ ثالثٍ! فمتى بدأت تقنية سلاسل الكتل بالظهور؟ وما هي هذه التقنية؟ وكيف تعمل؟

تاريخ سلسلة الكتل
بدأت فكرة سلسلة الكتل منذ عام 1991م، حيث عمل على تطويرها كلّ من ستيوارت هابر و دبليو سكوت ستورنيتا، لكنهما فشلا في تطبيقها عملياً لأن المستخدمين كانوا قادرين على نسخ المعاملات الرقمية وإنفاق الأموال أكثر من مرةٍ، وذلك لافتقاد وجود نقودٍ الكترونيةٍ محدودة العدد (مثل المال المصكوك) يُمكن الاعتماد عليها كما أشار الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل لعام 1999، ميلتون فريدمان. وفي عام 2008، تمكنت البيتكوين من حل مشكلة الإنفاق المزدوج من خلال ابتكار مفهوم دفتر الأستاذ اللامركزي التي أطلقها شخصٌ يسمي نفسه ساتوشي ناكاموتو، والبيتكوين هو نظامٌ قائمٌ على أسس نظام الدفع بين الأقران وانتشرت في السوق تدريجياً، ولكنها استخدمت بكثرةٍ في المعاملات غير القانونية بسبب عدم وجود لوائح وقواعد تنظيميةٍ ملائمةٍ، ولقد كانت البيتكوين مجرد نظام للدفع في بدايتها، وكانت هناك حاجةٌ إلى سلسلة الكتل لحل مشاكل العالم الحقيقي.

في عام 2011، بدأ استخدام العملات المشفرة في التطبيقات المتعلقة بالمعاملات النقدية، وظهرت أنظمة تحويل العملات والمدفوعات الرقمية في عام 2013، وبعدها العقود الذكية بقليل، وتوالت التطورات في المجال حتى هذه اللحظة، لتتضمن عقود توحيد السوق والتطورات الفرعية الأخرى. لقد قدمت البيتكوين وسلسلة الكتل مجموعةً ثابتة من القواعد الميكانيكية بحيث يمكن أن تتم المعاملات بين المستخدمين من دون وسطاء، ومع ارتفاع شعبية البيتكوين، تبعتها عُملاتٌ رقميةٌ أخرى بتطبيقات سلسلة الكتل الخاصة بها، مما تسبب في زيادة الاهتمام بسلاسل الكتل عبر الصناعات والتطبيقات.

ما هي تقنية سلسلة الكتل؟
سلسة الكتل هي أكثر من مجرد كونها قاعدة بياناتٍ، ويُمكن وصفها بأنها نوعٌ من مخازن البيانات الذي يخزن أيّ شيءٍ ذي قيمةٍ رقميةٍ، حيث تُخزن كلّ معاملةٍ جديدةٍ في كتلةٍ وتُضاف إلى سلسلةٍ من السجلات الموجودة. وتقوم سلسلة الكتل النموذجية بنسخ البيانات عبر شبكةٍ مفتوحةٍ حتى ترى جميع الأطراف في السلسلة التحديثات في نفس الوقت، ويتم التحقق من صحة جميع التحديثات من خلال عملية تحققٍ عامةٍ تضّمن الدقة دون الحاجة إلى سلطةٍ مركزيةٍ. سلسلة الكتل هي نظام شفافٌ وآمنٌ يصعُب اختراقه، وتتميز بأن لديها سجلاً دقيقاً تاريخياً مُوّثقاً للعمليات يتفق عليه جميع من في الشبكة على طول السلسلة، وستغير هذه التقنية طريقة تفكير الناس في تبادل القيمة والأصول، وفرض العقود، ومشاركة البيانات.

كيف تعمل تقنية سلسلة الكتل؟
تتألف سلسلة الكتل (كما يوضح اسمها) من مجموعةٍ من الكتل المُتسلسلة التي تحتوي على معلوماتٍ رقميةٍ، وترتبط هذه الكتل مع بعضها البعض في السلسلة وفق آلياتٍ معينةٍ، ولا يمكن بعد ذلك تعديلها أو حذفها. ففي المعاملات المالية مثلاً، تقوم الكتلة بتخزين معلوماتٍ حول المعاملة مثل التاريخ والوقت والمبلغ لعملية الشراء الأخيرة، ويتم تسجيلها باستخدام “توقيعٍ رقمي” فريدٍ يشبه اسم المستخدم، ودون أيّ معلوماتٍ تعريفيةٍ صريحةٍ. ويُمكن تخزين ما يصل حجمه إلى 1 ميجابايت من البيانات في كتلةٍ واحدةٍ ضمن سلسلة الكتل، وفقاً لحجم المعاملات.

عند تخزين كتلة بياناتٍ جديدةٍ تُضاف إلى سلسلة الكتل، ولتكتمل هذه الإضافة ينبغي أن تحدث أربع خطوات هي:

  1. أن تحدث معاملةٌ ماليةٌ كإجراء شراءٍ على الإنترنت على سبيل المثال.
  2. التحقق من هذه المعاملة: عبر مقارنة السجلات الموجودة في شبكة من الحواسيب التي يصل عددها إلى آلاف أو ملايين الحواسيب المنتشرة حول العالم، فبمجرد حدوث المعاملة تُسارع هذه الحواسيب للتحقق من أن المعاملة تؤكد تفاصيل الشراء.
  3. تخزين المعاملة في كتلةٍ جديدةٍ: تحصل المعاملة على الضوء الأخضر بعد التحقق من دقتها، ويتضمن تخزينها المبلغ والتوقيع الرقمي للبائع والمشتري.
  4. يُعطى للكتلة دالة “هاش” لإضافتها ضمن سلسلة الكتل: هذه الدالة هي بمثابة رمزٍ تعريفي فريدٍ خاصٍ بالكتلة، ويُساعد فيما بعد في الكشف عن أيّ تلاعبٍ قد يحدث بمعلومات الكتلة.

عندما تُضاف هذه الكتلة إلى سلسلة الكتل تُصبح متاحةً للجميع، ويمكن استعراض معلوماتها بما فيها وقت المعاملة ومكانها والأطراف المعنيين فيها، فالمعلومات المحفوظة على سلسلة الكتل تتوفر كقاعدة بياناتٍ مشتركةٍ ومتسقةٍ باستمرار. ومن هنا تتجلى أولى وأبرز فوائد تقنية سلسلة الكتل وهو أن سجلاتها عامةٌ ويُمكن التحقق منها بسهولةٍ، ويُمكن لأي شخص على الإنترنت الوصول إليها. ولا توجد نسخةٌ مركزيةٌ من المعلومات، فلا تُخزن قاعدة بيانات سلسلة الكتل في مكانٍ واحدٍ أساساً، وهذا ما يجعلها عصيةً على الاختراق وعالية الأمان. وهذه بعض مزايا سلسلة الكتل التي تجعلها محط الأنظار من بين التقنيات الصاعدة الحديثة:

  • أنها لا مركزية، وليست مملوكة لكيانٍ واحدٍ، فكلّ شخصٍ في الشبكة يملك المعلومات.
  • تُخزن البيانات بشكلٍ مشفرٍ داخل سلسلة الكتل.
  • غير قابلة للتغيير، فلا يمكن لأي شخص العبث بالبيانات الموجودة داخل سلسلة الكتل؟
  • الشفافية العالية التي تتيح إمكانية تتبع البيانات، مع توفير درجةٍ عاليةٍ من الخصوصية، حيث تُخفى هوية الشخص عبر تشفيرٍ معقدٍ ويمثلها عنوانه العام فقط. وإذا كنت تبحث عن سجل معاملات شخصٍ ما فلن تجد معلوماتٍ توضح هويته الشخصية صراحةً بل سترى ما يشبه هذا الرمز “1MF1bHsFLkBziz9vpFYE3mvwT2ByCt7NZJ” بدلاً من ذلك للتعبير عن هوية صاحب المعاملة.

تتضمن سلاسل الكتل طبقةً من التشفير تجعل التلاعب بالبيانات الموجودة في الشبكة أمراً في غاية الصعوبة، فكلّ كتلةٍ جديدةٍ تُبنى على الدقة المشتركة مع الكتلة الأخيرة، ولهذا فإن أي شخصٍ يحاول التلاعب بالبيانات وتحريرها بطريقةٍ مخادعةٍ سيتعين عليه تحرير جميع الكتل السابقة أيضاً، بل وجميع الكتل عبر الشبكة، وهذا هو سر الأمان العالي الذي تتصف به تقنية سلسلة الكتل.

تعتبر العملة الرقمية والمستندات القانونية عناصر شائعة لتخزينها في سلسلة الكتل، حيث تُخزن المعلومات الموجودة في سلسلة الكتل في العديد من دفاتر الأستاذ المتصلة أو القوائم التي تنتشر عبر الشبكة، مما يوفر الأمان وإمكانية المصادقة عبر النظام. وعلى الرغم من أن استخدام تقنيات سلسلة الكتل لا يزال في مراحله المبكرة، إلا أن البحث فيها يجري على قدمٍ وساق باعتبارها نوعاً جديداً من بيئات البيانات الموزعة التي يُمكن استخدامها للعديد من تطبيقات أنظمة الشبكات الافتراضية.

هذا المقال هو جزءٌ من حملة التعريف بتقنية إنترنت الأشياء من سلسلة الثورة الصناعية الرابعة، ويأتيكم بشراكةٍ إعلاميةٍ مع المعرض والمؤتمر السعودي الدولي الثالث لإنترنت الأشياء، والمقام في مدينة الرياض ما بين 8-10 مارس. ولمعرفة المزيد عن المؤتمر والتسجيل لحضوره تفضلوا بزيارة الموقع الإلكتروني للمؤتمر.

المراجع:

  1. Medium, Blockchain History 2019.
  2. Medium, How does blockchain works?
  3. Investopedia
  4. SAS
  5. Blockgeeks
السعودي العلمي

Comments are closed.