العلماء الصينيون يصبحون رواد تجارب تقنية كريسبر

كتابة : ديفيد سيرانوسكي.
ترجمة : إسراء الحاجي.

يوشك علماءٌ صينيون أن يصبحوا الأوائل في العالم الذين يحقنون أشخاصاً بخلايا معَّدلةٍ باستخدام تقنية تحرير الموروثات “كريسبر-كاس 9”. حيث يخطّط فريقٌ بقيادة المتخصص في علم الأورام بمستشفى الصين الغربي التابع لجامعة سيتشوان في مدينة تشينقدو الدكتور لو يو البدء بتجريب هذه الخلايا على الأشخاص المصابين بسرطان الرئة خلال الشهر القادم. ولقد حصلت هذه التجربة السريرية على الاعتماد الأخلاقي من مجلس المراجعة بالمستشفى في السادس من يوليو (تموز).

يقول الباحث الإكلينيكي في العلاج المناعي بجامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا كارل جون: “إن هذه خطوةٌ مثيرةٌ إلى الأمام”.

فهناك عددٌ من التجارب السريرية التي أُجريت على البشر باستخدام تقنيةٍ بديلةٍ لتحرير الموروثات، بما فيها التجربة السريرية التي قادها جون والتي ساعدت المرضى على التغلب على فيروس نقص المناعة البشري (الفيروس المسبب للإيدز)*. ويعمل جون أيضاً كمستشارٍ علميٍ في تجربةٍ أمريكيةٍ  مقبلةٍ ستستخدم خلايا معدلةً بتقنية كريسبر-كاس9 لعلاج السرطان .

وافقت لجنةٌ استشاريةٌ من المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية على المشروع الشهر الماضي. ولكن التجربة تستلزم أيضاً الموافقة من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية ولجنة المراجعة بالجامعة. وقال الباحثون الأمريكيون أنه من الممكن أن يبدأوا تجربتهم السريرية بنهاية هذا العام.

العلاج الكيميائي غير الفعّال

ستضم التجربة الصينية المرضى المصابين بسرطان الرئة النقيلي (أو الانبثاثي: الذي انتقل إلى مواضع أخرى خارج الرئة)*  ذي الخلايا غير الصغيرة، والذين فشل في مداواتهم كلاً من العلاج الكيميائي ، العلاج الإشعاعي، وغيرها من العلاجات الأخرى. يقول لو: “إن خيارات العلاج محدودةٌ جداً، وهذه التقنية واعدةٌ جداً في جلب المنافع للمرضى، وبالخصوص مرضى السرطان الذين نعالجهم كل يوم”.

سيقوم فريق لو باستخلاص خلايا مناعية تُسمّى بالخلايا التائية من دم المرضى الملتحقين بالدراسة، ومن ثم سيستخدم الفريق تقنية كرسيبر-كاس 9 لقص الموروثة في الخلايا، وتقنية كرسيبر-كاس 9 تجمع بين دليلٍ جزيئيٍ قادرٍ على تحديد سلاسل وراثيةٍ معينةٍ على الكروموسوم  مع إنزيمٍ يمكنه قطع الكروموسوم عند تلك النقطة. حيث تُشفّر هذه الموروثة بروتيناً يُسمى بروتين موت الخلايا المبرمج 1 (اختصاراً بي دي 1)، والذي يعمل عادةً على ضبط قدرة الخلية على استحداث استجابةٍ مناعيةٍ ليمنعها من مهاجمة الخلايا السليمة.

بعد ذلك، ستُضاعف الخلايا ذات الموروثات المٌحّررة في المعمل لتُعاد إلى مجرى دم المريض. ومن ثم ستجول الخلايا المُهندسة في الجسم، ويأمل الفريق أنها ستستهدف السرطان كما يقول لو. وتعتزم التجربة السريرية الأمريكية أن تعطل المروثة التي تُشفّر بروتين موت الخلايا المبرمج 1 بشكلٍ مشابهٍ، وستُعّطل موروثةً ثانيةً أيضاً وستدخل موروثةً ثالثة قبل أن تُعاد الخلايا إلى المريض.

وافقت هيئة الدواء والغذاء الأمريكية في العام الماضي على استخدام اثنين من العلاجات التي تعتمد على الأجسام المضادة التي تُعطّل بروتين موت الخلايا المبرمج 1 لمقاومة سرطان الرئة. لكن من الصعب التنبؤ إلى أيّ حدٍ ستقوم هذه الأجسام المضادة بتعطيل بروتين موت الخلايا المبرمج 1 وتنشط الاستجابة المناعية.

على النقيض من ذلك، فإن قص الموروثة تُعطّل بروتين موت الخلايا المبرمج 1 بشكلٍ مؤكدٍ أكثر، بينما تزيد مضاعفة الخلايا من فرصة الاستجابة. يقول عالمٌ يجري بحثاً إكلينيكياً في مجال العلاج المناعي بمركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان في مدينة نيويورك وهو تيموثي شان: “ستكون هذه التقنية أكثر فعاليةً بكثير من الأجسام المضادة”.

التوثق من الخلايا

من المعروف أن تقنية كريسبر يُمكن أن تُنتج تعديلاتٍ وراثيةً في المكان الخطأ من الجينوم، مسببةً آثاراً ضارةً. يقول أحد أعضاء فريق لو والمتخصص في علم الأورام بمستشفى الصين الغربي وهو لي دينق أن أحد الشركات المساعدة في التجربة وهي شركة تشنغدو ميدجينسيل المتخصصةً بالتقنية الحيوية ستتوثق من الخلايا قبل أن تُعاد الخلايا إلى المريض، وذلك لتضمن أن الموروثات التي عُطّلت هي الموروثات الصحيحة.

يخشى الباحث شان من أن هذه المقاربة قد تتسبب في استحثاث استجابةٍ مناعيةٍ ذاتيةٍ مفرطةٍ، والتي ستبدأ فيها الخلايا بشكلٍ غير مميِّزٍ بمهاجمة الأمعاء، الغدد الكظرية، وأنسجة الجسم الطبيعية الأخرى، وذلك لأن هذه التقنية تستهدف الخلايا التائية المسؤولة عن إحداث أنواعٍ مختلفةٍ من الاستجابات المناعية. يقول شان: “إن كل الخلايا التائية وكل شيءٍ سيكون نشطاً، مما سيشكل مصدراً للقلق”.

يقترح الباحث شان أن يستخرج الفريق الخلايا التائية من مكان الورم بدلاً من ذلك، لأن هذه الخلايا ستكون قد تخصصت بالفعل في مهاجمة السرطان. ولكن دينق يقول أنه ليس من السهل الوصول إلى أورام سرطان الرئة المستهدفة في تجربتهم. ويقول شان أيضاً أن نتائج العلاج بالأجسام المضادة المعتمدة من قِبل هيئة الغذاء والدواء طمئنت الفريق، حيث أنها لم تبدِ معدلاتٍ مرتفعةٍ من الاستجابة المناعية الذاتية.

صُممت المرحلة الأولى من التجربة السريرية بشكلٍ أساسيٍ لاختبار ما إذا كان النهج المستخدم في التجربة آمناً. حيث ستختبر المرحلة الأولى من التجربة تأثير ثلاثة أنواعٍ مختلفة من الجرعات على عشرةِ أشخاصٍ، حيث يخطط الفريق في المُضِّي في تنفيذ التجربة بتأنٍ وزيادة الجرعة تدريجياً، والبدء بمريضٍ واحدٍ لتتم ملاحظته عن كثبٍ لدراسة الأعراض الجانبية. لكن الباحثون سيقومون أيضاً بمراقبة العلامات في الدم التي تشير إلى أن العلاج يؤدي عمله.

السمعة السريعة

يقول لو أن عملية المراجعة التي استغرقت نصف عامٍ تطلبت من الفريق أن يستثمر الكثير من الوقت والموارد البشرية، بما فيها الاتصال المباشر مع مجلس المراجعة الداخلية بالمستشفى. ويقول الباحث لو: “كان هناك تذبذبٌ كبيرٌ”. ويضيف: “إن موافقة المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية على تجربة تقنية كريسبر الأخرى عزّزت تجربتنا وعزّزت ثقتنا في مجلس المراجعة الداخلية بالمستشفى في هذه الدراسة”.

يقول المتخصص في علم الأخلاقيات الحيوية بجامعة هوكايدو في سابورو في اليابان وهو تيتسويا إشي: “تملك الصين صيتاً بأنها تتحرك بسرعةٍ فيما يتعلق بتقنية كريسبر، وبسرعةٍ كبيرةٍ أحياناً. ووفقاً للباحث لو، فإن فريقه كان قادراً على الانتقال بسرعةٍ من خطوةٍ لأخرى في التجربة لأن لديهم خبرةً بالتجارب السريرية لعلاجات السرطان. ولم يندهش جون بأن المجموعة الصينية قفزت إلى الأمام في تجربةٍ كهذه، ويقول: “إن الصين تعطي أولويةً عاليةً للبحوث الطبية الحيوية”.

يعلّق اشي قائلاً أنه إذا بدأت التجربة السريرية كما خٌطّط لها، فإنها ستكون الأحدث في سلسلة من سوابق الصين في مجال تحرير الموروثات بتقنية كريسبر، بما فيها أول أجنّة إنسانية مُعّدلةٍ بتقنية كريسبر وأول قرودٍ معّدلة بتقنية كريسبر. ويقول اشي: “عندما يتعلق الأمر بتحرير الموروثات، فإن الصين هي المتصدرة”. ويقول لو: “أتمنى أن نكون الأوائل الذين يقومون بهذه التجربة. و الأهم من ذلك هو أنني آمل أن نحصل على معلوماتٍ إيجابيةٍ  من التجربة”.

المصدر : (Nature)

ديفيد سيرانوسكي (David Cyranoski)
تقنية تحرير الموروثات كريسبر-كاس 9 (CRISPR–Cas9 gene-editing technique)
لو يو (Lu You)
مستشفى الصين الغربي التابع لجامعة سيتشوان في مدينة تشينقدو (Sichuan University’s West China Hospital in Chengdu)
كارل جون (Carl June)
جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا (the University of Pennsylvania in Philadelphia)
المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية (the US National Institutes of Health) (NIH)
هيئة الغذاء و الدواء الأمريكية (the US Food and Drug Administration) (FDA)
سرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة النقيلي (metastatic non-small cell lung cancer)
الخلايا التائية (T-cells)
تعطيل الموروث (Gene Knockout)
بروتين موت الخلايا المبرمج 1 ( اختصاراً بي دي 1) ( PD-1)
تيموثي شان (Timothy Chan)
مركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان في مدينة نيويورك (Memorial Sloan Kettering Cancer Center in New York City)
لي دينق (Lei Deng)
شركة تشنغدو ميدجينسيل (Chengdu MedGenCell)
مجلس المراجعة الداخلية بالمستشفى (hospital’s internal review board) (IRB)
تيتسويا اشي (Tetsuya Ishii)
جامعة هوكايدو في سابورو في اليابان (Hokkaido University in Sapporo, Japan)

 

السعودي العلمي

Website Comments