الاقتراب من حل مفارقة المعلومات الكمومية في الثقوب السوداء

كتابة: لينة الأصفر.




نُشرت مؤخراً ورقةٌ في دورية ’رسائل المراجعة الفيزيائية’ من قبل هاوكينج وآخرين، تناقش حلاً محتملاً لمفارقة المعلومات في الثقوب السوداء، وهي مفارقةٌ قائمةٌ منذ ما يزيد عن أربعة عقود، وذلك بعد أن نشر ستيفن هاوكينج ورقةً في سبعينيات القرن الماضي تبين أن وجود الثقوب السوداء  ضمن حقولٍ كموميةٍ يقتضي أنها “ستتبخر” بفعل إشعاعها، والذي يُعرف حالياً بإشعاع هاوكينج. وقبل التطرق لشرح ما قد تضمنته الورقة الحديثة، علينا في بادئ الأمر أن نفهم مفارقة معلومات الثقوب السوداء.

مفارقة معلومات الثقوب السوداء

تزيد مساحة سطح أفق حدث الثقب الأسود عند سقوط جسيمٍ في ذلك الثقب بقدر ما يحمله هذا الجسيم من “معلوماتٍ” أو أنتروبية، وذلك وفقاً لمعادلة هاوكينج-بيكنشتاين والتي تنص على أن مساحة سطح الثقب الأسود تتناسب مع الإنتروبي التي يحويه. ولمن لا يعرفون معنى الإنتروبي، فالمقصود بها هنا هي قدر المعلومات التي يخفيها الثقب الأسود عن مراقبٍ خارجه.  تلك المعلومات تتضمن الأعداد الكمومية للجسيم الساقط، كحالات اللف ونوع الجسيم الساقط ونحوها.

إن الثقب الأسود لا يظهر أيّاً من تلك المعلومات الكمومية، بل ثبت أن الثقب الأسود فقط يظهر ثلاث كماتٍ كلاسيكيةٍ فقط عندما يسقط به أيّ جسيمٍ كان، ألا وهي: طاقة الجسيم/ كتلته، مقدار العزم الحركي الزاوية، والشحنة الكهربية للجسيم. وتعرف هذه المبرهنة بمبرهنة غياب الشعر. بالطبع، إن حفظ المعلومات الكمومية وعدم فناءها يُعتبر من الأسس التي تقوم عليها الفيزياء، ولا يمكن أن تقوم الأخيرة دون حفظ المعلومات الكمومية. ولكن إن كان ما يسقط في الثقب الأسود ﻻ يغير به سوى الكميات الكلاسيكية الثلاثة وفقا لمبرهنة غياب الشعر، أين تذهب المعلومات الكمومية؟

يمكن تجنب فكرة فناء المعلومات الكمومية عبر القول أن الثقوب السوداء باقيةٌ أبداً، وأن ما يدخلها لا يفارقها قط. وبالتالي تعمل الثقوب السواء ضمن هذه الصورة الكلاسيكية “كأقراص تخزين معلوماتٍ” هائلةٍ. ولكن هذه الصورة تبدو غير صحيحةٍ كما بين هاوكينج، بل إن الثقوب السوداء تتبخر وتضمحل. إذاً يسهُل القول بأن إشعاع هاوكينج يحمل المعلومات الكمومية، أليس كذلك؟

لا يحمل اشعاع هاوكينج سوى معلوماتٍ كلاسيكيةٍ فقط بسبب مبرهنة غياب الشعر، ولتصور ذلك علينا تصور حالة الثقب الأسود قبل إشعاعه لجسيمٍ وبعده.  حيث سيكون للثقب الأسود كتلةٌ M وعزم حركة الزاوية J وشحنة Q قبل الإشعاع. فإن أصدر هذا الثقب جسيماً له كتلة وعزم زاوي و شحنة m, j, and q على التوالي،  ستكون حالة الثقب الأسود بعد الإشعاع بكتلة M-m وكمية حركة J-j وشحنة Q-q فقط. بالتالي لا يمكن قطعاً الاستدلال من الجسيم الذي تم اشعاعه أيّ شيءٍ عن المعلومات الكمومية. وهنا يصح لنا أن نسأل: ماذا سيحصل للمعلومات الكمومية التي سقطت في الثقب الأسود عندما يتبخر كلياً؟ هل ستباد وتدمر؟ ولكن هذا يتنافى تماماً مع ما قد ذكرناه آنفاً عن ضرورة حفظ المعلومات الكمومية. وهذه هي مفارقة المعلومات الكمومية.

 

حل المفارقة، من أين نبدأ؟

بقيت هذه المعضلة قائمةً لما يزيد عن أربعة عقود ولم تحل. وعلي بالرغم من بساطتها، إلا أن الإتيان بحلٍ لها لم يكون بالأمر بالهيّن، ويعود السبب وراء هذا إلى أننا لا نفهم الجاذبية على المستوى الكمومي، ولسنا متأكدين تماماً من معرفتنا بنظرية جاذبيةٍ كموميةٍ مكتملةٍ تعطينا حلًا لهذه المعضلة.

جاءت الكثير من الحلول المبدئية لهذه المعضلة، ولكن أياً منها لم يكن مرضياً كفايةً كي يتم تقبله من قبل مجمل المجتمع العلمي المعني بفيزياء الجاذبية الكمومية، ومن هذه الحلول افتراض أن الثقب الأسود لا يتبخر بالكلية، بل يبقى منه آثارٌ بحجم بلانك تُبقي على المعلومات الكمومية، وحلٌ آخرٌ أتى بالقول بأن الثقوب السوداء ستنفجر بعد مدةٍ من اﻹشعاع، باثةً كل ما بداخلها، ومن تلك الحلول أيضاُ القول بأن الثقوب السوداء ليست سوى بواباتٍ لأكوان أخرى وغيرها الكثير. الجدير بالذكر أن كل تلك الحلول أثبتت عدم اتساقها بشكلٍ أو بآخر، وبالتالي رُفضت كحلٍ مقنعٍ لمعضلة الثقوب السوداء.

 

الثقوب السوداء ليست صلعاءفي النهاية

تحدثت الورقة المنشورة حديثاً عن وجود عددٍ لا متناه من “الشعر الناعم” بدلاً من كونها “صلعاء” كما تنص مبرهنة غياب الشعر. ولكن ما الذي يعنيه ذلك؟ ومن دون اللجوء للمسميات الأدبية؟

انطلق هاوكينج وآخرون من فكرةٍ نوقشت في الستينيات والمعروفة بذاكرة الجاذبية، أو التحويلات الفائقة أو تحويلات زمرة BMS- نسبة لمؤلفي المقال-.  ولتبسيط ما تضمنته فكرة التحويلات الفائقة سنمر على تجربةٍ ذهنيةٍ بسيطةٍ: تصور وجود جسيمين على بعدٍ ثابتٍ من بعضهما، وقد مر بينهما شعاعٌ ضوئيٌ / أو تجاذبي ذو طاقةٍ عاليةٍ سيؤثر هذا الشعاع على المسافة بين الجسيمين بالطبع بسبب الجاذبية (سيقتربان من بعضهما) وكأن الزمكان قد “تذكر” مرور هذا الشعاع. يمكن استنتاج أن الفارغ في ظل الجاذبية الكمومية ليس فريداً بل له عددُ لا متناهٍ من الحالات التي بإمكانه أخذها. و ذلك بسبب الفوتونات والجرافيتونات الناعمة -عديمة الطاقة- التي يمكن أن يحتويها  بفعل الأثر السابق.

لنحاول تطبيق هذا النقاش على جسيمٍ يسقط في الثقب الأسود، إن سقوط الجسيم هذا يؤدي ﻹشعاعه اشعاعاً جاذبياً كنتيجةٍ مباشرةٍ للنسبية العامة، ويؤدي هذا اﻹشعاع لتحولاتٍ فائقةٍ على الفراغ وتغير حالته عما كانت عليه قبل أن يسقط هذا الجسيم. إن هذا التغير يُترجم وكأنه حالة فيزيائيةٌ مختلفةٌ للثقب الأسود. وبالتالي سيتذكر هذا اﻹشعاع حالة الفراغ بحمله للشحنة الفائقة التي نتجت عن تحويلات BMS مما يعني عدم فقدان المعلومات الكمومية بفعل حفظها على هيئة شحناتٍ فائقةٍ تتجمع على سطح الثقب الأسود، أو حالة الفراغ قد تغيرت. وقد تبدو الصورة صعبة التخيل، وهي فعلاً كذلك، ولكنها تمثل حلاً متناسقاً رياضياً كما يبدو في الورقة المنشورة.

يمكن أخد ما تحويه الورقة كنقاشٍ في صالح المبدأ الهولوجرافي، إذ أن الشحنات الفائقة يمكن تصورها كطبقة هولوجرافيةٍ تحوي على كل ما بداخل الثقب الأسود. ومن المهم أن نوضح أن الورقة لا تحوي الحل النهائي، بل على الخطوط العريضة للحل. ولقد تم تبسيط ما تحويه بشكلٍ كبيرٍ هنا، وذلك لتسهيل فهمها، ولربما أخل التبسيط قليلاً بالدقة العلمية لما تحويه ورقة هاوكينج وأخرون.




المصدر:

Soft Hair on Black Holes

Stephen W. Hawking, Malcolm J. Perry, and Andrew Strominger

Phys. Rev. Lett. 116, 231301 (2016)

Published June 6, 2016

رسائل المراجعة الفيزيائية Physical Review Letters
مفارقة المعلومات في الثقوب السوداء  Blackhole Information Paradox
حالات اللف – spin states
مبرهنة غياب الشعر No-hair theorem
التحويلات الفائقة supertranselations

 

السعودي العلمي

Comments are closed.