العلماء يكتشفون جليداً يملك حرارة مساويةً لسطح الشمس

كتابة: إليزابيث هويل.
ترجمة: آسيه الشهراني.
مراجعة: أمل سلطان العبود.

يملك هذا الجليد خواص الحالة الصلبة والسائلة على حدٍ سواء، وهو أكثر كثافةً بـ 60 مرةٍ من جليد الماء العادي، ويتكون في درجات حرارةٍ مقاربةٍ لدرجة حرارة سطح الشمس، وهو جليدٌ فائق التأين، ولقد عمِل العلماء على تصنيعه للمرة الأولى في المختبر، و

لطالما أُعتقد بأن هذا النوع من الجليد ذو الضغط العالي موجودٌ في الأجزاء الداخلية لكوكبي أورانوس ونبتون، ولكن وجوده كان نظرياً فقط حتى الآن.

يقول الفيزيائي من مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا والمؤلف الذي قاد هذه الدراسة ماريوس ميلوت في بيانٍ صادرٍ من المختبر يصف فيه العمل: “يقدم عملنا دليلاً تجريبياً على وجود الجليد فائق التأين، ويُظهر أن هذه التوقعات لم تكن نتاج تشويشٍ في المحاكاة، بل رصدت السلوك غير العادي للماء في تلك الظروف في الواقع”.

لقد تنبأ العلماء قبل 30 عاماً بوجود طورٍ غريبٍ للماء يتكون فيه المادة صلبةً وسائلةً في نفس الوقت، وهي أكثر كثافةً من جليد الماء العادي لأنه لا يتشكل إلا تحت درجات الحرارة والضغط الشديدين، كتلك الموجودة داخل الكواكب العملاقة. فخلال طور التأين الفائق، يتصرف كلٌ من الهيدروجين والأكسجين داخل جزيئات الماء بشكلٍ غريٍبٍ، حيث تتحرك أيونات الهيدروجين مثل السائل داخل شبكةٍ بلوريةٍ صلبةٍ من الأكسجين.

كانت عملية تصنيع الجليد معقدةً، فقد قام الفريق بدايةً بضغط الماء إلى مكعبٍ متبلورٍ جليدي فائق القوة، وذلك في شكلٍ بلوري يختلف عما تراه في مكعبات الجليد العادية، واستخدموا خلايا السندان الماسية لفعل لذلك عبر وضع 163,293 كلغ (أو 360 ألف رطل) لكل بوصةٍ مربعةٍ (أي ما يساوي 2.5 جيجا باسكال، وهذا حوالي 25,000 ضعف الضغط الجوي على الأرض). ومن ثم عمِل الباحثون

بعد ذلك على تسخين الخلايا وضغطها أكثر، باستخدام الصدمات المدفوعة بالليزر، بحيث تلقى كل هيكلٍ جليدي بلوري ما يصل إلى ستة حزمٍ ليزريةٍ تزيد عن ذلك الضغط العالي بمئة ضِعف. ويقول

ميلوت: “لأننا قمنا بضغط الماء مسبقاً، استخدمنا صدمات التسخين أقل مما لو عرضنا الماء السائل المحيط لصدمات الضغط”، وتسمح هذه الطريقة الجديدة للباحثين “بالوصول إلى حالاتٍ أكثر برودةٍ في الضغط العالي مقارنةً بدراسات صدمات الضغط السابقة”.

تحرك الفريق بسرعةٍ لتحليل الخصائص البصرية والحرارية للجليد فائق التأين بمجرد أن أصبح جاهزاً، فكان لديهم بين 10 إلى 20 نانو ثانية فقط لأداء العمل قبل أن تحرر الموجات الضغط ويذوب الماء، فكانت النتائج غريبةً. إذ وجد الباحثون أن الجليد يذوب عند درجة حرارةٍ غير عاديةٍ تبلغ 4,725 درجة مئوية (8,540 درجة فهرنهايت)، وعند 200 جيجا باسكال (29 مليون رطل لكل بوصةٍ مربعة)، أي حوالي 2 مليون ضعف الضغط الجوي على الأرض.

ويقول المؤلف المشارك في الدراسة وفيزيائي الكواكب في جامعة كاليفورنيا في بيركلي وهو ريموند جينلوز في نفس بيان المختبر: “من المذهل أن يتواجد جليد الماء المتجمد عند آلاف الدرجات داخل هذه الكواكب، ولكن هذا ما تظهره التجارب”.

يمكن أن توفر النتائج الجديدة نظرةً خاطفةً داخل الكواكب مثل أورانوس ونبتون، ويُشير علماء الكواكب إلى أن الأجزاء الداخلية لهذه العوالم تتكون كتلتها مما يصل إلى 65% من الماء، بالإضافة إلى بعض الأمونيا والميثان. و

تقترح الأبحاث السابقة أن هذه الكواكب ذات لبٍ داخليٍ ناقلٍ للحرارة و”سائلٍ بالكامل”، ولكن اكتشاف الجليد فائق التأين يغير هذه الصورة. ويقول الباحثون في البيان أن البحث الجديد يقترح بدلاً من ذلك “طبقةً رقيقةً نسبياً من السوائل وعباءةً كبيرةً من الجليد فائق التأين”.

سيؤكد هذا التصور للب الداخلي للكواكب الصغيرة العملاقة محاكاةً حاسوبيةً أجريت قبل عقدٍ من الزمن، والتي حاولت شرح المجالات المغناطيسية الغريبة لأورانوس ونبتون، إذ يميل المجال المغناطيسي لأورانوس بمقدار 59 درجة عن محور الكوكب، ويتميز قطبي نبتون المغناطيسية بميلٍ يُقارب 47 درجة، وهذا متطرفٌ مقارنةً بالأرض التي يبلغ ميلها 11 درجةٍ فقط. كما أن مجالاتها المغناطيسية قد تتصرف بطريقةٍ مختلفةٍ، إذا ينطفئ ويشتغل المجال المغناطيسي لأورانوس مثل المصباح.

ستضطر الدراسة الأكثر تفصيلاً لهذه الكواكب إلى الانتظار حتى توفر مركبةٍ فضائيةٍ، وتطرح ناسا مقترح مركبةٍ فضائيةٍ تتوجه إلى كوكب أورانوس أو نبتون أو لكليهما خلال العقود القليلة القادمة لحسن الحظ، ويعمل التجريبيون في الوقت نفسه على محاكاة الظروف داخل الكواكب العملاقة الأكبر مثل المشتري أو زحل.

ولقد نُشرت الدراسة المبنية على هذا البحث في فبراير (شباط) الماضي في دورية نايتشر للفيزياء.

المصدر (Live Science)

المصطلحات:
الجليد فائق التأين Superionic ice
مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا Lawrence Livermore National Laboratory
ماريوس ميلوت    Marius Millot
شبكة بلورية crystal lattice
خلايا السندان الماسية diamond anvil cells
الصدمات المدفوعة بالليزر laser-driven shocks
ريموند جينلوز Raymond Jeanloz
جامعة كاليفورنياUniversity of California
دورية نايتشر للفيزياء The Journal Nature Physics

السعودي العلمي

Comments are closed.