ما هي الأسباب الاجتماعية لمرض السكري وكيف نعالجه بالفن؟

كتابة: أناهد أوكونور.
ترجمة: روان الرفاعي.

عُرف النوع الثاني من مرض السكري بسكري البالغين سابقاً، إلا أن هذا المصطلح أصبح منتهي الصلاحية مؤخراً لارتفاع نسبة الإصابة به في مرحلة الطفولة، إذ قفزت نسبة إصابة الأطفال بالنوع الثاني من مرض السكري بين عامي 2000مـ و2009مـ بحوالي 30%، ولا زالت النسبة في ارتفاعٍ خاصةً بين العائلات الفقيرة وعائلات الأقليات. ولقد تضاعف انتشار المرض في العقد الماضي بين الأطفال السود، بينما تضاعف ثلاث مرات بين الأطفال الهنود الأمريكيين، ويتعرض الأطفال السود والذين ينحدرون من أصلٍ أسباني للإصابة أكثر من غيرهم بثمان مرات.

عندما واجهتهم هذه الأرقام الصادمة، اجتمع خبراء الصحة ومعلمو الفنون لتكوين فريقٍ يستخدم نهجاً جديداً لمنع الإصابة بالسكري في هذه المرحلة العمرية الصغيرة، وتهدف الحملة وعنوانها الصورة الأكبر إلى توعية المراهقين والشباب للنظر إلى مرض السكري ليس كمشكلةٍ طبيةٍ ترتبط بالطعام غير الصحي أو قلة الرياضة فحسب، بل للنظر إليه كأزمة عدالةٍ اجتماعيةٍ حقيقيةٍ ترتبط بالضغوطات، الفقر، العنف، ومحدودية الحصول على أغذيةٍ صحيةٍ رخيصة.

أسس البرنامج كلٌ من كلية سان فرانسيسكو للطب بجامعة كاليفورنيا ومنظمة “الشباب يتحدث”، وهي مجموعةٌ فنيةٌ غير ربحيةٍ تحارب مرض السكري في الشباب باستخدام الفن. وأجرى الأطباء ومعلمو الشعر ورش عملٍ في الأحياء الفقيرة لتعليم الشباب الأكثر عرضةً للإصابة عن هذا الوباء، وأعطوهم المنصة ليكتبون قصائد شفويةٍ يعبرون فيها عن تأثير السكري والسمنة عليهم. ولقد ألقى الشباب الشعر على الهواء مباشرةً في المدرسة الثانوية الحكومية، وحولوا قصائدهم إلى فيديوهات مصورةٍ صُوِّرت في أحيائهم.

ألقى المقال الذي نُشر في دورية جاما الضوء على هذه الفيديوهات الشعرية المصورة التي نشرت في موقع “الصورة الأكبر”، وتداولها الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحمل أحد الفيديوهات المصورة عنوان “الدرب الطويل” للشاعرة اليافعة تازيانا ويلز من سان فرانسيسكو، والتي اجتاح مرض السكري عائلتها. إذ تحدثت تازيانا في الفيديو عن نشأتها في بيئةٍ فقيرةٍ، وأن رحلاتهم العائلية المتكررة لمطاعم الوجبات السريعة كانت “عادةً كارثيةً” أدت إلى انتشار البدانة بينهم. وذكرت تازانيا في شعرها: “إن هذه القصيدة تتحدث عن تجويعي لنفسي قبل إجراء تحاليل الدم، وكيف أدعو بألا يرصد جهاز التحليل قطعة الحلوى التي أكلتها في الشهر الماضي، إن هذه هي معركتي بين الحمية الغذائية وغسيل الكلى، أن أقع حبيسةً بين شطيرتي برجر كنج وألا تجري الأمور بما تهوى”.

إنّ محتوى الفيديو غنيٌّ بتفاصيل مدهشةٍ عن المجتمعات التي تتعرض لتهديد السلاح، الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، وتصوّر الفيديوهات حال المجتمعات التي يُعدّ فيها البتر، السكتات الدماغية، وغيرها من مضاعفات مرض السكري عرفاً سائداً في المجتمع. حيث كان عنوان إحدى الفيديوهات هو “الجنود المثاليون” وكتبه وأداه غابريل كورتيز، وهو شاعرٌ صغيرٌ ساوره الأسى على أقرابه الذين يعانون من السكري ووصفه كالتالي: “مرض السكري منتشرٌ في عائلتنا كانتشار حرقة المعدة في الجهاز الهضمي”، وتحدث عن جده الجندي السابق الذي يستهلك كمياتٍ هائلةٍ من المشروبات السكرية كل يومٍ رغم معاناته من مرض السكري.

يقول غابريل في الفيديو: “عندما بلغ 66 من عمره، خفنا من قدرة السكتة الدماغية على القيام بما لم تستطع فعله الحروب التي خاضها في حياته وأن تسحب البساط من تحته، فهو يشرب وكأن العمة مارتيزا لم تفقد قدميها العام الماضي بسبب السكري، وهو يشرب وكأن نصف أفراد الحي لا يبدون كمرضى عنبر الطوارئ بالمستشفى، وهو يشرب كأنه لا يعرف عاقبة أفعاله: كيف يستحيل معرفة الفرق بين شخص وقع ضحية انفجارٍ على جانب الطريق، وآخرٍ نسي أخذ جرعة الأنسولين”.

من مهتمٍ بالإيدز إلى السكري
البرنامج هو بنت أفكار الدكتور ديين سيتشيلينجر، وهو شريكٌ مؤسسٌ لمركز جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو للمجموعات السكانية المعرضة للخطر وطبيب الرعاية أولية في مستشفى زوكربيرغ في سان فرانسيسكو العام. ولقد بدأ سيتشيلينجر مهنته كطبيب في المستشفى في التسعينيات الميلادية عند نهاية أزمة الإيدز، والتي مات فيها نصف مرضاه من هذا المرض، ولقد شهد ستشيلينجر تراجع عدد الحالات المصابة بعد اتحاد الناشطين، خبراء الصحة العامة، والمجتمعين العلمي والطبي، ثم ظهرت بعد ذلك أزمة البدانة التي عصفت بمستشفى سان فرانسيسكو العام.

يقول ستشيلينجر: “أصبح جناح مرضى الإيدز جناحاً لمرضى السكري، فعندما بدأت العمل هنا قبل 25 سنة كان شخصٌ من بين 15 شخصاً تقريباً مصاباً بالسكري، أما اليوم فإن واحداً من كل اثنين يكون مصاباً بالسكري”. ولقد ترأس الدكتور ستشيلينجر برنامج التحكم بالسكري واتقائه التابع لمنشأة كاليفورنيا للصحة العامة بين عامي 2008 و2013مـ، وشهد أثناء منصبه الانتشار السريع لمرض السكري من النوع الثاني بين الأطفال، وصُعق عند إدراكه للارتباط الوثيق بين المرض والحالة الاجتماعية الاقتصادية.

لاحظ ستشيلينجر شيئاً ما بعد تفحصه لخريطة سان فرانسيسكو، حيث وجد أن معدل مرضى السكري الذين يقصدون المستشفى في حيٍّ ما يختلف بعشرة أضعافٍ من حيٍّ لآخر، مدفوعاً بعوامل كالدخل المادي، المستوى التعليمي، التميز العنصري، واستهلاك المشروبات الغازية. وفي حين إنّ النظرة العامة حول مرض السكري من النوع الثاني تتمحور حول “العار واللوم”، والتي تقول فكرتها الأساسية بأن الأشخاص يُصابون بالمرض بسبب سلوكياتهم الخاطئة، إلا أن عمل الدكتور سيتشيلينجر على دراسة الأماكن التي ينتشر فيها المرض دفعه للبدء بالتفكير في المرض كأزمةٍ مجتمعيةٍ وبيئية.

يعيش العديد من مرضاه في الأحياء الفقيرة المغمورة بسلاسل مطاعم الوجبات السريعة، محلات الخمور، ولوحات إعلانات الترويجية للوجبات السريعة، ويُجبر مرضاه على شراء الأغذية الرخيصة ذات السعرات الحرارية العالية لسد حاجة عائلاتهم بسبب الدخل المالي المتدني، ما يعني أنهم يشترون الأغذية المعلبة والوجبات السريعة بدلاً من الأغذية الطازجة، والعديد منهم يعاني من ضغوطاتٍ مزمنةٍ بسبب الفقر والعنف الذي يتعرضون له في الحي. يقول الدكتور ستشيلينجر: “عبّر العديد من مرضاي عن خوفهم على أبنائهم وقالوا بأنهم لن يسمحوا لهم باللعب خارج المنزل بعد المدرسة أو عندما يحل الظلام بسبب العصابات المنتشرة وخوفهم عليهم من طلقات النار”.

حضر الدكتور يوماً أحد الملتقيات التي نظمتها منظمة “الشباب يتحدث”، ورأى فتاةً بدينةً في السادسة عشرة من عمرها تلقي شعراً عن مشكلة مظهرها الخارجي، إدمانها على الوجبات السريعة، وانتشار مرض السكري في عائلتها، إذ يقول الدكتور ستشيلينجر: “لقد كانت تصف حالتها وهي تتناول الكعك حتى أثناء دفعها لكرسي عمتها المقعدة المصابة بالسكري والفشل الكلوي إلى موعد الغسيل الكلوي”، ويضيف: “لقد كانت قصيدتها تحكي عن إدمانها على الطعام الذي يؤدي إلى الإصابة بالسكري، وتلقي سبب الإدمان على عاتق الفقر، الضغوطات النفسية، والخوف. لقد أثرت عدة عوامل على هذه الطفلة وتشابكت الطرق لتُصاب في النهاية بالسكري”.

خطرت فيما بعد فكرةٌ لامعةٌ للدكتور ستشيلينجر وجايمس كاس الذي أصبح المدير التنفيذي لمنظمة “الشباب يتحدث” لاحقاً، وبدعمٍ مالي من معاهد الصحة الوطنية وصندوق جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو للعائلات المتضررة من السكري والمصادر الأخرى، دشنوا مشروع “الصورة الأكبر” في سان فرانسيسكو وانتشر في سبع مناطق أخرى في كاليفورنيا. ولقد قُدمت فعالية إلقاء الشعر لأكثر من عشرة آلاف طالبٍ في المرحلة الإعدادية، وحققت مليون مشاهدةٍ ونصف على اليوتيوب.

يتطلع فريق “الصورة الأكبر” إلى دراسة تأثير البرنامج على المدى البعيد على معدلات السمنة والسكري بين الشباب، وقالوا بأن هدفهم الأساسي في الوقت الراهن هو تغيير النقاش الوطني حول داء السكري من النوع الثاني، كما قالوا بأن الشعراء الصغار سينهون تصور المجتمع للمرض على أنه عار، وسيلقون الضوء على الحقيقة القائلة بأن محدودية الاختيارات تجعل اتخاذ الخيارات الجيدة مستحيلاً غالباً.

تقول الشاعرة ومديرة مشروع الصورة الأكبر وهي ناتاشا هيوي: “لن تختار خياراتٍ صحيةٍ في الحياة إلا إذا كان الوصول إليها سَهُلاً وتوفرت بسعرٍ معقولٍ، وأنا أتحدى الناس أن يأخذوا 5 دولاراتٍ معهم ويتجولوا في هذه الأحياء التي ينتمي إليها العديد من شبابنا ويتناولون طعاماً صحياً، لن يكون هذا سهلاً، فالمشكلة ليست مشكلة اختياراتٍ فرديةٍ فحسب، بل هي مشكلة أنظمةٍ”.

المصدر (The New York Times)

المصطلحات:

الصورة الأكبر The bigger picture
جامعة كاليفورنيا University of California
دورية جاما JAMA
ديين سيتشيلينجير Dean Schillinger
مركز جامعة كاليفورنيا U.C.S.F Centre
المجموعة السكانية المعرضة للخطر Vulnerable Population
مستشفى سان فرانسيسكو العام San Francisco General Hospital
منظمة “الشباب يتحدث” YouthSpeaks
جايمس كاس  James Kass
ناتاشا هيوي Natasha Huey

السعودي العلمي

Comments are closed.