هل تُشفى رئتا المدخنين بعد أن يقلعوا عن التدخين؟

كتابة: كاري نايرنبرغ.
ترجمة: مروة القاضي.
مراجعة: سلمى الحبشي.

يمكن أن يكون لدخان السجائر آثارٌ صحيةٌ واسعة النطاق على الجسم، وتعتبر الرئتين والشُعَب الهوائية من أكثر المناطق تضرراً. ولكن المستشار العلمي لجمعية الرئة الأمريكية وأخصائي الطب الرئوي الدكتور نورمان إديلمان يقول أن الخبر السار هو أنه من الممكن أن تُشفى الرئتين إلى حدٍ ما بعد انقطاع الشخص عن التدخين.

تصبح بطانة الرئة حساسةً ومتهيجةً بمجرد أن يستنشق الشخص المواد الكيميائية الموجودة في دخان السجائر، وبعد عدة ساعاتٍ من تدخين الفرد ستتباطأ حركة الشعيرات الصغيرة المُبطِّنة للرئتين والمسماة بالأهداب المشابهة لحركة الفرشاة، ما يجعلها مشلولةً مؤقتاً وأقل فعاليةً في تنظيف المخاط وغيره من المواد، مثل جزيئات الغبار في الشعب الهوائية.

هنالك تغييرٌ آخر ملاحظٌ في رئتي المدخنين وهو الزيادة في سُمك وإنتاج المخاط، وذلك لأن الأهداب لا تستطيع إزالة المخاط بشكلٍ سريعٍ بنفس سرعة تشكله؛ ولهذا يتراكم في الشعب الهوائية ويؤدي إلى انسدادها لينطلق السعال، وقد يتسبب تراكم المخاط أيضاً في المزيد من الالتهابات الرئوية مثل التهاب الشعب الهوائية المزمن.

كيف تتعافى الرئتان؟
يقول إديلمان أن بعض التغيرات الالتهابية قصيرة المدى في الرئتين تنعكس عموماً عندما يقلع الناس عن التدخين، أي أنه بمعنىً آخر سينحسر التورم عن سطح الرئتين والشعب الهوائية، وستُنتج خلايا الرئة مخاطاً أقل، ويمكن أن تنمو أهدابٌ جديدةٌ ستكون أفضل في إزالة إفرازات المخاط.

أشار إديلمان لمجلة لايف ساينس أن المدخنين السابقين سيلاحظون ضيقاً أقل في التنفس عندما يمارسون تمارينهم في الأيام والأسابيع الأولى بعد الإقلاع عن التدخين، وأضاف أنه ليس من الواضح تماماً سبب حدوث ذلك، ولكن جزءاً منه يعود للتخلص من أول أكسيد الكربون من الدم. حيث يمكن لهذا الغاز الموجود في دخان السجائر أن يتعارض مع نقل الأكسجين في الدم، لأن أول أكسيد الكربون يرتبط بخلايا الدم الحمراء بدلاً من الأكسجين، وهذا قد يكون سبب ضيق التنفس عند بعض المدخنين.

كما وضّح إديلمان سبباً آخر لتحسن التنفس للمدخنين السابقين وهو أن الالتهاب ينخفض في بطانة الشُعب الهوائية؛ وهذا يحدث لأن البطانة لم تَعد تتعرض للمهيّجات الكيميائية للدخان، وهذا الانخفاض في التورم يجعل المساحة أكبر لتدفق الهواء عبر الشعب الهوائية.

من المفارقات أن المدخنين السابقين قد يعانون من السعال أكثر خلال الأسابيع القليلة الأولى بعد إقلاعهم عن التدخين، ولكن هذا أمرٌ جيدٌ بحسب إديلمان، فهو يعني أن أهداب الرئة تنشط مرةً أخرى، وأنه يمكن للشعرات الناعمة أن تُحرّك الآن إفرازات المخاط الزائدة من الرئتين إلى الشعب الهوائية نحو الحلق، حيث يمكن إخراجها بالسعال. وأوضح إديلمان قائلاً: “السعال ينظف الرئتين من المادة اللزجة”.

كما ذكر إديلمان أن هناك فائدةٌ صحيةٌ أخرى للإقلاع عن التدخين وهي انخفاض خطر الإصابة بسرطان الرئة، فكلما طالت المدة التي يقضيها المدخنون المقلعون عن التدخين دون أن يشعلوا السجائر كلما قل خطر إصابتهم بهذا السرطان، على الرغم من أن الخطر لا يذهب تماماً.

على سبيل المثال: بعد 10 سنواتٍ من الإقلاع عن التدخين، تصبح احتمالات إصابة المدخن المقلع عن التدخين بسرطان الرئة حوالي نصف احتمالات إصابة المدخن، وذلك وفقاً لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية، ولكن المدخن السابق لا يزال أكثر عُرضةً للموت بسرطان الرئة مقارنةً بشخصٍ لم يدخن أبداً.

لا يمكن عكس جميع التغييرات
إن الجسم جيدٌ جداً في إصلاح بعض الأضرار الناجمة عن التدخين والتي لحقت بخلايا الرئة وأنسجتها، ولكن لا يمكن عكس جميع الأضرار. حيث يقول إديلمان أن تدمر الرئتين وتدهور وظائفها يرتبط ارتباطاً مباشراً بعدد عبوات السجائر التي يدخنها الشخص عادةً في كلّ يومٍ مضروباً بعدد السنوات التي دخن فيها الشخص، وهو مقياسٌ يعرف باسم “سنوات العبوات”. وأضاف أنه كلما زادت سنوات العبوات كلما زاد احتمال تضرر الرئتين تضرراً لا يُعكس.

على الرغم من أن للرئتين طرقاً لحماية أنفسهم من الضرر، إلا أن هذه الدفاعات تضعف مع التعرض للمواد الكيميائية الضارة والمستنشقة من السجائر على المدى الطويل. ونتيجةً لذلك، يمكن أن تلتهب أنسجة الرئة وتصيبها الندوب من التدخين، وبالتالي تفقد الرئتان المرونة ولا يمكن لهما القيام بعملية تبادل الأكسجين بكفاءةٍ.

يمكن أن يؤدي التدخين على المدى الطويل إلى الانتفاخ الرئوي، وهو نوعٌ من أمراض الانسداد الرئويّ المزمن. ويقول إديلمان أن هذه الحالة تُدمر جزءاً من الرئتين المعروفة باسم الحويصلات الهوائية، حيث يُتبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون. ويعاني الناس المصابون بمرض الانسداد الرئويّ المزمن من ضيقٍ وصعوبةٍ في التنفس عادةً.

بمجرد تلف رئتي الشخص إلى نقطة انتفاخ الرئة، تفقد جدران المجاري الهوائية شكلها ومرونتها، ما يجعل دفع كل الهواء خارج الرئتين صعباً. ويوضح إديلمان أن هذه التغيرات الرئوية دائمةٌ ولا رجعة فيها.

يوضح إديلمان أن العلماء عرفوا مؤخراً باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسيّ أن الأضرار التي لحقت بالمجاري التنفسية المرتبطة بانتفاخ الرئة تبدأ بعد بضع سنواتٍ من بدء الشخص للتدخين، على الرغم من أن أعراض المرض قد لا تظهر حتى 20 إلى 30 عاماً. وأضاف إديلمان أنه لم يفت الأوان بعد للإقلاع عن التدخين، وأن الإقلاع عن التدخين في أيّ عمرٍ سيساعد الناس على التنفس بشكلٍ أفضل ويزيد من العمر المتوقع.

 

المصدر: (livescience)

نورمان إديلمان (Norman Edelman)
مراكز مكافحة الأمراض واتقائها (Centers for Disease Control and Prevention)
نفاخ رئوي (Emphysema)
جمعية الرئة الأمريكية (American Lung Association)
كاري نايرنبرغ (Cari Nierenberg)
أمراض الانسداد الرئويّ المزمن (chronic obstructive pulmonary disease (COPD))
الحويصلات الهوائية (alveoli)
الرزمة السنوية (pack years)
لايف ساينس (Live Science)
الأهداب (cilia)

السعودي العلمي

Comments are closed.