نهضة النساء في مجالات العلوم والهندسة بالمملكة العربية السعودية

كتابة: ماري بيث أوليري.
ترجمة: أسامة أحمد خوجلي.
مراجعة: سعاد السقاف.

منذ عام 2012مـ، وصل عددٌ من أبرز العالمات والمهندسات من المملكة العربية السعودية إلى حرم معهد ماساتشوستس للتقنية سنوياً لخوض تجربةٍ لا تتكرر في العمر، حيث تُدعى العالمات السعوديات الحاصلات على درجة الدكتوراه لقضاء سنةٍ واحدةٍ في إجراء الأبحاث في معهد ماساتشوستس للتقنية عبر برنامج زمالة ابن خلدون لنساء المملكة العربية السعودية، وتُقرن كل زميلةٍ مع أحد أعضاء هيئة التدريس في مشروعٍ بحثي وتحظى بعددٍ من فرص التطوير المهني. وعلى الرغم من إطلاق البرنامج بقسم الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتقنية، إلا أن الزميلات الـ 27 وُضعن في 14 قسماَ ومختبراَ ومركزاَ مختلفاَ في جميع أنحاء المعهد، بما في ذلك مختبر علوم الحاسوب، الذكاء الاصطناعي، كلية سلوان للإدارة، ومختبر الوسائط بمعهد ماساتشوستس للتقنية، ولقد عقد 24 من هؤلاء الزميلات مؤخراً أول اجتماع للمّ الشمل في الحرم الجامعي.

تقول مديرة برامج الزمالة السابقة وهي كيت أندرسون: “شعرت بأن هذا الأسبوع كان كلَمّ شملٍ عائلي بالنسبة لي”، ولقد عملت أندرسون مع جميع الزميلات لتحديد المشروع البحثي المناسب وساعدتهن في التنقل داخل محيطهم الجديد في معهد ماساتشوستس للتقنية، وذلك بجانب مدير البرامج والأستاذ المحاضر في الهندسة الميكانيكية كمال يوسف التومي، ومديرة البرامج التي عُيّنت مؤخراً تيريزا ورث. وقدّمت الزميلات الخمس الحاليات في معهد ماساتشوستس للتقنية لمحةً عامةً عن مشاريعهم البحثية خلال اجتماع لم الشمل، وهن في أيامهن الأخيرة من هذا التكليف حالياً، وتراوحت المواضيع من المواد النانوية الكربونية إلى الخلايا الشمسية والفحص المُشخصن للعقاقير، ومن ثم قدّمت خريجات البرنامج آخر الأخبار حول مشاريعهم البحثية، وكيفية ارتقاء حياتهن المهنية منذ عودتهن إلى المملكة العربية السعودية.

أريج الوابل هي أحد الزميلات من عام 2015مـ والباحثة الرئيسية الحالية في مركز النظم الهندسية المركبة بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست) ومعهد ماساتشوستس للتقنية، وقالت: “لقد كان من المُلهم جداً الاستماع لكيفية قيام العديد من الزميلات ببناء حياةٍ مهنيةٍ ناجحةٍ عبر اتخاذهن لخطواتٍ جريئةٍ تتطلب الكثير من الشجاعة”. وبالإضافة إلى تنصيبهن كقائداتٍ في مجالاتهن البحثية، تولت العديد من الزميلات السابقات مثل الوابل مناصب أخرى، كعميدةٍ، نائب العميد، مديرة مراكز أبحاث، وباحثاتٍ رئيسياتٍ. وقال يوسف التومي في كلمته خلال اجتماع لمّ الشمل: “أنتن التغيير وأنتن القادة، فمساهمتكن مهمةٌ للغاية، فأنتن تؤثرن على الناس وتلهموهم ليصبحوا متحفزين من خلال التفاعل معهم”.

الحس المجتمعي داخل وخارج المختبر
قامت الزميلات السبعة والعشرون بتأليف 34 منشوراً في المجلات العلمية و27 ورقةً علميةً شاركن بها في مؤتمراتٍ علمية منذ إطلاق البرنامج، وسجلن أربع براءات اختراعٍ تتعلق جميعها مباشرةً بالبحث الذي أجروه في معهد ماساتشوستس للتقنية.

بالنسبة للزميلة الحالية ثمراء الشهراني، أتاح لها مشروعها البحث في موضوعٍ يمكن أن يكون ذو تأثيرٍ كبيرٍ على وطنها الأم، حيث عملت على تطوير الخلايا الشمسية التي يمكن أن تعمل في المناخات الحارة أو القاحلة مثل المملكة العربية السعودية، وكان عملها مع الأستاذ المشارك في الهندسة الميكانيكية ومدير مختبر أبحاث الخلايا الشمسية في معهد ماساتشوستس للتقنية وهو تونيو بوناسيسي. وتقول الشهراني: “كان من الرائع أن أعمل على شيءٍ ذو تطبيقاتٍ مباشرةٍ على بلدي”، ولقد عملت هي وفريقها على تعريض الخلايا الشمسية إلى درجات حرارةٍ متفاوتةٍ، ودرسوا سلوكها لتحديد الكيفية التي تحسّن من استقرار درجة الحرارة، ولقد عُدّت الشهراني المؤلف الرئيسي للورقة العلمية التي نتجت عن البحث وقُدمت في اجتماع جمعية أبحاث المواد في أبريل الماضي.

لقد أعطت تجربة قيادة فريقٍ من علماء معهد ماساتشوستس للتقنية وشركة أرامكو السعودية للشهراني ما هو أكثر من مجرد خبرةٍ بحثيةٍ هامةٍ، إذ تعلمت عن العمل الجماعي اللازم للتعاون الدولي في مجال الأبحاث، وتقول: “لقد كان تونيو وفريقه داعمين ومشجعين، وإذا واجهتنا مشكلة في الدراسة فإننا نناقشها معاَ للتوصل إلى حل، ولقد عرفتني هذه التجربة بما يعنيه العمل ضمن فريقٍ حقاً”.

امتد هذا الحس المجتمعي إلى خارج المختبر لزملائها في برنامج زمالة ابن خلدون وتتذكر قائلةً: “ربط البرنامج بين الزميلات، حيث احتفلنا بعيد الفطر والأضحى جنباً إلى جنب مع كيت وتيريزا”، ولقد كوّنت شبكة الزميلات نوعاً من التواصل بعد انتهاء التجربة في معهد ماساتشوستس للتقنية، وفي ذلك وتقول أريج الوابل: “لقد كان جزءاً هاماً من الزمالة بالنسبة لي هو بناء شبكةٍ من زميلات المهنة في مرحلةٍ مماثلةٍ من حياتنا المهنية”، ولقد أسفرت هذه الشبكة عن فرصٍ وظيفيةٍ للزميلات في المملكة العربية السعودية.

جلب ثقافة البرمجة إلى المملكة العربية السعودية
كانت أعمال الوابل البحثية حول التخطيط التصميمي وعمليات التفكير في المشاريع الهندسية مجرد بدايةٍ، وشاركتها مع الأستاذة المساعدة في الهندسة الميكانيكية ومديرة مختبر التفكير في معهد ماساتشوستس للتقنية وهي ماريا يانج. وتقول الوابل: “كانت تجربةً غنيةً للغاية، فقد تعلمت العديد من الواجهات حول البحث العلمي، أفضل الممارسات التعليمية، ومهارات التطوير المهني”.

عملت الوابل كمرشدةٍ لفصل 2.00 ب (تصميم لعبة)، وقامت هي وزملاؤها من المعلمين في جلسات المختبر بجلب خبراتهم التخصصية لعمليات التصميم، سعياً لمساعدة الطلاب وتوجيههم من مرحلة التفكير إلى نموذجٍ أولي عملي، وتضيف قائلةً: “قلما نرى جميع المراحل في التدريس، ولهذا كانت هذه تجربةً تعليميةً غامرةً بالنسبة لي كعضو هيئة تدريس”،

وأغرقت الوابل نفسها أيضاً في ثقافة البرمجة أثناء وجودها في معهد ماساتشوستس للتقنية بعد مشاركتها في هاكاثون التقنيات المساعدة السنوي، واستلهمت جلب منصة الهاكاثون إلى مؤسستها في المملكة العربية السعودية، وتقول: “لقد تمكنت من أخذ هذه التجربة وتقديم نفس المفهوم في السعودية على نطاقٍ أصغر”، حيث ستستضيف مؤسستها في شهر أكتوبر هاكاثوناً لبرمجة الطب باستخدام نموذج البرمجة الخاص بمعهد ماساتشوستس للتقنية.

تمكين جيلٍ جديدٍ من النساء السعوديات
تعمل المملكة العربية السعودية لتحقيق رؤية السعودية 2030 حالياً، والتي تأمل أن تزيد مشاركة المرأة في القوى العاملة من 22% إلى 30% بحلول عام 2030مـ، ولهذا تكسب البرامج مثل زمالة ابن خلدون أهميةً أكبر، ويقول أندرسون: “هؤلاء النساء لا يسهمن فقط في تطوير العلم والتقنية في المملكة، بل يغيرن البلاد بينما نتحدث”.

ترى الشهراني أن قيمة البرنامج تبرز في هذا الوقت بالذات في تاريخ المملكة العربية السعودية، وتقول:”لقد ساعد برنامج الزمالة جيلاَ جديداَ من النساء السعوديات في بناء مهاراتهن القيادية، وهذا مهمٌ بشكلٍ خاص الآن، حيث تقوم المملكة العربية السعودية بتغييراتٍ كبيرةٍ وتدعم النساء في القوى العاملة”. ولقد أعلن البرنامج في مارس (آذار) الماضي عن اتفاقٍ مع الراعي الجديد وهي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست) لتوسيع المنحة للعقد المقبل، وستنضم خمس زميلاتٍ جديداتٍ إلى مجتمعٍ من النساء يشكّلن مستقبل العلوم والهندسة في بلدهن في يناير (كانون الثاني) من عام 2019مـ.

المصدر (MIT News)

المصطلحات:
KACST مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية
Massachusetts Institute of Technology   معهد ماساتشوستس للتقنية
Ibn Khaldun Fellowship for Saudi Arabian Women زمالة ابن خلدون للنساء السعوديات

السعودي العلمي

Comments are closed.