باحثون يستخدمون الفيروسات لمحاربة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

كتابة: مايك ميكري.
ترجمة: سارة العجمي.
مراجعة: سحاب أحمد الذايدي.

يرجع أصل تقنية التعديل الوراثي المُسماة بـ “كريسبر” إلى كونها جهازٍ مناعيٍ بكتيريٍ ضد الفيروسات، وهي ميزةٌ يمكن أن تتحول ضد البكتيريا نفسها في المستقبل، ويأمل العلماء أن نتمكن من تطوير طرقٍ فعّالةٍ في التغلب على مسببات الأمراض من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية أو حتى تشكيل البكتيريا النافعة للجسم، وذلك من خلال تسليح الفيروسات البكتيرية (أو العاثيات) بأدواتٍ تُجبر البكتيريا على قتل نفسها.

قُدّم البحث في مؤتمر “كريسبر2017مـ” المُقام في الولايات المتحدة، وشُرح فيه التقدم الذي أُحرز في تعديل الفيروسات التي تستهدف بكتيريا محددةً بمورّثاتٍ تجعل إنزيمات العائل تقطع حمضها النووي منقوص الأكسجين.

التكرارات العنقودية المتناوبة منتظمة التباعد والتي تختصر بمسمى كريسبر هي عبارةٌ عن سلاسلٌ من الحمض النووي منقوص الأكسجين مصنوعةٌ من شفراتٍ متكررةٍ تُكوّن سياقاً متناظراً، وتنتجها البكتيريا كنوعٍ من نظامها المناعي ضد الفيروسات المسمّاة بالعاثيات، حيث تتسلل أجزاءٌ من مورّثات الفيروس من البيئة الخارجية إلى ما بين هذه الشفرات المتكررة.

مع وجود الحمض النووي الفيروسي المخزن فيما بين تسلسلات كريسبر، يمكن الكشف بشكلٍ سريعٍ عن أيّ عدوى مستقبلية، ويُمكن أن يستخدم إنزيم النظام المرتبط بكريسبر (أو كاس) التسلسل كمرشدٍ ليُمسك بمورّثات الفيروس المسبب للعدوى، ويقوم إما بتقطيعها بشكلٍ انتقائي أو تمزيقها.

لقد أدرك الباحثون قبل حوالي 25 سنة أن نظام نسخ ولصق تسلسلات كريسبر وإنزيمات كاس يُمكن أن يُستخدما في المختبر لتعديل التسلسلات اصطناعياً، وبالتالي وُلدت أداةٌ هندسيةٌ جديدةٌ. ولقد تصدرت هذه التقنية الأوساط الإخبارية كثيراً في السنوات الأخيرة، نظير إحرازها تقدماً في تطبيقها في علاج السرطان وحتى في القضاء على عدوى فيروس نقص المناعة البشرية.

أحدثت تقنية تعديل المورّثات “كريسبر” ثورةً مُصغرةً، إلا أنها قد لا تخلو من مخاطر معينة، ولإعادتها إلى جذورها وتحويلها إلى سلاحٍ ضد منشأها سيحمل نوعاً من الصدف السعيدة، ويقول كبير المسؤولين العلميين في لوكوس للعلوم الحيوية ضمن مؤتمر كريسبر 2017مـ وهو رودولف بارانغو: “أرى أن في استخدام العاثيات لقتل البكتيريا نوعاً من المفارقة الساخرة”.

إن استخدام فيروسات العاثيات كشكلٍ من العلاج لمعالجة العدوى ليس جديداً على الإطلاق، إذ يعود تاريخ بعض التجارب إلى عام 1920مـ، ويُعدّ استخدام العاثيات أمراً جذاباً لكونها أكثر تخصصاً من المضادات الحيوية في عملية استهداف نوعٍ محددٍ من البكتيريا، وبالتالي لا تشكل خطراً على صحتنا، ويُمكن للفيروسات أيضاً اختراق الغطاء اللزج الذي تستخدمه البكتيريا للحماية والالتصاق.

لقد حققت روسيا درجةً معقولةً من النجاح في العلاج بالعاثيات خلف الستار الحديدي خلال الحرب الباردة، ولكنها لم تكن قادرةً على تسجيل براءة اختراعٍ للفيروسات التي تظهر بشكلٍ طبيعيٍ، وكان من السهل التركيز على المضادات الحيوية في الغرب نظراً للبكتيريا السريعة التكيف، البيروقراطية، والقيود التقنية. ومع أوبئة الجراثيم التي تلوح في الأفق، عاد الاهتمام إلى العاثيات كوسيلةٍ لقتل البكتيريا، وأضافت تقنية كريسبر منحنىً جديداً على الفكرة القديمة.

تقوم شركة لوكوس للعلوم الحيوية المنبثقة من جامعة ولاية كارولينا الشمالية باختبار حدود تقنية كريسبر، ويتضمن ذلك إعطاء العاثيات تسلسلات كريسبر التي تحتوي على شفراتٍ للمورّثات المقاومة للمضادات الحيوية.

إن استهداف البكتيريا بالمورّثات يجعل من تسلسلات كريسبر هدفاً لإنزيمات البكتيريا المسماة بكاس، مما يمنع بشكلٍ فعّالٍ مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية أو حتى يجعل البكتيريا تلتهم حمضها النووي وتدمر نفسها ذاتياً.

لقد فُتحت أعيننا في السنوات الأخيرة لمدى تعقيد علاقتنا مع البكتيريا في بيئتنا، وكيف تبدو أدواتنا ضعيفةً في التعامل معها، حيث رُبطت الاختلافات في البكتيريا المعوية بكل شيء، ابتداءً من مرض باركنسون، التوحد، وحتى السمنة، مما يشير إلى أن أنواع البكتيريا التي نأويها في أمعاءنا قد يكون لها تداعياتٌ كبيرةٌ على العديد من جوانب صحتنا. وبهذه الدقة الجراحية، يمكننا استخدام تقنية كريسبر يوماً ما لاختيار سلالاتٍ معينةٍ من البكتيريا في أمعاءنا، وحذفها من النظام البيئي والسماح لنا بتعديل الميكروبيوم الخاص بنا.

إن جلّ ما يمكننا فعله في الوقت الحاضر هو التكهن حول هذا الموضوع، نظراً لأننا في بداية بزوغ تقنية كريسبر عملياً وبداية إدراكنا لتعقيد النظم البيئية البكتيرية داخل جسم الإنسان، كما أنّ الحلول الجذرية الجديدة كهذه الفيروسات البكتيرية تستحق الاهتمام الشديد نظراً لفقد المضادات الحيوية بريقها مع الوقت.

المصدر (Sciencealert)

المصطلحات:
كريسبر CRISPR
مسببات الأمراض Pathogens
العاثيات Bacteriophages
إنزيمات كاس Cas enzyme
لوكوس للعلوم الحيوية  Locus Biosciences
رودولف بارانغو Rodolphe Barrangou
جامعة ولاية كارولينا الشمالية  North Carolina State University
الميكروبيوم Microbiomes

السعودي العلمي

Comments are closed.