كتابة: أديتي ميترا.
ترجمة: سارة العجمي.
مراجعة: سلمى الحبشي.
هل سبق وأن تساءلت عن مصدر الرغوة الموجودة في المحيط؟ أو عن سبب كوّن البحر صافياً في بعض الأيام وأخضراً، بنياً أو حتى وردياً اللون في أيامٍ أخرى؟ وعن كيفية حصول الأسماك على مكونات صنع أحماض أوميجا الدهنية التي يُقال أنها مفيدةٌ جداً لنا؟ الإجابة في كلمةٍ واحدةٍ لجميع هذه التساؤلات هي: العوالق. والعوالق هي كائناتٌ حيةٌ تعيش في جميع أنواع المياه، من البحيرات والبرك إلى المحيطات.
كلمة العوالق بالإنجليزية مشتقةٌ من كلمةٍ يونانيةٍ تعني “أنا أنجرف”، ففي حين تستطيع العوالق التحرك من أعماق المياه إلى سطحها والعكس، إلا أنها لا تستطيع السباحة ضد التيار، ولذلك نرى في بعض الأحيان أعداداً كبيرةً من عوالق قناديل البحر على الشواطئ، والتي تعتبر ماهرةً في السباحة داخل عواميد المياه ولكنها عاجزةٌ ضد المد. ومن ناحية الحجم تتراوح العوالق من الكائنات المجهرية وحيدة الخلية إلى كائناتٍ متعددة الخلايا، مثل الكريليات، قنديل البحر، يرقة السرطان، وصغار الأسماك.
غالباً ما نعتقد أن الأسماك والحيتان تُهيمن على البحر، ولكن العوالق المجهرية وحيدة الخلية في الحقيقة هي المحرّك الرئيسي للحياة في محيطات الأرض، ولكن ما مدى فهمنا لها حقاً؟
كان الرأي المقبول لعقودٍ مضت هو أن هذه العوالق المجهرية وحيدة الخلية يمكن تقسيمها بالعموم إلى نوعين: العوالق النباتية المنتجة للأغذية (المعروفة أيضاً باسم الطحالب الدقيقة) وهي مثل النباتات البحرية الصغيرة، ومن جهةٍ أخرى تقوم العوالق الحيوانية الدقيقة بأكل العوالق النباتية، والتي بدورها تأكلها عوالقٌ حيوانيةٌ أكبر مثل الكريليات. وهذا التقسيم للعوالق المجهرية أقرب إلى تقسيم النبات والحيوان في النظم البيئية الأرضية.
لكننا نعرف أن هناك مجموعةٌ أخرى من العوالق المجهرية تحت الأمواج، وهي خليطات التغذية التي تجمع بين ميزات العوالق المجهرية النباتية والعوالق المجهرية الحيوانية، وأسلوب تغذيتها يُشكل قصصاً مرعبةً ولكن على مقياسها المجهريّ.
فمثلاً تقوم التريفيدات المصغرة بابتلاع فريستها الحية، تمتص باطنها، تسممها، تطعنها، تفجرها، وتسرق أجزاءً من جسمها وتعيد استخدامها. ويمكنها أن تقتل نظماً بيئيةً بأكملها في غضون ساعاتٍ وتغير لون الماء، ومع ذلك فهي تشكل أيضاً الغلاف الجوي للأرض وتدعم نمو يرقات الأسماك في مراحل حرجةٍ من دورة حياتها. ولقد اُعتُبرت خليطات التغذية هذه من غرائب الطبيعة لعقودٍ، فهي لا تزدهر إلا عندما تكون العوالق النباتية والعوالق الحيوانية المجهرية في ظروفٍ حرجةٍ.
لكننا وجدنا أن خليطات التغذية بعيدةً كل البعد عن الغرابة على مدى السنوات الخمس الماضية عبر مشروعٍ تموله ليفرهولم ترست، حيث تٌعد خليطة التغذية هي المقياس بدلاً من الاستثناء في الواقع. وينطوي هذا على آثارٍ رئيسيةٍ، فهو يعني أن قاعدة الشبكة الغذائية المحيطية لا تتبع النمط التقليدي “نبات-حيوان”، بل تهيمن عليها أنشطة خليطات التغذية وحيدة الخلية بدلاً من ذلك وهي التريفيدات المجهرية، والتي يمكن أن تقوم بالتمثيل الضوئي مثل النباتات وتأكل مثل الحيوانات، وكل ذلك داخل خليةٍ واحدةٍ.
نوعٌ جديدٌ من الحياة؟
اقترحنا نموذجاً جديداً للحياة في محيطاتنا بناءً على النتائج التي توصلنا إليها، بحجة أن الانقسام التقليدي بين العوالق الشبيهة بالنبات (أي الطحالب الدقيقة) والعوالق الدقيقة الشبيهة بالحيوان المستخدمة لوصف الشبكة الغذائية المحيطية لا يمكن دعمه بعد الآن، ويمكن أن يقلب هذا النموذج مفاهيمنا حول الحياة البحرية لقرنٍ من الزمان.
في الواقع، إن لخليطات التغذية القدرة على التأثير على جميع حياتنا، وأقلها لكونها مساهماً رئيسياً في الشبكات الغذائية التي تدعم مصائد الأسماك، ويصدق ذلك بشكلٍ خاصٍ على النمو الصحيّ للأسماك الصغيرة جداً التي تعتمد عليها كغذاءٍ خلال أشهر الصيف.
مع ذلك، يمكن لخليطات التغذية أن تكون خطيرةً أيضاً لما هو أكثر من العوالق الدقيقة الأخرى فقط، تماماً مثل التريفيدات من رواية الخيال العلمي التقليدية لجون ويندهام. حيث يسهم إطلاق النترات والمغذيات العضوية في إحداث خللٍ في كميات المواد المغذية في المياه الساحلية، كمياه الصرف الصحيّ الخام أو بقايا الطين والأعلاف، ما يتسبب بإنتاج خليطات التغذية للسموم والمخاط.
يمكن أن تقتل السموم الأسماك وتغلق مصائد الأسماك، كما قد يتسبب المخاط الزائد الذي تفرزه خليطات التغذية في تكوّن رغوةٍ طينيةٍ ملونةٍ في مصبات الأنهار خلال الصيف، ويمكن أن يسد هذا خياشيم الأسماك وبالتالي يُغرقها فعلاً.
تُستُخدم النماذج الرياضية على نطاقٍ واسعٍ للمساهمة في الإدارة البيئية، لدراسة الثروة السمكية، ولكشف آثار الصيد وتغير المناخ عليها، إلا أن هذه النماذج لا تأخذ في الاعتبار وجود خليطات التغذية وأنشطتها التي ندرك الآن أنها تشكّل أكثر من نصف كل العوالق المجهرية. ولقد أظهرنا أن شبكة الغذاء البحريّ ونماذج تغير المناخ التي لا تشمل خليطات التغذية يمكن أن تعطي نتائج مشكوكٍ فيها، وقد يؤدي هذا إلى عيوبٍ خطيرةٍ.
استناداً إلى دراساتنا للنماذج، نقترح أن نبدأ بأخذ خليطات التغذية على محمل الجد وأن نضم آثارها الملحوظة في النماذج الرياضية المُستخدمة للتنبؤ بتغير المناخ والمساعدة في الإدارة البيئية، فربما تكون هذه العوالق مجهريةً، ولكن تجاهل هذه التريفيدات خطرٌ علينا.
المصدر: (sciencealert)
أديتي ميترا. (ADITEE MITRA)
العوالق (Plankton)
الكريليات (krills)
قنديل البحر (jellyfish)
يرقة السرطان (crab larvae)
صغار الأسماك (juvenile fish)
العوالق النباتية المنتجة للأغذية (Food producing phytoplankton)
الطحالب الدقيقة (microalgae)
العوالق الحيوانية الدقيقة (Microzooplankton)
عوالق حيوانيةٌ (zooplankton)
خليطات التغذية (mixotrophs)
التريفيدات (triffids)
ليفرهولم ترست (Leverhulme Trust)
جون ويندهام (John Wyndham)
- أبرز الأحداث العلمية لعام 2021 - 09/01/2022
- التطبيقات المتنوعة لتقنية الحوسبة السحابية - 14/12/2021
- تعريف الحوسبة السحابية وتأثيرها على عالم الأعمال - 30/08/2021