كيف تساعد طفلك في الحصول على وظائف لم توجد بعد؟

كتابة: لوران هوغ.
ترجمة: أنور السلمي.
مراجعة: سلمى سلمان.

يكاد يكون من المستحيل توقع المهن التي ستزدهر في السنوات القادمة، فآباء وأمهات هؤلاء الذين يشغلون اليوم مناصب كمديري وسائل الإعلام الإجماعي ومقيّمي محركات البحث لم يتوقعوا وجود وظائف كهذه عندما كانوا يساعدون أطفالهم في اختيار المجالات التي ينبغي دراستها. إذاً كيف نستعد لوظائف لم توجد بعد؟ فكما قال أحد لاعبي الهوكي الأسطوريين: “لا يأتي النجاح من التزلج إلى حيث القرص فحسب، وإنما بالتزلج إلى أين سيتجه”. وتعطينا التوجهات السائدة الوظيفية التالية فكرةً عمّا ينبغي تركيز انتباهنا نحوه في المستقبل.

الصدمة من الجديد
يبدو أن الوظائف أصبحت تجريديةً أكثر، وأصبحنا نرى المزيد من المهن الجديدة الناشئة إثر قضاءنا مزيداً من الوقت في العالم الرقمي الافتراضي، ومنها إنشاء، تدشين، وتشغيل تلك المنصات الرقمية.

كما أنّ نظماً بيئيةً أخرى آخذةً في الصعود أيضاً، فالإعلان على جوجل كان شيئاً يُمكن لصاحب نشاطٍ تجاريٍّ صغيرٍ أن يفعله بنفسه، ولكن الأمر أصبح معقداً ومتخصصاً جداً الآن، لدرجة أن هناك ملايين الاستشاريين الذين يكسبون عيشهم من إدارة خدمات الإعلان عبر الإنترنت، بينما أنشأت فيسبوك في الوقت نفسه تجارة الاستشارات في وسائل الإعلام الإجتماعية. كما أدت ألعاب الفيديو إلى ظهور مزارعي الذهب (وهم أشخاص يجمعون عملة اللعبة الافتراضية أو نقاطها ليبيعوها على لاعبين أخرين مقابل المال*)، وازدهار صناعة الرياضة الإلكترونية، وهناك أيضاً طلابٌ يدفعون ما عليهم من إيجاراتٍ عن طريق المشي بهواتف الناس الذكية لتفقيس بيضات لعبة بوكيمون قو.

إذا ظننت أن هذه الوظائف لا تناسبك، فأسأل نفسك عن رأي شخصٍ عاش في القرن التاسع عشر عن الحقيقة القائلة بأن لاعب كرة القدم سيكون من أعلى الناس دخلاً في العالم في عام 2016مـ؟ وما هو رأيهم في بعض الألقاب الوظيفية مثل أخصائي علم نفس، محامي الفضاء، مدربٌ شخصيٌ، أو مستشارٌ للعلامة التجارية؟

هناك حركةٌ في الاتجاه المعاكس نحو الوظائف الملموسة والأصيلة في الوقت نفسه، فصناعة الأغذية تضج بمؤسساتٍ تستفيد من الخدمات المحلية، الموسمية، والمنتجات المشتراة من المزارعين مباشرةً دون وسيطٍ أو متجرٍ. ومن بينها المطاعم المؤقتة، الشاحنات التي تبيع الأكل في الشوارع، المحلات الصغيرة، المزارع الحضرية، والمحلات التعاونية.

على غرار حركة الفنون والحِرف التي وُلدت كردة فعلٍ على الصناعة في القرن التاسع عشر، فإن عودة ظهور الحرفيين وقيم “العالم القديم” لا يُشير فقط إلى الحنين للسلع المصنوعة يدوياً، ولكن الرغبة في نموذجٍ مختلفٍ للتقدم الاجتماعي والاقتصادي.

من الرجل أو إلى الآلة
لا أحد يعرف تماماً ما هي الوظائف التي سيتم أتمتتها في المستقبل، ولكن هناك شيءٌ واضحٌ وهو: كلما اصبحت الآلات أكثر انتشاراً، ازداد عدد البشر الذين يتفاعلون مع هذه الآلات ويعلمونها أيضاً. وكما رأينا بالفعل في شركات الطيران، فإن الطيار الآلي لم يجعل الطيارين عاطلون، بل بشر بمزيدٍ من التعاون بين الإنسان والآلة في المهام المعقدة.

بينما تكتسب الأتمتة موطئ قدمٍ في الساحة، تمتلك القوى العاملة البشرية في المقابل إمكانياتٍ مثيرةٍ للاهتمام في تطوير مهاراتها بشكلٍ فريدٍ لا يمكن للآلات مجاراته أو استنساخه، إذ تعمل شركة تويوتا العملاقة على إزالة الروبوتات من مصانعها كخطوةٍ استثنائيةٍ في مجال الصناعة، وذلك لأن العمال البشريين قادرين برأيها على اقتراح أفكارٍ للتحسين بعكس نظرائهم من الآلات.

يبدو أن الآلات ليست جيدةً في الإبداع، ولا في أنواعٍ معينةٍ من خفة الحركة، فشاهد النوادل الباريسيين عندما يؤدون وظيفتهم واسأل نفسك كم من الوقت ستستغرقه الروبوتات لتحل محلهم؟

ثم هناك جانب التعاطف، الإبداع، القيادة، الحدس، الذكاء الإجتماعي، فإذا كان لي أن أعطي الشباب فكرةً عن المهارات التي سيحتاجونها فستكون الصفات السابقة على القائمة، بالإضافة إلى نصحهم بملاحظة كيفية عمل الآلات وتفكيرها. وهناك حكمةٌ استمديتها من والد صديقٍ لي هرب من الاتحاد السوفييتي: “تعلم لغة عدوك”، فإذا كانت الآلات قادمة إلينا فنحن بحاجةٍ إلى فهم كيفية عملها.

دروسٌ من التاريخ
إن مشكلة عالم الأعمال المتغير ليست في خسارة الفرص، بل في فترة الانتقال، ولقد جلست قبل بضع سنواتٍ مع رئيسٍ تنفيذيٍّ لشركةٍ بها 40,000 موظفٍ، وطلبت منه سرد المهارات التي يعتقد أنها ستكون مطلوبةً في المستقبل الرقمي القائم على البيانات، فأشار إلى المبرمجين، المصممين، والمتخصصين في التسويق عبر الإنترنت. ومن ثم طلبت منه سرد مهارات موظفيه الذين كانت اسمائهم على قائمة الرواتب، فكان الفرق واضحاً بشكلٍ مؤلم.

سيكون الانتقال صعباً بالنسبة لأولئك الذين عفا الزمن على تدريبهم، وكذلك على المنظمات التي تحتاج إلى مهاراتٍ جديدةٍ تماماً في فترةٍ قصيرةٍ من الزمن، وكما تنبأ الكاتب آلفين توفلر بأن المستقبل سيكون ملكاً لمن يكون قادراً على ترك ما تعلمه وتعلم شيءٍ آخر.

يخبرنا التاريخ بأن التقنية تخلق المزيد من الفرص والوظائف، فربما تبدو حالة العالم اليوم مربكةً ومثيرةً للقلق، ولكنها ليست كذلك. فعالم الأعمال يتغيّر في نواحٍ كثيرةٍ، سواءَ بشكلٍ افتراضيٍّ أو ملموس، أو عن طريق الآلات أو الإنسان، ولكن تبقى الأساسيات المتمثلة في اكتساب المهارات والقيام بما يحتاجه الناس.

إن التزلج إلى حيث سيكون القرص أسهل بكثيرٍ مما يبدو طالما تمسكت ببعض من القواعد الأساسية: كن فضولياً، منفتحاً، مستعداً للتجربة، ومتابعاً للوجهة التي يتحرك نحوها العالم.

المصدر (World Economic Forum)  

*إضافة من المترجم.

المصطلحات:
لوران هوغ     Laurent Haug
صناعة الرياضة الإلكترونية     eSport industry
المطاعم المؤقتة     pop-up restaurants
ألفين توفلر    Alvin Toffler

السعودي العلمي

Comments are closed.