فك شفرة تطور الدماغ

كتابة: نانسي فليزلر.
ترجمة: بيان القاضي.
مراجعة: مشاعل الطياري.


كيف تطورت أدمغتنا المميزة؟ ماهي التغيرات الوراثية التي رافقت الانتخاب الطبيعي لتمنحنا اللغة؟ ما الذي سمح للإنسان الحديث أن يُشكّل المجتمعات المعقدة، يسعى للعلم، ويُبدع الفنون؟ صحيحٌ أننا نفهم القليل عن المورّثات التي تميزنا عن الكائنات الرئيسية الأخرى، إلا أن تلك المعرفة لا يمكنها أن تفسر نشوء وتطور الدماغ البشري تفسيراً كاملاً، إلا أن السنوات المقبلة قد تكشف عن بعض الإجابات، خاصةً مع وجود منحةٍ قدرها عشرة ملايين دولارٍ لنخبة من ألمع عقول جامعة بوسطن وأكثرها تميزاً في علم الوراثة، دراسة الجينوم، علم الأعصاب، والتطور البشري.

أعلنت مجموعة بول ألين فرونتيرز في مدينة سياتل الأمريكية عن عزمها لإنشاء مركز ألين ديسكفري لتطور الدماغ البشري في مستشفى بوسطن للأطفال وكلية هارفارد الطبية، والذي سيقوده الأستاذ المحاضر في طب الأطفال وعلم الأعصاب في كلية هارفارد الطبية ورئيس قسم علم الوراثة ودراسة الجينوم في مستشفى بوسطن للأطفال البروفيسور كريستوفر أي والش، بمشاركة كلٍ من مايكل غرينبرغ الحاصل على زمالة ناثان مارش بوسي في الأحياء العصبية ورئيس قسم الأحياء العصبية في كلية هارفارد الطبية، والأستاذ المحاضر ديفيد رايتش أستاذ علم الوراثة في كلية هارفارد الطبية.

يقول عميد كلية الطب البشري في هارفارد وهو جورج كيو ديلي: ” سيساهم كشف أسرار الدماغ البشري في فهمنا لنشوء وتطور الدماغ وتفسير السلوك البشري، كما سيساعدنا على فهم ما يُميزنا كجنسٍ بشري”. ويضيف: “يمتد البحث الذي أجراه هؤلاء العلماء الثلاثة البارزون ليشمل سلسلةً متصلةً تبدأ من الجزيئات، مروراً بالأعضاء، وانتهاءً بالأنظمة، ويؤكد على مدى أهمية التفاعل بين الاكتشافات الأساسية، المتعدية، والسريرية. وكذلك التفاعل بين الأحياء العصبية، علم الوراثة، الأحياء التطورية، وطب الأعصاب”.

إن أجندة المركز طموحةٌ، فهو يهدف إلى حصر قائمةٍ بالمورثات الأساسية اللازمة لتطور الدماغ البشري، تحليل مهامها في جانب المعرفة والسلوك الإنساني، ودراسة وظائفها بهدف اكتشاف آليات التطور. ويقول والش: “لنتمكن من فهم كيفية ووقت تطور أدمغتنا الحديثة، يتحتم علينا اتباع نهجٍ متعدد الجوانب يعكس كيفية عمل التطور في الطبيعة، والتعرف على تأثير التجربة والبيئة على المورثات التي قادت إلى تطور السلوك البشري الحديث”. بينما يقول غرينبرغ: “يتيح انطلاق هذا المركز فرصة رائعة للمختبرات الثلاثة التي كانت تعمل بشكلٍ مستقلٍ لأن تجتمع وتدرس القوى الوراثية، الجزيئية، والتطورية التي قادت الدماغ البشري إلى اكتساب قدراته المذهلة”. ويضيف رايش بقوله أن التمويل “سيمنحنا فرصةً لاستخدام تحليل الحمض النووي منقوص الأكسجين القديم لتتبع الاختلافات في معدل حدوث الطفرات الوراثية مع مرور الزمن، والذي بدوره سيسلط الضوء على معرفتنا لطبيعة التكيف البشري”.

تطور الفهم
إننا نملك بالفعل معرفة ببعض أساسيات تطور الدماغ البشري، تتمثل بدايةً في زيادة حجم الدماغ في الرئيسيات، والذي بلغ أوجّه قبل مليوني عامٍ تقريباً تزامناً مع ظهور جنسنا الحديث، إلى جانب استخدام النار والأدوات الحجرية الخام. ثم كانت المرحلة التالية بتضاعف حجم الدماغ خلال 500 ألف سنة قبل نشأة الإنسان العاقل، حتى حدثت قفزة هائلة في السلوك الإنساني قبل ما يزيد قليلًا عن 50 ألف سنة، استناداً إلى أدلةٍ أثريةٍ تكشف عن تصنيع الإنسان لأدوات حجرية أكثر كفاءة، وعن حياة جماليةٍ وروحيةٍ غنيةٍ.

فما الذي حدث وراثياً؟ لقد اتخذت البحوث السابقة نهجاً متدرجاً في دراسة المورثات العرضية التي يختلف تركيبها في الإنسان عن الكائنات الأخرى، فقد حدد مختبر والش على سبيل المثال العديد من المورثات التي تنظم حجم القشرة الدماغية وأنماطها، وبعضها اُكتشف من خلال دراسة أمراض الدماغ، وبفضل تشوه في الدماغ يُدعى “كَثَارةُ التلافيف”، وجد المختبر مؤخراً مورثاتٍ في الدماغ مسؤولةٍ عن تطوّي الدماغ، الأمر الذي قد يكون مساهماً في تعزيز قدرتنا اللغوية.

تشكل هذه النتائج جانباً بسيطاً من المعلومات حول القفزات المعرفية، السلوكية، والثقافية التي قطعها الإنسان على مدى الخمسون ألف سنةٍ الماضية، والتي تُعد بمثابة طرفة عينٍ في زمن التطور، والذي بدوره مكننا من اختراع المال، تطوير الزراعة، بناء المصانع، كتابة السيمفونيات، وإلقاء النكات!

حجر رشيد لفك شفرة تطور الدماغ
يعتقد الباحثون أن هناك آلياتٍ متعددةً ساهمت في تشكيل الدماغ البشري الحديث، وتشمل ما يلي:

  • إضافة، مضاعفة، أو حذف المورثات.
  • تبديلاتٍ في سلاسل البروتينات المشفرة للمورثات، من أجل خلق وظائف كيميائيةٍ حيويةٍ جديدةٍ أو معدلةٍ.
  • تغييراتٍ في السلاسل غير المشفرة من الحمض النووي منقوص الأكسجين، ما يسمح بتبديل أنماط التعبير الوراثي وأن تستخدم المورثات الموجودة لأكثر من غرض.
  • التغييرات في المورثات المتعددة (التغييرات في عددٍ من المورثات التي تعمل معاً).

وبناءً على ذلك، ستشمل أساليب البحث في المركز مجموعاتٍ متنوعةٍ من:

  • مسح تسلسل الحمض النووي القديم المأخوذ من العظام والأسنان.
  • الدراسات الجينومية لعددٍ كبيرٍ من الأفراد بهدف تحديد المناطق التي ترتبط بالصفات البشرية.
  • الدراسات الوراثية بهدف اختبار الآثار الوظيفية للطفرات في السلاسل الوراثية الهامة من ناحية تطورية.
  • الدراسات الوظيفية المتعلقة بالخلايا العصبية، وذلك لتحديد أدوار هذه التسلسلات الهامة تطوريًا في الدماغ.

البحث في كل مكان في المورثات
ستًدعم كلَّ هذه الطرق بتحليلٍ ضخمٍ للبيانات الحاسوبية، الأتية من الجينوم، السكان، وعبر مئات الآلاف من السنوات. ولخص قادة المشروع ذلك بقولهم: “ستوفر هذه المجموعة الفحص الأكثر صرامة حول كيفية، وقت، ومكان ظهور السمات الفريدة التي يتحلى بها الدماغ البشري المذهل”. وستوزع المنحة البالغة 10 ملايين دولار على مدى أربع سنواتٍ قادمة، مع إمكانية وصولها إلى 30 مليون دولار خلال ثمانية أعوام.

المصدر (Harvard Medical School)

المصطلحات:
نانسي فليزلرNancy Fliesler
بول جي. ألين فرونتيرز Paul G. Allen Frontiers Group
مركز ألين ديسكفري لتطور الدماغ البشري Allen Discovery Center for Human Brain Evolution
كريستوفر أي والش Christopher A. Walsh
مايكل غرينبرغ Michael Greenberg
ديفيد رايتش David Reich
جورج كيو ديلي George Q. Daley
الأحياء العصبية Neurobiology
الحديث Homo
الإنسان الحديث Homo sapiens
كَثَارةُ التلافيف Polymicrogyria
تطوّي الدماغ Brain folding
سلاسل البروتينات المشفرة Protein-coding sequence
السلاسل الغير مشفرة من الحمض النووي Noncoding DNA sequences
المورثات المتعددة Polygenic

السعودي العلمي

Website Comments

  1. abouhoussam

    انا توصلت لسر إكتساب موهبتي الرسم والنحت وكذلك الذكاء الخارق لدي افكار مهمة أريد مناقشتها مع مهتمين