العلماء يكتشفون جانباً جديداً من نظامنا المناعي

كتابة: بيتر دوكرل.
ترجمة: إلهام الصلاحي.
مراجعة: سحاب أحمد الذايدي.

وجد الباحثون أن عملية إرسال الإشارات بين البروتينات والجهاز المناعي أكثر تعقيداً مما كنا نعتقد، وذلك بفضل نوعٍ خاصٍ من الجزيئات “المرتبطة” الأكثر شيوعاً مما قد يتوقعه أي شخصٍ. وكان يُعتقد بأن هذه الجزيئات نادرةٌ للغاية، لكن الباحثون وجدوا أنها تشكّل بالفعل ربع “الأعلام” التي تتعرّف على السموم أو الأجسام الدخيلة في الجسم، وقد يكون لهذا الاكتشاف تأثيرٌ ضخمٌ على كيفية تطويرنا للقاحاتٍ جديدةٍ وعلاج أمراض المناعة الذاتية.

يقول عالم علم أنظمة الأحياء من الكلية الامبراطورية في لندن مايكل ستومبف: “إن الأمر مشابهٌ لأن يخبرك عالِم جغرافيا بأنه اكتشف قارةً جديدةً، أو أن رائد فضاءٍ يقول بأنه وجد كوكباً جديداً في نظامنا الشمسي”. ويُضيف: “وكما هو الحال مع هذه الاكتشافات، فإن لدينا الكثير من البحث لنقوم به، وهذا لن يقود إلى فهمٍ أعمقٍ لكيفية عمل الجهاز المناعي فحسب، بل سيقودنا أيضاً لسبلٍ جديدةٍ لتطوير العلاجات، العقاقير، واللقاحات”.

باختصارٍ، يعمل نظامنا المناعي من خلال تحديد الأشياء التي قد تكون ضارّةً في بيئة الجسم وبذل قصارى جهده للقضاء عليها، ويقوم بذلك عبر إطلاق البروتينات التي تسمى بالأجسام المضادة لتتكفل بالمستضدات (أو مولدات الضد)، وهي الجزيئات التي تحفز أجهزتنا المناعية للعمل. فكيف تتعرف أجسامنا على المستضدات؟ يحدث ذلك بفضل نظام التعرّف الجزيئي المعروف بمحدد المستضد، حيث تُوضع هذه الهياكل الجزيئية على أسطح الخلايا، وتقوم بتعريف المستضدات على كونها كذلك. وهي أيضاً ذات شكلٍ وتركيبةٍ ملائمةٍ للأجسام المضادة للارتباط بها، وبالتالي القضاء على أي تهديدٍ محتملٍ وهو ما نأمله.

يظن العلماء إلى الآن أن غالبية المحددات المستضدية تتكون بأنماطٍ محددةٍ، حيث تعمل آلياتٌ خلويةٌ بفعاليةٍ في قطع أجزاءٍ من البروتينات بتسلسلٍ معينٍ، وعرضها بترتيبٍ على سطح الخلية، كما لو كانت بألوانٍ محددة. ولكن العلماء وجدوا الآن أن ربع هذه المحددات هي بالفعل محدداتٌ مستضديةٌ مرتبطة التي تظهر عندما تُعرض أجزاء البروتينات على سطح الخلية بشكلٍ عشوائي، وذلك بفضل تقنيةٍ جديدةٍ لرسم الخرائط الخلوية. وبمعنىً أخر، يُمكن القول بأن الخلايا لا تزال ملونةً بألوانٍ محددةٍ، لكن تمت خياطتها ببعضها بشكلٍ فوضويٍ، وهذا ما سيُصعب الأمر كثيراً على الجهاز المناعي نظرياً في التعرف على مُحدد الرقعة.

يعلم العلماء أن هذه المحددات المستضدية المرتبطة موجودةً بالفعل، إلا أنهم اعتقدوا أنها نادرةٌ، إلا أن الأمر ليس كذلك وفقاً لدراسةٍ جديدةٍ تُشير بأنها تمثل 25% من المحددات المستضدية من حيث الوفرة، وحول 30-40% من حيث التنوع في جزيئات المحددات.

إن هذه النسبة غير المتوقعة من المحددات المستضدية المرتبطة توحي بأن إرسال الإشارات في النظام المناعي يحمل معه الكثير من “الضوضاء”، أكثر مما ظن العلماء، وقد يكون هذا سبب شيوع أمراض المناعة الذاتية مثل السكّري من النوع الأول والتصلب اللويحي المتعدد، حيث يهاجم الجسم أنسجته الطبيعية.

يُشكّل هذا الاكتشاف نعمةً ونقمةً في الوقت ذاته لباحثي الجهاز المناعي، فمن الرائع بالطبع حصولنا على رؤيةٍ أوضح حول توفر هذه المحددات المستضدية المرتبطة، ويمكننا الآن محاولة استهدافهم عند تطوير علاجاتٍ جديدة، ولكنه يعني أيضاً أن فك شفرة الجهاز المناعي أصبحت أكثر تعقيداً. ويقول الباحث الرئيسي جوليان ليب: “إن اكتشاف أهمية الببتيدات المرتبطة يقدم إيجابياتٍ وسلبياتٍ عند البحث في الجهاز المناعي”. ويُضيف: ” قد يلهم هذا الاكتشاف علاجات مناعية جديدة ولقاحاتٍ عبر توفير هدفٍ جديد من المحددات المستضدية لتعزيز الجهاز المناعي على سبيل المثال، لكن هذا أيضاً يعني أن علينا فحص الكثير والكثير من المحددات المستضدية عند تصميم أساليب علاجيةٍ مُشخصّنة”. ولقد نُشرت النتائج في دورية ساينس.

المصدر (Sciencealert)

المصطلحات:
بيتر دوكرل Peter Dockrill
مرتبطة Spliced
محددات Flags
كلية إمبيريال في لندن Imperial College London
مايكل ستومبف Michael Stumpf
الأجسام المضادة Antibodies
المستضدات Antigens
نظام التعرّف الجزيئي Molecular flagging system
المحددات المستضدية Epitopes
الببتيدات Peptides
التصلب اللويحي المتعدد Multiple sclerosis

السعودي العلمي

Comments are closed.