العلماء يكتشفون خاصيةً أساسيةً جديدةً للضوء

كتابة: كليف إيماري.
ترجمة: غالية الجبرتي.
مراجعة: عبدالحميد شكري.

تمت كتابة هذا المقال بواسطة كليف إيماري من جامعة هال ونُشر مسبقاً في موقع ذي كونفيرزيشين.

يلعب الضوء دوراً حيوياً في حياتنا اليومية، وتحيط بنا الكثير من التقنيات القائمة على الضوء. ولذلك ربما نظن أن فهمنا لطبيعة الضوء راسخٌ إلى حدٍّ كبيرٍ. ولكن العلماء اكتشفوا خاصيةً جديدةً وأساسيةً للضوء والتي ستمنحنا نظرةً جديدةً إلى النظرية التقليدية للكهرومغناطيسية ذات عمر ١٥٠عاماً، والتي ربما تقود إلى تطبيقاتٍ للتلاعب بالضوء على المقياس النانويّ.

ليس من المعتاد أن تصل ورقةٌ فيزيائيةٌ نظريةٌ بحتةٌ إلى دورية ساينس. فإذا ما حدث ذلك فهذا يعني أنها تستحق نظرةً عن قرب. حيث جمع الباحثون في الدراسة الجديدة مجموعةُ من المعادلاتٍ الفيزيائيةً العريقة وهي نظرية جيمس كلارك ماكسويل الشهيرة للضوء، مع أحد أكثر المواضيع إثارةً في فيزياء الجوامد الحديثة: تأثير هول المغزليّ الكميّ والعوازل الطبولوجية.

لفهم سبب كل هذه الجلبة، دعونا ننظر أولاً إلى سلوك الإلكترونات في تأثير هول المغزليّ الكميّ. إذ تمتلك الإلكترونات دوراناً مغزلياً ذاتياً بحيث تدور حول محورها بثباتٍ كما لو أنها لعبة خُذروفٍ صغيرٍ (لعبة البلبل). إلا أن هذا الدوران المغزلي هو خاصيةٌ ميكانيكيةٌ كميةٌ وتُطبّق عليه قواعدٌ خاصةٌ، إذ لدى الإلكترون خيارين متاحين فقط: إما أن يدور مع عقارب الساعة أو عكس عقارب الساعة (كما نسميه عادةً بدورانٍ مغزليٍّ للأعلى ودورانٍ مغزليٍّ للأسفل)، ولكن تظل قيمة الدوران المغزلي ثابتةً.

يكون لدوران الإلكترون المغزليّ تأثيرٌ كبيرٌ على طريقة حركة الإلكترونات في موادٍ معينةٍ. ويسمى هذا التأثير بـ”الاقتران المداريّ المغزليّ” ويمكننا أن نعطي فكرةً مبسطةً عن ماهيته بتشبيهه بحركة كرة القدم. حيث يمكن للاعب أن يجعل الكرة تنحرف لليمين أو لليسار أثناء سيرها في الهواء عن طريق ركل الكرة مع التفافها. ويعتمد اتجاه حركتها على أي اتجاهٍ تلتف فيه الكرة.

يجعل الاقتران المداريّ المغزليّ الإلكترونات تعاني من انحرافٍ مشابهٍ يعتمد على الدوران المغزليّ أثناء سيرها، مع أن التأثير غير ناتجٍ عن تأثير ماغنوس كما في كرة القدم ولكن من المجال الكهربائي ضمن المادة.

يتكوّن التيار الكهربائيّ العاديّ من خليطٍ متساوٍ من الإلكترونات المتدفقة ذات الدوران المغزليّ العلويّ والسفليّ. وبسبب التأثير المداريّ المغزليّ ستنحرف الإلكترونات ذات الدوران المغزليّ العلويّ إلى أحد الاتجاهات، بينما ستنحرف الإلكترونات ذات الدوران المغزليّ السفليّ إلى الاتجاه الآخر. حيث ستصل الإلكترونات المنحرفة في نهاية المطاف إلى أطراف المادة ولن يكون بوسعها أن تتخطى أكثر من ذلك. وسيؤدي التأثير المداريّ المغزليّ إلى تكدّس الإلكترونات ذوات الدوران المغزليّ المختلفة على أطرافٍ متقابلةٍ للعينة.

يسمى هذا التأثير بتأثير هول المغزليّ التقليديّ، وأضافت ميكانيكا الكم بدورها تحولاً كبيراً فوق ذلك. حيث تقوم الطبيعة الموجية لميكانيكا الكم للإلكترونات المتدفقة بتنظيمها في قنواتٍ مرتبةٍ على طول أطراف العينة. وبينما لا توجد محصلةٌ للدوران المغزليّ في قلب المادة، تتكوّن عند كل طرفٍ قناتان حاملتان للإلكترون، واحدةٌ مخصصةٌ لذات الدوران المغزليّ العلويّ والأخرى لذات الدوران المغزليّ السفليّ. وتمتلك هذه القنوات الطرفية خاصيةً مهمةً إضافيةً: إذ تجعل الإلكترونات المتدفقة فيها محمية من الاضطراباتٍ والعيوبٍ التي عادةً ما تكون السبب في المقاومة وفقدان الطاقة.

هذا التنظيم الدقيق للإلكترونات في قنوات ذات موصليةٍ فائقةٍ مصنفةٍ بحسب دورانها المغزليّ هو ما يعرف بتأثير هول المغزليّ الكميّ، وهو مثالٌ تقليديٌ لـ”العوازل الطبولوجية”، وهي مادةٌ عازلةٌ كهربائياً في داخلها ولكنها موصلةٌ للكهرباء على سطحها. موادٌ كهذه تمثل تنظيماً أساسياً وفريداً من المادة والتي تعِد بالكثير في طريق تطبيقات الإلكترونيات المغزلية. حيث أن رؤوس القراءة في الأقراص الصلبة المبنية على هذه التقنية تُستخدم حالياً في الصناعة.

 

بداية رؤية الضوء

تشير الدراسة الحديثة الآن إلى أن أصول تأثير هول المغزليّ الكميّ والذي يبدو غريباً موجودٌ في كل مكانٍ حولنا في الحقيقة. ولا ينبغي أن نبحث عنها في الإلكترونات لكي نجدها، ولكن في الضوء نفسه.

يمكن وصف المادة في الفيزياء الحديثة كموجةٍ أو كجسيمٍ. والضوء هو عبارةٌ عن موجةٍ كهرومغناطيسية في نظرية ماكسويل. هذا يعني أنه يسير كتذبذبٍ متزامنٍ للمجالين الكهربائيّ والمغناطيسيّ. وبالنظر إلى طريقة الدوران التي يسلكها المجالان أثناء انتشار الموجة، تمكن الباحثون من تعريف خاصيةٍ للموجة وهي “الدوران المغزليّ المستعرض”، والتي تلعب دور خاصية الدوران المغزليّ للإلكترون في تأثير هول المغزليّ الكميّ.

يكون هذا الدوران المغزليّ صفراً تماماً في الأوساط المتجانسة مثل الهواء. غير أن صفة الموجة تتغير بشكلٍ كبيرٍ ويظهر الدوران المغزليّ المستعرض في الحد الفاصل بين وسطين مختلفين (على سبيل المثال، الذهب والهواء). بالإضافة إلى ذلك، يكون اتجاه هذا الدوران المغزليّ مقيدٌ تماماً باتجاه سير موجة الضوء في الحد الفاصل. لذا عندما ينظر إليها بالشكل الصحيح، نجد أن موجات الضوء تشارك الإلكترون في التكوين الطبولوجي الأساسي لخاصية تأثير هول المغزليّ الكميّ.

يُعد هذا مهماً جداً لوجود العديد من التجارب رفيعة المستوى التي تبين الاقتران بين الدوران المغزليّ للضوء واتجاه انتشاره على السطوح. يعطي هذا العمل الجديد تفسيراٌ متكاملاً لهذه التجارب كما يكشف عن تأثير هول المغزليّ الكمي الداخي للضوء. وتشير أيضاً إلى شموليةٍ معينةٍ في سلوك الموجات على السطوح، فإما أن تكون موجاتٍ كموميةً للإلكترون أو موجات ماكسويل التقليدية للضوء.

إن استغلال تأثير الاقتران المداريّ المغزليّ سيفتح إمكانياتٍ جديدةً للتحكم بالضوء على المقياس النانويّ. حيث يُنظر للموصلات البصرية على سبيل المثال على أنها وسيلةٌ لزيادة أداء الحواسيب. وفي هذا السياق، ربما يُستخدم التأثير الدورانيّ المغزليّ لإعادة توجيه الإشارات البصرية بسرعةٍ عاليةٍ بالاعتماد على خاصية الدوران المغزليّ لديها. ومع التطبيقات المقترحة في الاتصالات البصرية، علم المقاييس، ومعالجة المعلومات الكمومية، سيكون من الممتع رؤية كيف سينكشف تأثير هذا التحول الجديد على نظريةٍ قديمةٍ.

المصدر: (sciencealert)

كليف إيماري (CLIVE EMARY)
جامعة هال (University of Hull)
موقع ذي كونفيرزيشين (The Conversation)
دورية ساينس ( journal Science)
تأثير هول المغزليّ الكميّ (quantum spin Hall effect)
العوازل الطبولوجية (topological insulators)
الاقتران المداريّ المغزليّ (spin-orbit coupling)
تأثير ماغنوس (Magnus effect)
تأثير هول المغزليّ التقليديّ (the classical spin Hall effect)
الدوران المغزليّ المستعرض (transverse spin)
علم المقاييس (metrology)
جيمس كلارك ماكسويل (James Clerk’s Maxwell)
لعبة الخُذروف (لعبة البلبل) (spinning-tops)
الإلكترونيات المغزلية (spintronic)

السعودي العلمي

Website Comments

  1. Dr. Rafat

    ربما ذلك الاكتشاف الجديد عن الضوء هو نتيجة لعدم فهمنا لحقيقة الضوء وانا أعتقد واؤيد اعتقادي بمعادلات رياضية أن للضوء تركيب داخلي حيث أنه يتكون من جسيما أصغر وأعتقد أن هذا هو السبب في تفسير الاكتشاف الجديد واذا أمكن أستطيع عرض نتائج أخرى جديدة عن الضوء لمن يريد ألاستزادة وخصوصا يمكن تفسير تجربة الشقين التي تصف تداخل الضوء والتي لم يستطع العلماء حتى الآن الوصول إلى تفسير صحيح ونهائي لها