تجربة ثورية ستجعلنا نفهم المادة المظلمة بشكل أكبر

ترجمة: فاطمة عبدالله

تجربة “ميني كلين” للمادة المظلمة تستعد لأول ظهور لها.

يتطلب الوصول إلى معملٍ في مغارةٍ بعمق كيلومترين تحت الأرض في مدينة سادبري في مقاطعة أونتريو بكندا آليات انتقالٍ غير عادية، فالمصعد الكهربائي الذي ينقل الناس إلى معمل “سنولاب” ينزل مرتين في اليوم عند الساعة السادسة والثامنة صباحاً. وعلى كل فرد أن يغتسل ويبدل ملابسه قبل دخول المعمل كي لا تتلوث منطقة التجارب.

تقوم طبقةٌ سميكةٌ من الصخور الطبيعية بتغطية المعمل النظيف، حيث يتم ضبط جودة الهواء ومستوى الرطوبة ودرجة الحرارة بدقةٍ عاليةٍ. وتسمح هذه الظروف للعلماء من إجراء أبحاثٍ عالية الحساسية عن الجسيمات المراوغة كالمادة المظلمة والنيوترينو.

يعود المصعد إلى السطح عند الساعة ٣:٤٥ مساءً كل يومٍ. وخلال شهور الشتاء ينزل العلماء إلى باطن الأرض قبل بزوغ الشمس ويخرجون عند الغروب. يقوم الباحث لما بعد الدكتوراه في جامعة بوسطن ستيف ليندن برحلته كل صباح ليعمل على تجربة “ميني كلين” والتي سيستخدمها العلماء لاختبار تقنيةٍ جديدةٍ للكشف عن المادة المظلمة مباشرةً.

يقول ليندن” “إنه يومٌ طويلٌ!” فلقد قضى العلماء والمهندسون ثمان سنواتٍ في تصميم وبناء كاشف “ميني كلين”. لقد انتهت تلك المهمة، أما اليوم بدأت مهمة تجهيز وتبريد الكاشف ليتم ملئه بسائل عنصر الأرغون ليبدأ مهمته في البحث عن المادة المظلمة.

بالرغم من أن المادة المظلمة أكثر وفرةً من المادة المرئية التي تكوّن الكواكب والنجوم وكل ما يمكننا رؤيته، إلا أنه لم يتمكن أحد أبداً من تحديد ماهيتها. لا تملك جسيمات المادة المظلمة شحنةً، كما أنها لا تمتص أو تبعث الضوء، كما أن تفاعلها مع المادة ضعيفٌ للغاية، مما يجعل الكشف عنها بالغ الصعوبة.

مراقبة الجسيمات الكبيرة ضعيفة التفاعل

إن كلمة كلين في اسم “ميني كلين” تعني الفيزياء الفلكية منخفضة الطاقة المتجمدة بالعناصر النبيلة، والتي تهدف إلى الكشف عن الجسيمات الكبيرة ضعيفة التفاعل ــ المرشح المفضل حالياً هو المادة المظلمة. وسيبحث العلماء عن تلك الجسيمات النادرة بواسطة مراقبة تفاعلها مع الذرات الموجودة في الكاشف.

لجعل ذلك ممكناً، سيتم ملء الكاشف بما يزيد عن 500 كيلو غرام من الأرغون الشديد البرودة والكثافة وعالي النقاوة في البداية، ثم سيتم ملؤه بسائل عنصر النيون. فإذا دخلت الجسيمات الكبيرة ضعيفة التفاعل الكاشف واصطدمت بأنوية الذرات ستشع ضوءاً ذو بصمةٍ مميزةٍ. وبإمكان العلماء أن يقوموا بجمع وتحليل تلك الإشارات ليحددوا ما إذا كان الذي رأوه جسيمات المادة المظلمة أو أحداثاً خلفيةً أخرى.

يتيح استخدام الأرغون والنيون لتجربة “ميني كلين” التدقيق مرتين في أيّ إشارةٍ محتملةٍ. ولأن الارغون أكثر حساسيةً من النيون، فإن إشارةً حقيقيةً للمادة مظلمة ستختفي لو تم استخدام سائل النيون بدلاً عن سائل الارغون. ستبقى الإشارات الخلفية الفعلية الصادرة عن الكاشف فقط. ويطمح العلماء أخيراً لتوسيع نطاق هذه التجربة إلى نسخةٍ أكبر منها تسمى “كلين”.

التغلب على العقبات

إن تجربة “ميني كلين” تعد تجربةً صغيرةً، وتضم 15 عضواً في هذا التعاون، ويقود المشروع المختبر الوطني شمال غرب المحيط الهادئ. بينما يعمل هذا العدد القليل من الأشخاص على هذه التجربة تحت الأرض، مر الفريق ببعض العقبات الغير متوقعة.

كمثال على ذلك، فقد ظهرت إحدى العقبات أثناء نقل الوعاء الداخلي، وهو أحد مكونات الكاشف والذي يحتوي على سائل الأرغون او النيون.

يوضح بليندن قائلاً: “في نوفمبر المنصرم، وبعدما انتهينا من تجميع الوعاء الداخلي واستعدينا لنقله للمكان الذي يتوجب أن يتواجد فيه أدركنا أن الوعاء لا يتناسب مع المدخل، فكان علينا أن نديره للأسفل.”

واجه الفريق خيارين عندما حدث ذلك: تصغير مقاس الوعاء بطريقةٍ ما أو قطع جزء من باب المدخل، وهو أمرٌ صعب التطبيق في معملٍ نظيفٍ. لحسن الحظ، تمكنوا من استبدال بعض أجزاء الوعاء بشكلٍ مؤقتٍ ليصغر حجمه ليناسب المدخل. حيث تمكنوا من إدخال الوعاء عبر الباب مع بقاء ثمن إنش في كل جانب.

يقول العالم في المختبر الوطني شمال غرب المحيط الهادئ والمتحدث الرسمي والباحث الرئيسي في تجربة “ميني كلين” أندريو هيم: “إن ما يعطيني الطاقة لأستمر في هذا المشروع هو أن مقاربة “كلين” مميزٌ، ولا توجد أيّ مقاربةٍ أخرى تبحث عن المادة المظلمة كما تفعل هذه.” وأضاف: “لقد مضت ثمان سنوات منذ أن بدأنا العمل بجدٍ في هذا المشروع، وإن الحصول على ببياناتٍ حقيقيةٍ أخيراً من الكاشف سيكون بمثابة نفسٍ من الهواء المنعش.”


المصدر: Symmetry Magazine

 

ميني كلين: MiniCLEAN
سنولاب SNOLAB
الجسيمات الكبيرة ضعيفة التفاعل WIMP
كلين CLEAN
الأرغون Argon
النيون Neon
المختبر الوطني شمال غرب المحيط الهادئ Pacific Northwest National Laboratory

Comments are closed.