هل تنشأ الجاذبية من ومضاتٍ غريبةٍ على المستوى الكمي؟

ترجمة سعاد السقاف.

كيف يمكن التوفيق بين ركيزتي الفيزياء الحديثة: نظرية الكم والجاذبية؟ فعلى أحدهما أو كلاهما أن يفسح المجال للآخر، ولكن هناك مقاربةٌ جديدةٌ تقول بأن من الممكن أن تنشأ الجاذبية نتيجة الذبذبات العشوائية على المستوى الكمّي، ما يجعل ميكانيكا الكم النظرية الأكثر أساسيةً من الاثنتين.

لدينا تفسيرين رئيسيين للواقع، أولهما نظرية الكم التي تحكم التفاعلات بين أصغر أجزاء المادة، بينما النسبية العامة تتعامل مع الجاذبية والبُنيات الأكبر في الكون. ويسعى الفيزيائيون منذ عهد أينشتاين لسد الفجوة بينهما دون نجاحٍ يُذكر، وجانبٌ من المشكلة يكمُن في معرفة أيٍ من أجزاء كلّ نظريةٍ أساسيةٌ لفهمنا للواقع.

تتمثل إحدى مقاربات التوفيق بين الجاذبية ونظرية الكم في اعتبار أن الجاذبية في جوهرها تأتي في حزمٍ أوليةٍ لا تتجزأ تُعرف بالكمّات، تماماً مثل القوة الكهرومغناطيسية التي تأتي في كمّاتٍ تسمى الفوتونات، لكن ثبت حتى الآن أن هذه المقاربة للوصول إلى الجاذبية الكمّية غير ممكنة. ولقد حاول أنطوني تيلوي في معهد ماكس بلانك للضوئيات الكمّية في غارشينغ بألمانيا فهم الجاذبية عن طريق تطويع ميكانيكا الكم القياسية.

تُوصف حالة الجسيم بدالة الموجة في نظرية الكم، حيث تمكننا  دالة الموجة من حساب احتمالية وجود الجسيم في موقعٍ أو آخر أثناء القياس على سبيل المثال. فقبل القياس، يكون من غير الواضح ما إذا كان الجسيم موجودًا أصلًا وموقعه لو وُجِود، وبالتالي يبدو أن الواقع خُلق بفعل القياس الذي يهدم الدالة الموجية.

لكن ميكانيكا الكم لا تُعرف القياس فعلياً، فهل يحتاج إلى إنسان واعٍ مثلاً؟ إن مشكلة القياس تؤدي إلى مفارقاتٍ مثل قط شرودينجر، حيث يمكن أن يكون القط ميتاً وحياً في آنٍ واحد داخل الصندوق، حتى يقوم شخصٌ ما بفتحه لرؤية القط.

أحد حلول هذا النوع من المفارقات هو ما يُسمى نموذج جيراردي-ريميني-ويبر الذي طُوّر في أواخر الثمانينات، ويتضمن  النموذج “ومضاتٍ” وهي انهياراتٍ تلقائيةٍ عشوائيةٍ لدالة الموجة للنظم الكمّية، بحيث تكون النتيجة مطابقةً تماماً لما ينتج عن إجراء القياسات ولكن من دون مراقبين واضحين في هذه الحالة .

عدّل تيلوي النموذج ليُظهرإمكانيته لأن يصل بنا إلى الجاذبية الكمّية، فعندما تُسقط ومضةٌ دالةً موجيةً في نموذج تيلوي وتجبر الجسيم لأن يكون في مكانٍ واحدٍ، سينشأ مجال جاذبيةٍ في الزمكان في ذات اللحظة. ويخضع النظام الكمّي الضخم ذو العدد الكبير من الجسيمات لومضاتٍ عديدةٍ، وتكون النتيجة مجال جاذبيةٍ مذبذب.

تبيّن أن متوسط هذه التذبذبات هو مجال جاذبيةٍ توقعته نظرية نيوتن للجاذبية، وتسمى هذه المقاربة لتوحيد الجاذبية مع نظرية الكم بـ شبه الكلاسيكية: حيث تنشأ الجاذبية من عملياتٍ كمّيةٍ ولكنها تبقى قوةً كلاسيكيةً. ويقول تيلوي: “ليس هناك سببٌ حقيقيٌ لتجاهل هذه المقاربة شبه الكلاسيكية، أي أن تكون الجاذبية كلاسيكيةً على المستوى الأولي”.

يقول كلاوس هورنبرجر من جامعة ديسبورغ – إيسن في ألمانيا: ” تروق لي هذه الفكرة من حيث المبدأ”، ولكنه يشير إلى أن هناك مشاكل أخرى تحتاج إلى المعالجة قبل أن تكون هذه المقاربة منافساً جدّياً لتوحيد جميع القوى الأساسية التي تستند عليها جميع قوانين الفيزياء على المقياسين الكبير والصغير. ومثالٌ على تلك المشاكل أن نموذج تيلوي يمكنه وصف الجاذبية كما وُصفت في نظرية نيوتن، لكن الرياضيات لا ةزالت بحاجةٍ إلى الحساب لمعرفة ما إذا كانت ناجحةً في وصف الجاذبية التي تحكمها النسبية العامة لأينشتاين. ويوافق تيلوي بقوله: “إن هذا صعب التعميم للخلفية النسبية”، ويحذر من ألا أحد يعلم أيِ من التعديلات العديد لميكانيكا الكم هو الصحيح.

مع ذلك، فإن هذا النموذج قابلٌ للاختبار ويتنبأ بأن الجاذبية ستسلك سلوكاً مختلفاً على المستوى الذرّي مما هو عليه عند المستويات الأكبر على سبيل المثال، وفي حال وجدت التجارب أن نموذج تيلوي يعكس الواقع وأن الجاذبية تنشأ بالفعل عن انهيار التذبذبات الكمّية، فإن ذلك سيكون دليلاَ كبيراً على أن نظرية كل شيء تتضمن الجاذبية شبه الكلاسيكية.

المصدر (newscientist)

السعودي العلمي

Comments are closed.