تقنيات معالجة المياه الملوثة وأهمية إعادة التدوير

كتابة: منتظر الشبيب.

تخيل أنك اضطررت يوماً لأن تقطع مسافاتٍ طويلةً كي تحصل على رشفة ماء، وما يزيد الأمر سوءاً هو أنك قد تُصعق في نهاية المطاف بأن الماء الذي حصلت عليه كان ملوثاً وقليلاً جداً، ولا يكاد أن يلبي احتياجاتك لليوم واحد، ولكن هذا للأسف هو حال قرابة المليار نسمةٍ من الذين لا تتوفر لديهم مصادر مياهٍ نظيفةٍ، ويتوقع العلماء أن هذا العدد سيزداد إلى ثلاثة مليارٍ في عام 2025مـ. ويمكن أن ننسب هذه المشكلة لعددٍ من العوامل كالازدياد المتسارع للكثافة السكانية والتلوث الاقتصادي المرافق للتقدم الاقتصاديّ، بالإضافة إلى الاستهلاك المفرط للمياه في القطاع الزراعي، كما يُتوقع أن مصادر المياه النظيفة المتوفرة حالياً معرضةٌ للتلوث نتيجة الأنشطة الصناعية والاحتباس الحراريّ.

لقد بات من الضروري تطوير تقنياتٍ بهدف معالجة المياه الملوثة والاستفادة منها، وذلك لتقليل الاعتماد الكلي على المياه النظيفة والمحافظة على مصادرها للأجيال القادمة، ولن تقتصر فائدة هذه التقنيات في الحد من الاعتماد على مصادر المياه النظيفة لغير أغراض الشرب، بل ستحمي البيئة والبشر من أضرار المياه المستعملة. ولقد أظهرت بعض الإحصائيات أن 80% من المياه المستخدمة تُصرف في محيطنا دون معالجة، والنتيجة هي أن أكثر من نصف الأمراض في العالم تنشأ بسبب هذه المياه الملوثة.

إن تفاقم المشاكل المذكورة دعا الجهات العالمية للعمل على تطوير تقنياتٍ تساعد في حلها، ولقد ظهرت مؤخراً الكثير من هذه التقنيات التي تعالج المياه الملوثة، وسنستعرض هنا بعضاً منها:

الأراضي الرطبة المشيدة
هي عبارةٌ عن أنظمةٍ بيئيةٍ اصطناعيةٍ تُعالج عدة أنواعٍ من المياه، وتستخدم عملياتٍ طبيعيةً مماثلةً لعمليات الأراضي الرطبة المتكوّنة طبيعياً وتشبهها في التصميم، وتُعرف الأرض الرطبة بقدرتها على تخزين كمياتٍ كبيرةٍ من الماء، كما أن لوجود النباتات فيها دورٌ كبيرٌ في توفير البيئة المناسبة للكائنات الدقيقة التي تشارك في عملية المعالجة. وتعمل هذه التقنية على إزالة الملوثات، المواد الأسمدة، والمركبات الكيميائية الصغيرة جداً.

تمتاز الأراضي الرطبة المشيدة بأنها تقلل تكاليف المعالجة من ناحية التشييد والتشغيل، ما يجعلها ذات جدوى اقتصاديةٍ فعالةٍ وبالخصوص في المجتمعات الصغيرة. وعلاوةً على ذلك، تُنتج هذه الأراضي كمياتٍ كبيرةً من المياه النظيفة، وتُساهم في التخلص من رائحة الماء الملوث طبيعياً.

أرضٌ رطبةٌ مشيدة في مقاطعة كلايتون ، جورجيا

 

برك تثيبت المياه الملوثة
هي عبارةٌ عن بحيراتٍ اصطناعيةٍ صُممت لتحلية عدة أنواعٍ من المياه الملوثة بالاعتماد على العمليات الطبيعية، وذلك بمساعدة ضوء الشمس، الرياح، والكائنات الدقيقة، ويُمكن أن تُستخدم هذه البرك في تنقية مياه أنظمة الصرف الصحي المركزية وشبه المركزية المتواجدة في المدن، أو حتى لخدمة جهةٍ معينةٍ كالشركات البتروكيميائية والزراعية. وتمتاز برك التثبيت بقلة تكاليف التشغيل والصيانة، وبكفاءتها العالية في التخلص من المُلوثات والمواد الضارة، ولكنها للأسف تتطلب مساحاتٍ كبيرةً وخبرةً عاليةً لتصميمها.

يُوجد ثلاثة أنواعٍ من هذه البحيرات: لا هوائيةٌ، هوائيةٌ، وطفيليةٌ. حيث تُذيب البرك اللاهوائية المواد العضوية وتُرسب المواد الصلبة التي لا يمكن أن تحلل حيوياً، بينما تعمل البرك الهوائية على إزالة الكائنات المُمرضة وتثبيت العوالق الصلبة، كما أنها فعالةٌ في إزالة المواد المغذية كالنيتروجين والفسفور، والنوع الأخير هو البرك الطفيلية التي تتكون من منطقةٍ هوائيةٍ قريبةٍ من السطح ومنطقة لاهوائية أكثر عمقاً، ويُعالج هذا النوع الماء الملوث عن طريق الترسيب والتأكسد، وتُساهم في التقليل من الروائح  وانتشار الكائنات المُسببة للأمراض.

بركةُ تثبيت المياه الملوثة في دولة هايتي

 

خلايا الوقود الميكروبية
تعالج هذه التقنية الماء المُلوث وتُتنج في نفس الوقت طاقةً كهربائيةً بمساعدة البكتيريا التي تتغذى على المواد العضوية، وتتكون هذه الخلية من قطبين مُوجبٍ وسالبٍ يفصلهما غشاءٌ يسمح بمرور البروتونات، ما يقود إلى تكوّن تيارٍ كهربائيٍّ لتدفق الشحنات. فعندما تُوضع البكتيريا في غرفة القطب السالب الخالية من الأكسجين، ستتجه نحو القطب الموجب حاملةً معها الإلكترونات وتلتصق به، لتندمج عندها البروتونات والإلكترونات مع الأكسجين لإنتاج الماء فقط. وبالإضافة إلى ذلك، ينتج هذا التفاعل ثاني أكسيد الكربون والطاقة الكهربائية بفضل انتقال الالكترونات كما هو موضح في الشكل أدناه. وعلى الرغم من أن هذه التقنية ما زالت في مرحلة التطوير، إلا أن التجارب الأولية واعدةٌ ويُتوقع أن تحل أزمتي ندرة المياه وتكلفة الطاقة الباهظة المستخدمة في عمليات التحليل.

عرض تخطيطي  لخلايا الوقود الحيوية

تقنية التأكسد الضوئي
تُعتبر هذه التقنية فعالةً لإزالة المواد الكيميائية المقاومة للتحلل، ويستخدم فيها جذر الهيدروكسيل الذي يُحفز سلسلةً من التفاعلات الكيمائية كعاملٍ مؤكسدٍ، مما يُنتج تحولاً كاملاً للمواد العضوية إلى ماءٍ وثاني أوكسيد الكربون، ويوجد هناك طريقتان لإجراء هذه العملية: التحلل الضوئي والتحفيز الكيميائي بالضوء. حيث تستخدم عملية التحلل الضوئي الأشعة فوق البنفسجية بجانب العوامل المؤكسدة كالأوزون أو فوق أكسيد الهيدروجين، بينما تستخدم عملية التحفيز الضوئي الكيميائي المواد الكيميائية المحفزة مثل ثاني أكسيد التيتانيوم بدلاً عن العوامل المؤكسدة لتسريع تفاعل الأكسدة.

استخدام المياه المُعالجة
قد لا تكون المياه المعالجة بهذه التقنيات صالحة للشرب، إلا أنه من الممكن استخدامها لعدة أغراض، ومن أهم هذه الاستخدامات ري الحدائق العامة والمسطحات الخضراء، إطفاء الحرائق، تصريف المراحيض في المباني التجارية والصناعية، بناء المحتجزات المائية الترفيهية كبرك وأنهار الزينة، وتعويض ما يُفقد من المياه في العمليات الصناعية بسبب التسرب أو التبخر. كما قد تستخدم المياه المعالجة في المجالات الحيوية، كالاستفادة منها لري المحاصيل والأراضي الزراعية إذا كانت المياه المُعالجة نظيفة وعالية الجودة، وبناء الأراضي الرطبة المشيدة وتحسين الأراضي الرطبة الطبيعية.

إن من الواجب علينا أن ننشر الوعي في أوساط المجتمع لحفظ وترشيد استهلاك المياه الثمينة، فمنطقتنا العربية تعاني من شح المياه بالفعل بحدة قد تضع الأمن الوطني والإقليمي في خطر،  ما يعزز حاجتنا لمثل هذه التقنيات وما هو أكثر منها كفاءةً وملائمةً للبيئة، ولا شك بأن أي استثمارٍ في الحفاظ على أهم مصدرٍ في الحياة وإعادة تدوير المياه الملوثة إلى ماءٍ صالحٍ للاستخدام سيؤتي بثمره في القريب العاجل.

المصطلحات:
(Constructed Wetlands) الأراضي الرطبة المشيدة
(Photo Oxidation ) التأكسد الضوئي
(Photolysis) التحلل الضوئي
(Photocatalysis ) التحفيز الكيميائي بالضوء
(hydroxyl radical) جذر الهيدروكسيل
( Microbial Fuel Cells ) خلايا الوقود الميكروبية
( Anode ) مصعد (القطب السالب)
( Cathode ) مهبط (القطب الموجب)

المصادر:

السعودي العلمي

Comments are closed.