هل توجد نهايةٌ للجدول الدوري؟

 ترجمة: يوسف.

سيصادف العام القادم الذكرى السنوية المئة والخمسون لتأسيس الجدول الدوري الذي أنشأه ديمتري مندلييف، ولذلك أعلنت الأمم المتحدة عن وصف سنة 2019مـ بالسنة الدولية للجدول الدوري للعناصر الكيميائية. ولا يزال الجدول ينمو في عمر 150 عاماً، إذ أضيفت أربعة عناصر جديدةٍ للجدول في عام 2016مـ وأسماؤها: نيهونيوم، موسكوفيوم، تينيسين، وأوغانيسون، وأعدادها الذرية التي تمثل عدد البروتونات في النواة ويحدد خصائص العنصر الكيميائي ومكانه في الجدول الدوري هي 113، 115، 117، و118 على التوالي.

لقد تطلب تأكيد العناصر الأربعة الأخيرة جهداً عالمياً وعقداً من الزمن، ويتساءل العلماء الآن عن المدى الذي يُمكن أن يمتد إليه هذا الجدول؟ يمكن العثور على بعض الإجابات في دراسةٍ في دورية نايتشر لأفق الفيزياء، والتي كتبها الأستاذ المحاضر في الفيزياء المتميز في جامعة ولاية ميشيغان ورئيس العلماء في منشأة حزم النظائر النادرة وهو فيتيك نازاريفيتش.

تُصنف جميع العناصر التي تحتوي على أكثر من 104 بروتونات بأنها فائقة الثقل، وهي جزءٌ من أرضٍ واسعةٍ ومجهولةٍ تماماً يحاول العلماء اكتشافه، كما يُتوقع بأن الذرات التي تحتوي على ما يصل إلى 172 بروتوناً يمكن لها أن تشكل أنويةً ترتبط ببعضها فيزيائياً بالقوة النووية التي تمنع تفككها، وذلك لبضعة أجزاءٍ من الثانية فقط، فاستقرار هذه الأنوية المصنّعة في المختبرات ضعيفٌ جداً، وتتحلل فور تشكلها.

يمكن أن يكون هذا التحلل سريعاً جداً لدرجةٍ تعيق النواة من التقاط الإلكترون وجذبه لتكوين ذرّة العنصر، لتمضي كامل حياتها كتجمعٍ من البروتونات والنيوترونات، وهذا ما يحدث في العناصر الأثقل من الأوغانيسون. وإذا كان هذا هو الوضع فإنه سيتحدى الطريقة التي يُعرّف  بها العلماء الذرات ويفهمونها اليوم، فلا يمكن وصفها بعد الآن بأنها نواةٌ مركزيةٌ تدور حولها الإلكترونات بطريقةٍ تشابه دوران الكواكب حول الشمس، وأما بالنسبة لما إذا كان بإمكان هذه النوى أن تتشكل من الأساس فهذا لا يزال لغزاً.

يتحرك العلماء ببطء نحو تلك المنطقة ولكن بثباتٍ، ويصطنعون العنصر تلو العنصر دون معرفة شكله أو أين ستكون النهاية، ويستمر البحث عن العنصر 119 في العديد من المختبرات، وتحديداً في المعهد المشترك للأبحاث النووية في روسيا، معهد جي أس آي في ألمانيا، ومعهد ريكن في اليابان. ويقول نازاريفتيش: “تفتقر النظرية النووية إلى القدرة على التنبؤ بشكلٍ موثوقٍ بالظروف المثالية المطلوبة للتصنيع، لذا عليك أن تقوم بتخميناتٍ وتجري تجارب اندماجٍ عدةٍ حتى تجد شيئاً ما، وبهذه الطريقة يمكن أن تعمل لسنوات”.

على الرغم من أن المنشأة الجديدة لأشعة النظائر النادرة في جامعة ولاية ميشيغان لن تنتج هذه الأنظمة فائقة الثقل، إلا أنها قد تُلقي الضوء على ماهية التفاعلات التي يمكن استخدامها بالتصميم الحالي على الأقل، مما يوسع حدود الطرق التجريبية الحالية. وإذا تم تأكيد العنصر 119 فإنه سيضيف دورةً ثامنةً للجدول الدوري، وهذا ما ذكرته ماري سون لي في قصيدتها العناصرية: “هل سيُرفع الستار؟ هل ستفتح الدورة الثامنة؟ هل ستأخذ الصدارة؟” يقول نازارافيتش بأن هذا الاكتشاف قد لا يكون بعيدًا جداً: “قريباً يُمكن أن تعني الآن، أو في غضون سنتين أو ثلاث سنوات، فنحن لا نعرف والتجارب مستمرة”.

لا يزال هناك سؤالٌ آخرٌ مثيرٌ، هل يمكن إنتاج نوى فائقة الثقل في الفضاء؟ يعتقد أنها يمكن أن تنتج في عمليات اندماج نجمٍ نيوتروني، وهو تصادمٌ قويٌّ جداً لدرجةٍ تهز نسيج الكون حرفياً. وفي بيئاتٍ نجميةٍ كهذه حيث تكون النيوترونات وفيرةً، يمكن للنواة أن تندمج مع المزيد والمزيد من النيوترونات لتشكيل نظيرٍ أثقل، وسيكون له نفس رقم البروتون وبالتالي سيكون هو العنصر نفسه ولكن أثقل. ويكمن التحدي هنا في أن النوى الثقيلة غير مستقرةٍ إطلاقاً لدرجة أنها تتحلل قبل وقتٍ طويلٍ من إضافتها للمزيد من النيوترونات وتشكيل هذه النوى فائقة الثقل، وهذا يُعيق إنتاجها في النجوم. ولكن يكمن الأمل في أن يتمكن العلماء من “رؤية” هذه النوى صعبة المنال عبر عمليات المحاكاة المتقدمة من خلال الأنماط المرصودة للعناصر المصطنعة.

سيلاحق العلماء هذه العناصر الثقيلة لإضافتها للجدول المعاد تشكيله مع تقدم القدرات التجريبية، وفي الوقت الحالي يمكنهم فقط التساؤل عن التطبيقات المذهلة التي ستمتلكها هذه الأنظمة الغريبة. حيث يقول نازارافيتش: “نحن لا نعرف كيف ستبدو وهذا هو التحدي، ولكن ما تعلمناه حتى الآن قد يعني نهاية الجدول الدوري كما نعرفه”.

تعمل جامعة ولاية ميشيغان على تأسيس منشأةٍ لأشعة النظائر النادرة كمرفقٍ جديدٍ للاستخدام العلمي لمكتب الفيزياء النووية في مكتب العلوم التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، وهو تحت الإنشاء في الحرم الجامعي وتديره جامعة ولاية ميشيغان، وستمكن المنشأة العلماء من القيام باكتشافاتٍ عن خصائص العناصر النادرة من أجل تحقيق فهمٍ أفضل لفيزياء الأنوية، الفيزياء الفلكية النووية، التفاعلات الأساسية، والتطبيقات التي تخدم المجتمع متضمنةً الطب، الأمن الداخلي، والصناعة.

المصدر (Phys.org)

المصطلحات:
ديمتري مندلييف Dmitry Mendeleev
نيهونيوم Nihonium
موسكوفيوم Moscovium
تينيسين Tennessine
أوغانيسون  Oganesson
فيتيك نازاريفيتش Witek Nazarewicz
نجم نيوتروني 

السعودي العلمي

Comments are closed.