التوجهات السائدة للشركات الناشئة في الشرق الأوسط

كتابة: خالد كتيلي، كيلي أوموندسن.
ترجمة: أسامة أحمد خوجلي.
مراجعة: سعاد السقاف. 

تواجه منطقة الشرق الأوسط توتراتٍ سياسيةً جغرافيةً متصاعدةً، فهي تمتلك أعلى معدلات البطالة بين الشباب في العالم، كما تمرّ بمرحلة تحولٍ للخروج من الاقتصادات القائمة على النفط، ما يعني أن نجاح شركاتها الناشئة في هذه المرحلة من شأنه أن يحدد نجاح المنطقة برمتها. ونجد أن تطبيق “كريم” للنقل يُمثل الشركة وحيدة القرن* الوحيدة في الشرق الأوسط، ولقد وفّر أكثر من 500 ألف وظيفة، كما يعمل حالياً على تدريب سائقاتٍ في المملكة العربية السعودية تزامناً مع تنفيذ قانون السماح لها بالقيادة في شهر يونيو الماضي.

جمع منتدى الاقتصاد العالمي مئةٍ من أبرز الشركات العربية الناشئة في قمة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي عُقدت في البحر الميت بالأردن خلال شهر مايو عام 2017مـ، حيث اجتمعوا لمناقشة التحديات والفرص المشتركة للنمو والتطوير، بمشاركة كبار المدراء التنفيذيون وصانعي السياسات في المنطقة. ولقد استمر تطور المشهد في العالم العربي منذ ذلك الحين، حيث تشترك الشركات الناشئة على نحوٍ متزايدٍ مع الشركات الكبيرة في الضغط على الحكومات بنجاح، وتحصل على الاستثمار من مصادر غير تقليدية، مع الاستمرار في معالجة التحديات الإقليمية بحلولٍ إقليمية.

الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي هي رئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق) ورئيسة مجلس الأعمال الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولقد نشرت تقريراً  بعنوان عالم العرب الرقمي في منتدى الاقتصاد العالمي في مؤتمر دافوس عام 2018مـ، واستعرض التقرير الأسباب التي تجعل من المنطقة موقعاً فريداً لتأسيس نظامٍ بيئيٍ قويٍ لريادة الأعمال، حيث يمكن للشركات الناشئة أن تنمو وتزدهر.

إن هنالك ثلاثة اتجاهاتٍ سائدةٍ مدهشةٍ في مسرح الشركات الناشئة، خاصةً مع اعتناق الشرق الأوسط للثورة الرقمية:

1-تسعى الشركات القائمة حالياً إلى إقامة شراكاتٍ مع الشركات الناشئة
تزايد إدراك الشركات إلى أن الشراكة مع الشركات الناشئة يُتيح لها الوصول إلى أفكارٍ جديدةٍ ومبتكرةٍ يمكن أن تُساعد في تشكيل أعمالها، وأن ذلك يُساهم أيضاً في إظهار جهودها لدعم المجتمعات المحلية. ففي بيروت على سبيل المثال، ترعى شركة الاتصالات زين برنامجاً ابتكارياً يوفر مساحاتٍ مكتبيةٍ، توجيهاً، ودعماً للمبيعات لست شركاتٍ ناشئةٍ قابلةٍ للتوسع.

حققت برامج الوساطة غاياتٍ مماثلةً، إذ وقعت شركاتٌ 16 مذكرة تفاهمٍ مع منشآتٍ صغيرةٍ ومتوسطة الحجم في مبادرة أثر سلسلة الإمداد العربية في الشارقة، وتعهد في الوقت نفسه أعضاء مجلس الأعمال الإقليمي للمنتدى الاقتصادي العالمي بتخصيص 10٪ من ميزانية المشتريات السنوية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، الشركات الناشئة، وروّاد الأعمال، بحلول عام 2020مـ، ويضم المجلس بعض الشركات الرائدة في المنطقة. وتقول في ذلك الشيخة بدور: “لقد أدركت الشركات الكبيرة أن الشراكة مع الشركات الناشئة هي سيناريو رابحٌ للطرفين، فهم لا يساهمون في التقدم الاجتماعي الاقتصادي فحسب، بل يستفيدون أيضاً من مصدرٍ غير محدودٍ من الابتكار، وعلى الكفة الأخرى توفر الشركات الناشئة خدمةً ممتازةً وحلولاً متطورةً للشركات الكبيرة كونها متلهفةٌ لإثبات نفسها”.

2-الشركات الناشئة تصيغ السياسات الحكومية
بدأت الشركات الناشئة في رؤية نجاح خطوة الضغط على الحكومات، في محاولةٍ لصنع السياسات من الأسفل إلى الأعلى، إذ أقرت الحكومة التونسية مؤخراً قانون تنظيم الشركات الناشئة بعد عامين من عمل مجموعةٍ من روّاد الأعمال المحليين بدعمٍ من وزراء رئيسيين. ويتضمن هذا القانون 20 تدبيراً وإطاراً قانونياً لدعم، إنشاء، تطوير، وتدويل الشركات الناشئة التونسية. كما بدأت مبادرةٌ مُشابهةٌ في مصر أيضاً تُعرف باسم بيان الشركات الناشئ بجمع الدعم، وكتب قائدها الذي يعمل كرئيسٍ تنفيذيٍ لشركة رايز أب وهو عبد الحميد الشرع: “إن الهدف النهائي هو تمكين نظامٍ بيئيٍ مزدهرٍ لريادة الأعمال في مصر، وأن نمكن الحوار المستمر بين جميع أصحاب المصلحة المعنيين وأن نصبح أيضاً نقطةً مرجعيةً للإصلاحات، وذلك من خلال تحديد التحديات الحالية واقتراح حلولٍ واقعيةٍ”.

قامت شركة ” لمسة” بالتعاون مع صندوق محمد بن راشد للإبداع في الإمارات العربية المتحدة، وهي شركةٌ ناشئةٌ مقرها أبو ظبي وتعمل في المنطقة لدعم تطور الأطفال الناطقين بالعربية. ويُذكر بأن حجم هذا الصندوق يبلغ 550 مليون دولاراً، وهو مبادرةٌ صممتها ورعتها وزارة المالية لدعم المبتكرين المحليين، وستوفر الموارد التي تحتاجها شركة لمسة لتسريع نموها وتأثيرها. كما أطلقت مؤسسة دبي للمستقبل عدداً من المشاريع المبتكرة مثل منطقة 2071، دبي 10اكس، وبرنامج مسرعة أعمالٍ لمدة 12 أسبوعاً لتوفير بيئةٍ حاضنةٍ للشركات الناشئة.

تعاونت الحكومة في البحرين مع رجال الأعمال، المستثمرين، والمؤسسات الأكاديمية لإنشاء مبادرة شركات البحرين الناشئة، لتزويد رواد الأعمال بالأدوات والتمويل الذي يساعدهم في إنشاء وتوسيع نطاق أعمالهم، وكذلك الاستفادة من مختبر ساندبوكس للتقنية المالية الذي أُنشئ حديثاً. وفي عُمان تقوم الحكومة بإشراك الشركات الناشئة في عمليات صنع القرار، وقد عُيّن مؤخراً بعض رواد الأعمال كأعضاءٍ في مجلس الإدارة في الجهات الحكومية، بما فيها الهيئة العمانية العامة لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويقول الرئيس التنفيذي لشركة عكاسة للإنتاج وعضو مجلس إدارة صندوق الرفد الذي يُعد أكبر صندوقٍ تمويلي للشركات الناشئة في عُمان وهو محمد سالم الحارثي: “يساعد هذا الحكومة على فهم احتياجات الشركات الناشئة، وإنشاء نظامٍ بيئي تمكيني وتفويضي في عمان”.

3- تطور التجارة الإلكترونية الإقليمية
تعالج الشركات الناشئة التحديات الإقليمية بالحلول الإقليمية، حيث يُشعل اللاعبون الإقليميون والدوليون المنافسة، وظهر مدى حقيقة ذلك في مجال التجارة الإلكترونية بشكلٍ خاصٍ خلال العام الماضي، وبطريقةٍ لم يكن ليتوقعها إلا قلةٌ من اللاعبين الخارجيين. فبدلاً من دخول شركة أمازون في سوقٍ جديدة كما تفعل دائماً، بادرت إلى شراء شركة سوق.كوم نظير مبلغٍ قياسي قدره 580 مليون دولار في يوليو(تموز) عام 2017مـ، ووصف غولدمان ساكس الصفقة بأنها ” أكبر صفقة اندماجٍ واستحواذٍ تقنيةٍ في العالم العربي”، ولم تقتصر عملية الاستحواذ على التحقق من صلاحية التجارة الإلكترونية في المنطقة فحسب، بل عززت القطاعات ذات الصلة أيضاً، مثل اللوجستيات وأنظمة الدفع.

لقد كان هذا الإعلان في الواقع جزءاً من حركةٍ أوسع في مجال التجارة الإلكترونية، حيث جاء ذلك في أعقاب إعلان مجموعة إعمار مولات دبي في شهر مارس (آذار) 2017مـ، والذي يرأسها عملاق العقارات في دبي محمد العبار، والذي دفع 151 مليون دولار لشراء 51٪ من أسهم موقع نمشي للتجارة الإلكترونية، وأعلن السيد العبار وصندوق الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية بعد بضعة أشهر عن تخصيص مليار دولار كرأس مالٍ لموقع نون.كوم، وهو منصةٌ للتجارة الإلكترونية تُنافس شركة أمازون مباشرةً في المنطقة.

كما أثبتت الشركات المستحوذة جدوى بعض نماذج الأعمال في المنطقة، حيث شمل استحواذ سوق. كوم على شركة بيفورت على سبيل المثال، وهي بوابة دفعٍ عبر الإنترنت شائعةٌ في المنطقة فعلياً. ولكن يجب أن نكون حذرين من أن نرسم المنطقة بفرشاةٍ عريضةٍ، فالواقع أن هناك جزءاً من المنطق وراء اقتناء شركة أمازون هو التنوع الغني والاختلافات بين بلدان العالم العربي. وكما قالت إحدى الشركات الناشئة: “على الرغم من أن لدينا تاريخاً وثقافةً مشتركةً، إلا أنّ التوسع إلى بلدٍ مجاورٍ قد يكون أصعب من التوسع إلى الولايات المتحدة “. فما يعمل في بلدٍ ما لن يُمثّل حلاً موحداً يناسب الجميع للتوسع لبلدانٍ أخرى بالضرورة. وسيكون على الشركات الناشئة الاستمرار في تكييف نماذج أعمالها أثناء نموها.

ماذا يعني هذا للمنطقة؟
إن الأفكار والأعمال التجارية التي تخرج من الشرق الأوسط تضع العالم العربي كقوةٍ لا يستهان بها، خاصةً عند جمعها بالاهتمام المتجدد والاستثمار في نظامها البيئي للشركات الناشئة. لكن هذه التحديات تجبر أيضاً أولئك الذين يظلون يفكرون بشكلٍ خلاقٍ للعمل بالالتفاف حول النظام، ويجعل هذا الشركات أفضل على حد قول العديد من روّاد الأعمال، ويخلق مساحةً للشباب المتعطشين للفرص الجديدة. فكما يقول أحد المؤسسين: “لم يعد شبابنا يرغب في الحصول على العطيات، بل يريدون بناء مستقبلهم”، ومن المؤكد أن روّاد الأعمال العرب يمسكون بمستقبلهم ومستقبل بلدانهم بأيديهم.

المصدر (World Economic Forum)

*شركة وحيدة قرن: هي شركة يبلغ رأس مالها أكثر من مليار دولارٍ.

السعودي العلمي

Comments are closed.