المفاعل العجيب الذي قد ينقذ الاندماج النووي – الجزء الأول

ترجمة: عبدالحميد حسين شكري.

إن كنت سمعت سابقاً عن طاقة الاندماج النووي فمن المُرجح أنك قد سمعت عن التوكاماك، وهذه الأجهزة التي تشبه الدونات تهدف إلى حبس الغازات المُؤينة المدعوة بالبلازما داخل مجالاتٍ مغناطيسيةٍ، لتقوم بتسخينها إلى درجات حرارةٍ غير مسبوقةٍ واللازمة لدمج نويات الهيدروجين. وتُعد التوكاماك العمود الفقري للاندماج نظراً لكونها صلبةً، متناظرةً، وبسيطةً نسبياً للمهندسين، ولكن التقدم معها يسير بخطىً متثاقلةً.

الآن، بدأ ابن عم التوكاماك المتمرد بالظهور. حيث يقوم الباحثون بالاستعداد لتشغيل جهازٍ للاندماج يعرف بستللاريتور في مختبر أبحاثٍ لامعٍ في الزاوية الشمالية الشرقية لألمانيا، وهو أضخم جهاز اندماجٍ تم بناؤه على الإطلاق. وتبدو هذه الآلة التي تبلغ تكلفتها مليار يورو كحلقةٍ بعرض 16 متراً من المعادن اللماعة والمليئة بالأجهزة من كلّ الأشكال والأحجام، فهناك عددٌ لا يحصى من الأسلاك المتدلية إلى جهاتٍ مجهولةٍ، والتقنيون يعبثون بها هنا وهناك، وتُعرف بفينديليشتاين 7-إكس. فهي تبدو تقريباً مثل سفينة “صقر الألفية” لهان سولو، والتي سُحبت للتصليح بعد صدامٍ مع الأسطول الإمبراطوري (تشبيه مكني من فلم ستار وارز)*. وفي داخلها يوجد 50 لفافة مغناطيسٍ يبلغ وزنها 6 أطنان، وهي ملتويةٌ بشكلٍ غريبٍ كما لو أن عملاقاً غاضباً دهسها.

رغم أن الستللاريتور شبيهة مبدئياً بالتوكاماك، إلا أنها بقيت لفترةٍ طويلةٍ غير معروفةٍ في أبحاث الاندماج النووي، وذلك لأن التوكاماك أفضل في حفظ الغاز محاصراً ومتمسكاً في الحرارة اللازمة للحفاظ على استمرارية التفاعلات. لكن أجهزة الستللاريتور المشابهة للتوكاماك لديها الكثير من الصفات التي قد تجعلها أفضل بكثير في مصنع طاقةٍ اندماجيةٍ تجاريٍ. فبمجرد تشغيلها، ستقوم الستللاريتور بالخرخرة دائماً بشكلٍ طبيعيٍ وفي حالةٍ مستقرةٍ، كما أنها لا تنتج الاضطرابات المغناطيسية التي يحتمل أن تحني المعادن، والتي تعذب التوكاماك. ولسوء الحظ، يصعب بناؤها إلى حدٍ بعيدٍ، ما قد يجعلها أكثر عرضةً لتجاوز التكاليف والتأجيلات مقارنةً بمشاريع الادماج الأخرى. قال توماس كلينغر رئيس الجهود الألمانية: “لم يتخيل أحد ماذا يعني” أن تبني واحدة.




قد يشكل فينديليشتاين 7-إكس نقطة تحول، فالآلة تنتظر موافقة الجهات التنظيمية للبدء في نوفمبر، وتتواجد في فرع معهد ماكس بلانك لفيزياء البلازما الذي يديره كلينغر. وتُعد أول مثالٍ على نوعٍ جديدٍ من الستللاريتور كبيرة الحجم والمصممة عن طريق الحواسيب الفائقة التي قامت بحساب وحل معظم مشاكل الاحتواء. فإن استطاع فينديليشتاين 7-إكس مماثلة أداء توكاماكٍ بنفس الحجم أو التغلب عليه، فقد يضطر باحثو الاندماج إلى إعادة تقييم المسار المستقبلي لمجالهم. قال المهندس ديفيد أندرسون من جامعة ويسكونسن في مدينة ماديسون: “أصحاب التوكاماك ينتظرون ماذا يحدث. هناك حماسٌ حول العالم عن فينديليشتاين 7-إكس.”

يعد فينديليشتاين 7-إكس أول ستللاريتور محسنٍ على نطاقٍ واسعٍ، واستغرق جمعه 1.1 مليون ساعة عملٍ باستخدام أحد أكثر النماذج الهندسية المعقدة التي تم ابتكارها، ويجب أن يتحمل نطاقاتٍ واسعةٍ من درجة الحرارة والقوى الهائلة.

إلا أن الستللاريتور تواجه نفس التحدي الذي تواجهه جميع أجهزة الاندماج: إذ أن عليها تسخين وحبس الغاز إلى درجة حرارةٍ أعلى من 100 مليون درجةٍ مئويةٍ، أي سبعة أضعاف درجة حرارة قلب الشمس. إن حرارةً كهذه ستجرد الذرات من إلكتروناتها، تاركةً بلازما من الإلكترونات والأيونات، كما أنها تجعل الأيونات تسير بسرعةِ كافيةِ للتغلب على التنافر المتبادل بينها وتندمج. ولكنها تجعل من المستحيل احتواء الغاز داخل وعاءٍ عاديٍ.

لهذا، يتم احتوائها داخل قفصٍ مغناطيسيٍ عوضاً عن ذلك. إذ يقوم سلكٌ حاملٌ للتيار بالالتفاف حول أنبوبٍ، ليصنع مجالاً مغناطيسياً مستقيماً باتجاه مركز الأنبوب والذي يقوم بدوره بسحب البلازما بعيداً عن الجدران. ولقد قام كثيرٌ من باحثي الاندماج سابقاً بثني الأنبوب إلى حلقةٍ تشبه الدونات أو الطارة لخلق مسارٍ لا نهاية له، وذلك للحفاظ على الجسيمات من الفرار في الطرفين.

لكن شكل الطارة ينتج مشكلةً أخرى: فبما أن التفافات السلك أقرب إلى بعضها في الحافة الداخلية لثقب الدونات، سيكون المجال المغناطيسي أقوى هناك وأضعف باتجاه الحافة الخارجية للدونات. سيتسبب عدم التوازن هذا إلى انجراف الجسيمات بعيداً عن مسارها لترتطم بالحائط. الحل هو إضافة لفةٍ لدفع الجسيمات عبر مناطق ذات مجالٍ مغناطيسيٍ عالٍ ومنخفضٍ، وسيقوم التأثيران بإلغاء بعضهما.

لقراءة الجزء الثاني تفضل هنا.

المصدر (sciencemag)

التوكاماك (tokamaks)
البلازما (plasma)
ستللاريتور (stellarator)
فينديليشتاين 7-إكس (Wendelstein 7-إكس) (W7-إكس)
وماس كلينغر (Thomas Klinger)
معهد ماكس بلانك لفيزياء البلازما (Max Planck Institute for Plasma Physics) (IPP)
ديفيد أندرسون (David Anderson)
جامعة ويسكونسن (University of Wisconsin (UW))
ماديسون (Madison)

السعودي العلمي

Website Comments