سوء المعاملة في الطفولة يترك أثراً على الدماغ

ترجمة: سارة العجمي.
مراجعة: سعاد السقاف.

تمكّن الباحثون للمرة الأولى من رؤية تغيّرات الهياكل العصبية في مناطق محددةٍ من أدمغة الأشخاص الذين تعرضوا لسوء المعاملة الشديد في طفولتهم، وتشمل الصعوبات المرتبطة بسوء المعاملة زيادة خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، مستوياتٍ عاليةٍ من الاندفاعية، العدوانية، القلق، تعاطي المخدرات بصورةٍ متكررة، وقد تصل أخيراً إلى الانتحار.

يتكوّن الغلاف العازل للألياف العصبية خلال العقدين الأولين من الحياة
قد تحتاج الإشارات الكهربائية التي تستخدمها الخلايا العصبية إلى الانتقال لمسافاتٍ طويلةٍ للتواصل مع الخلايا في مناطق أخرى، من أجل إنجاز الدور العصبي الأمثل وتنظيم الدماغ، ويحتوي هذا النوع من الخلايا على محاور طويلةٍ مغطاةٍ بطبقةٍ دهنيةٍ تُسمى الميالين، ويعمل الغمد المياليني على حماية المحاور وتساعد في نقل الإشارات الكهربائية بكفاءةٍ أكبر، ويتكوّن الميالين تدريجياً (في عمليةٍ تُعرف باسم تكوّن الميالين) وخاصةً في مرحلة الطفولة، ثم يستمر في النضج حتى سن الرشد المبكر.

أظهرت الدراسات السابقة وجود تشوهاتٍ ملحوظةٍ في المادة البيضاء في أدمغة الأشخاص الذين تعرضوا لسوء معاملة أثناء الطفولة، وتتكون المادة البيضاء من مليارات الألياف العصبية الميالينية المرتبطة ببعضها. ولقد كان من المستحيل الحصول على صورةٍ واضحةٍ لخلايا وجزيئات المادة البيضاء المتأثرة، حيثُ رصدت عبر فحص أدمغة أشخاصٍ أحياء باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي. ولكن دراسةً جديدةً أُجرت فحوصاتٍ مجهريةٍ للحصول على صورةٍ أكثر وضوحاً للتغيرات المجهرية التي تحدث في أدمغة البالغين المتوفين ممن تعرضوا لسوء المعاملة في الطفولة، وتم ذلك بفضل توافر عيناتٍ من بنك دوغلاس بيل الكندي للدماغ، حيث تمكن الباحثون من مقارنة عينات الدماغ بعد الوفاة في ثلاث مجموعاتٍ مختلفةٍ من البالغين، كما توفرت الكثير من المعلومات عن حياة مانحيها علاوةً على مادة الدماغ نفسها. 

تمثلت المجموعة الأولى في 27 شخصًا من الذين عانوا من الاكتئاب ولجأوا إلى الانتحار وكان لهم تاريخٌ من سوء المعاملة الشديد في الطفولة، وتكوّنت المجموعة الثانية من 25 شخصاً من مرضى الاكتئاب الذين انتحروا ولكن لم يكن لديهم تاريخٌ من التعرض لسوء المعاملة كأطفال، بينما كانت المجموعة الثالثة مجموعة التحكم وتكوّنت من أشخاصٍ أصحاءٍ نفسياً وليس لديهم تاريخٌ من سوء المعاملة في الطفولة وكان عددهم 26 شخصاً.

ضعف الاتصال العصبي قد يؤثر على تنظيم العواطف
اكتشف الباحثون أن سُمك طبقة الميالين انخفض في نسبةٍ كبيرةٍ من الألياف العصبية في أدمغة أولئك الذين عانوا من سوء المعاملة في الطفولة، ووجدوا أيضاً التغيّرات الجزيئية الضمنية التي تؤثر بشكلٍ انتقائي على الخلايا المسؤولة عن توليد الميالين والصيانة.  كما وجدوا أخيراً زياداتٍ في أقطار بعضٍ من المحاور الكبرى لدى نفس المجموعة فقط، ويتكهنون بأن هذه التغييرات مجتمعةً قد تُغيّر الارتباط الوظيفي بين القشرة الحزامية والبنى تحت القشرية مثل اللوزة الدماغية والنواة المنحنية، وهي مناطقٌ دماغيةٌ مرتبطةٌ بالتوازن العاطفي المكافأة، والرضا على التوالي، ما يؤدي إلى المساهمة في تغيير المعالجة العاطفية لدى أولئك الذين تعرضوا لسوء المعاملة خلال مرحلة الطفولة.

خلُص الباحثون إلى أن المحن في الحياة المبكرة قد تُعطل بشكلٍ دائمٍ مجموعةً من الوظائف العصبية في القشرة الحزامية الأمامية، وفي حين أنهم لا يعرفون حتى الآن كيفية ومكان ووقت حدوث التأثير في الدماغ تحديداً أثناء التطور، إلا أن هذه الآثار على المستوى الجزيئي كافيةً ليكون لها تأثيرٌ على تنظيم العواطف والتعلق، ويخطط الباحثون الآن لاستكشاف ذلك في مزيد من البحوث.

المصدر (ScienceDaily)

المصطلحات:
محاور Axons
الميالين Myelin
تكوّن الميالين Myelination
الألياف العصبية الميلينية Myelinated nerve fibres
التصوير بالرنين المغناطيسي MRI
بنك دوغلاس بيل الكندي للدماغ Douglas-Bell Canada Brain Bank
القشرة الحزامية Cingulate cortex
البنى تحت القشرية Subcortical structures
اللوزة الدماغية Amygdala
النواة المنحنية   Nucleus accumbens

السعودي العلمي

Comments are closed.