الشبكات الذكية بين المأمول والواقع

هذا المقال برعاية المؤتمر السعودي التاسع للشبكات الذكية.

كتابة: فريق التحرير بمؤسسة السعودي العلمي.

 يقيس الكثير من خبراء الاقتصاد والصناعة تطوّر الدول بمدى تقدم منظومتها البيئية للطاقة، فهي المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي واستقرار الدول وتحضّرها، ولكننا نشهد اليوم أيضاً تحولاً جذرياً لصناعة الطاقة العالمية بفضل تقنيات الشبكات الذكية، ما يعني أن هيكلة أسواق الطاقة ستتغير في القريب العاجل. فالخصائص التقنية للشبكات الذكية الحديثة تضع الدول أمام منعطفاتٍ معقدةٍ وذات أهميةٍ كبيرةٍ، مثل التوليد اللامركزي للطاقة، المستشعرات الذكية، الاتصال ثنائي الاتجاه، وأتمتة العمليات، ما يعني تحديث أساليب إدارة الدول لمصادر الطاقة المختلفة، سلاسل الإمداد، وعمليات إدارة الطاقة.

سيفرض هذا التحوّل على الدول تحديد أولويات مصالحها وطرق تحقيق التوازن والتنافسية، والبحث عن حلولٍ جديدةٍ تتماشى مع التحديات التي سترافق هذا التحوّل الفريد من نوعه، إذ ستتغير أساليب توليد الطاقة ونقلها وتوزيعها، وسيشترك العملاء في هذه العملية كمؤثرين أساسيين في موازنة العرض والطلب للمرة الأولى في التاريخ، وسيدخل المزيد من اللاعبين الجدد إلى عالم هذه الصناعة، وستصبح كل دولة قادرةٌ بذاتها على وضع الأساس لسوق طاقةٍ ذكي ومتكامل ولامركزي يضمن توفير إمداداتٍ للطاقة تلبي الطلب دائماً، وتحقق الاستدامة للمحركات الاقتصادية الوطنية.

تهدف الشبكة الذكية إلى توفير نهجٍ يركز على العميل، والسماح لخدماتٍ جديدةٍ بالدخول إلى السوق، وتبنّي ثقافة الابتكار كمحرّكٍ اقتصادي للشبكات الكهربائية، وضمان التكامل بين مكونات الشبكة وقابلية التشغيل المشترك، والحفاظ على أمن التوريد، وإمكانية الوصول إلى سوقٍ حرةٍ لصناعة الطاقة وتشجيع المنافسة، وأخذ تأثير القيود البيئية في الاعتبار.

ينمو سوق تقنيات الشبكات الذكية باستمرار، وتُشير التوقعات إلى أن حجم السوق العالمي للشبكات الذكية سيواصل النمو ليصل إلى ثلاثة أضعاف بين عامي 2017-2023م وليبلغ حجمه 61 مليار دولار أمريكي، وتمثل أوروبا وأمريكا الشمالية أبرز المناطق التي تتبنى تطبيق الشبكات الذكية، مع تقدم دول آسيا التي يُحتمل أن تصبح أكبر سوقٍ لتقنيات الشبكات الذكية. حيث تغطي العدادات الذكية الصين بشكلٍ كاملٍ تقريباً، وستحقق اليابان وإسبانيا وفرنسا التغطية الكاملة في غضون سنوات.

التجارب الدولية الأولى في تطبيق الشبكات الذكية
أولُ مثالٍ لتطبيق الشبكة الذكية على نطاقٍ واسعٍ هو مشروع تيلجيستور الإيطالي في مطلع الألفية الجديدة، حيث تبنّت شركة إنيل أس بي إيه تطبيق المشروع الذي تضمن تصميم وتصنيع وتثبيت العدادات الذكية الخاصة بالشركة، وتطوير البرمجيات الخاصة بها أيضاً ليكون بمثابة مشروعٍ متكاملٍ. ويعتبر مشروع تيليجيستور أول استخدامٍ تجاري لتقنيات الشبكات الذكية في المنازل، استطاع المشروع الذي كلف 2.1 مليار يورو توفير مدخراتٍ سنويةٍ قدرها 511 مليون يورو.

 في عام 2013م، بدأت مدينة أوستن بولاية تكساس في الولايات المتحدة بالعمل على بناء شبكتها الذكية، واستبدلت العدادات التقليدية بالعدادات الذكية المتصلة بالشبكة لاسلكياً، وتدير شركات المرافق حالياً آلاف الأجهزة المتصلة فورياً مثل المستشعرات الذكية إلى جانب العدادات الذكية. كما تُستخدم العدادات الذكية ضمن مشروع الشبكات الذكية في ولاية كولورادو كبوابةٍ لشبكة الأتمتة المنزلية التي تتحكم في المقابس الكهربائية والأجهزة الذكية.

“إينوفجريد” (أو الشبكة المبتكرة) هو مشروعٌ في مدينة إيفورا البرتغالية ويضعها في مقدمة الابتكار التقني وتقديم الخدمات في مجال صناعة الطاقة الكهربائية، يهدف المشروع إلى أتمتة إدارة الشبكة من خلال تزويدها بالمعلومات والأجهزة من أجل تحسين جودة الخدمة، خفض تكاليف التشغيل، وتعزيز كفاءة الطاقة والاستدامة البيئية، وتفعيل الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية. يسمح المشروع بالتحكم في شبكة توزيع الكهرباء وإدارتها كلياً وفي أي وقت، وذلك يتيح للموردين وشركات خدمات الطاقة استخدام منصة المشروع التقنية لتقديم معلومات المستهلكين ومنتجات الطاقة وخدماتها ذات القيمة المضافة.

تحليل العوامل الاقتصادية:
ارتفعت استثمارات الشبكة الذكية بنسبة 10٪ في عام 2018م، إلا أنها لا تزال تمثل حصةً صغيرةً من جميع الاستثمارات في البنية التحتية للشبكة الكهربائية ككلٍ، ولم تحظَ الشبكات الصغرى على التمويل الكافي بعد. إذ أن هناك حاجةٌ ملحةٌ للمزيد من الجهود لوضع الأطر التنظيمية التي تعزز الاستثمار في التقنيات الرقمية الجديدة، وتحديد الأدوار والحدود التشغيلية لكل جهةٍ من قِبل الحكومات والهيئات التنظيمية، فعدم تحديد ذلك سيجعل من حل المشاكل والقضايا التي قد تواجه تشغيل الشبكات الذكية أمراً معقداً للغاية.

يقترح الخبراء أيضاً أن يقوم أصحاب المصلحة بالعمل على تطوير منصاتٍ مشتركةٍ، واستكشاف مواضع التعارض المحتملة في العلاقة بين شركات التوزيع ومُلّاك الشبكات المحلية والتي قد تنتج من حوكمة الشبكات، كما يمكن للحكومات أن تتعاون مع الشركات المصنعة للمعدات ومالكي الشبكات لتشغيل نماذج أعمال الطاقة المُوزعة الجديدة في ظروفٍ واقعيةٍ، وذلك لتحديد الخيارات الأقل تكلفة لدمجها وتوسيع نطاقها، بالإضافة إلى استكشاف الأدوات المتقدمة لتحليل التكلفة والعائد للاستثمارات في إدارة موارد الطاقة الموزعة. كما يجب التركيز على تطوير الشبكة بحيث تصل إلى مستوى التحكم الأمثل بالطاقة، واستغلال إمكانات المحولات الذكية بالحد الأقصى، وتطوير المزيد من التدابير التي تُحسّن إدارة الطاقة الموزعة محلياً.

تحليل المخاطر الأمنية:
بالنظر إلى تأثير الشبكات الذكية على كامل المنظومة الاقتصادية والبنية التحتية للدول وامتداد تأثيرها على السياسة والمجتمع، فذلك يضع على عاتقِ الدول مسؤوليات جمّةٍ أمام التهديدات المادية والرقمية والجغرافية، أولها مجابهة التهديدات الأمنية السيبرانية للشبكة الذكية التي سيزداد اعتمادها على البيانات والأتمتة، والتي بدورها ستكون أكثر عرضةً للتهديدات والاختراقات الأمنية من قراصنة الإنترنت والأخطاء التقنية المقصودة وغير المقصودة. بالإضافة إلى وضع الاستعدادات الحازمة لمجابهة الكوارث الطبيعية والتي لا تسلم منها الشبكات الكهربائية في الحالات المتقدمة منها، فحتى العواصف الشمسية يُمكن أن تؤثر على عمل الشبكة بما يتطلب وضع احتياطاتٍ لها لضمان استدامة إمدادات الطاقة وموثوقيتها.

إن إدراك المخاطر والمرونة في التعامل معها أمراً ضرورياً وأساسياً ينبغي العمل عليه من أجل مستقبلٍ آمن وفعّال للشبكات الذكية.

_______________________________

هذا المقال هو الجزء الرابع من حملة التعريف بالشبكات الذكية ضمن سلسلة الثورة الصناعية الرابعة، ويأتيكم بشراكةٍ إعلاميةٍ مع المؤتمر السعودي التاسع للشبكات الذكية، والمقام في مدينة جدة ما بين 10 -12 ديسمبر. ولمعرفة المزيد عن المؤتمر والتسجيل لحضوره تفضلوا بزيارة الموقع الإلكتروني للمؤتمر.

المراجع:

1-          Statista

2-          PwC  

3-          MODERN GRID BENEFITS

4-          International Energy Agency

5-          InovGrid Project

السعودي العلمي

Comments are closed.