تكامل الشبكات الذكية وتقنيات تخزين الطاقة

هذا المقال برعاية المؤتمر السعودي التاسع للشبكات الذكية.

كتابة: فريق التحرير بمؤسسة السعودي العلمي.

يشهد عالم صناعة الطاقة الكهربائية تحدياتٍ لم يشهد القطاع مثلها على مدار عقودٍ مضت، ويُعزى ذلك إلى الطلب المتزايد على الطاقة الذي استوجب على السوق التوجّه نحو الطاقات المتجددة، والاهتمام العالمي بتخفيض انبعاثات الكربون من خلال تبني مصادر الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى التقنيات الرقمية الحديثة التي فرضت سطوتها على القطاع، وشكلت فرصةً لنشوء نماذج أعمالٍ وحلولٍ جديدةٍ مثل الشبكات الذكية.

تتميز الشبكات الذكية بتركيزها على نقطتين هما بمثابة أهم العوامل في صناعة الطاقة الكهربائية، وهي دمج الطاقة المتجددة ضمن منظومة الطاقة، وإيجاد الحلول لمعضلة تخزين الطاقة. فالطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح تمثلان مصادر نظيفةٍ للطاقة، ولكن يُعاب عليهما عدم استمراريتها بمستوى ثابتٍ، فلا يُمكن الحصول على الطاقة الشمسية أثناء الليل أو الأيام الغائمة مثلاً، ولن تستطيع توربينات الرياح توليد الطاقة في جميع الأوقات، وإنما يعتمد إنتاجها على اليوم والوقت والموسم وعوامل مناخيةٍ أخرى. ولذلك يُمكن القول بأن التطلع لتوظيف الطاقة المتجددة يستوجب البحث عن حلولٍ لتخزين الفائض من الطاقة، بل وحتى الطاقة التقليدية التي يتم توليدها من الفحم والغاز تعاني من مشكلة عدم موافقتها للطلب المتغير باستمرارٍ وقد تزيد عنه أحياناً، ولهذا فإن تخزين الطاقة هنا سيقلل هدر الموارد والطاقة بشكلٍ كبيرٍ، وسيضمن تدفقاً موثوقاً ومستقراً للطاقة.

لقد ركز الباحثون والخبراء في جميع أنحاء العالم على حل مشكلة تخزين الطاقة وزيادة السعة مع تقليل التكلفة، إذ يملك تخزين الكهرباء دوراً حاسماً في تمكين نقل الطاقة بين الدول، وتعزيز دور الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني، ودعم الجهود التي تهدف إلى الحد من غازات الاحتباس الحراري. وفي سبيل ذلك ظهرت العديد من التقنيات المختلفة لحل التحديات الرئيسية في تخزين الطاقة، فما هي هذه التقنيات؟ وكيف تتكامل مع الشبكات الذكية والطاقة المتجددة؟

أبرز وسائل تخزين الطاقة:

  • تخزين الطاقة الكهرومائية:
    هو أسلوبٌ شائعٌ لتخزين الطاقة منذ القدم، وتقوم على مبدأ ضخ المياه صعوداً إلى خزانٍ مرتفعٍ باستخدام فائض الطاقة الكهربائية (لا سيما الناتجة عن توربينات الرياح)، ويتم عند الحاجة إلى الطاقة تحرير المياه لتنزل عبر المنحدر ولتحرّك توربينات الموّلدات الكهربائية، أي أن العملية تعتمد على تحويل الطاقة الكامنة في المياه المخزنة على مرتفع إلى طاقةٍ حركيةٍ، والتي بدورها تُشغّل مولدات الكهرباء لتنتج الطاقة الكهربائية.

    يتميز أسلوب ضخ وتخزين الطاقة الكهرومائية بكفاءة تخزينٍ تصل إلى 70-85٪، وهي التقنية الأكثر نضجاً والأكثر انتشاراً في العالم لتخزين الكهرباء، حيث توّفر حالياً حوالي 127 ألف ميجا وات في مختلف أرجاء العالم وفي دولٍ مثل الولايات المتحدة، اليابان، والصين. إلا أن إمكانية تطبيقها محدودٌ بالجغرافيا، حيث يتطلب هذا النموذج بناء مخازن الطاقة على مرتفعاتٍ جبليةٍ غالباً، والتي تكون مكلفةً وذات أثرٍ بيئي سلبي، كما أن تركيب خطوط نقلٍ عالية الجهد لتوصيل مواقع التخزين بالشبكات غالباً ما يؤدي إلى مشاكل بيئيةٍ أيضاً.
  • البطاريات الكيميائية:
    تتوفر في السوق عدة أنواعٍ من البطاريات الكيميائية، مثل بطاريات الرصاص المستخدمة في السيارات، أو بطارية كبريت الصوديوم المستخدمة بالفعل لتخزين الكهرباء على نطاقٍ ضيقٍ، ولكن التجارب وجدت أن بطاريات الليثيوم-أيون تُعدّ الحل الأفضل حالياً لتخزين الطاقة، وهي نوعٌ من البطاريات القابلة لإعادة الشحن وتستخدم غالباً في السلع الاستهلاكية، حيث اكتسبت مكانتها خلال السنوات الماضية كأفضل خيارٍ من تطبيقات تخزين الطاقة والاحتياطي المستدام، وازدادت أهميتها على مدى السنوات الماضية لتصبح التقنية الأكثر استخداماً في مشاريع تخزين الطاقة الثابتة، كما هو معمولٌ في أسترالياً وغيرها. إلا أن سعتها ما زالت محدودةً نسبياً مقارنةً بحجم الطاقة المراد تخزينها عالمياً، كما أن تصنيعها والتعامل غير المسؤول معها في نهاية عمرها الافتراضي قد يسبب مضار بيئية كذلك.

    يتم تركيب بطاريات ليثيوم أيون حالياً في تطبيقات تخزين الطاقة في الأنظمة التي تتعامل مع نسبة منخفضة من الكيلو واط/ساعة، مثل المساكن والمباني التي ثبتت ألواح الطاقة الشمسية على سطحها، بالإضافة إلى تخزين الطاقة الاحتياطية متعددة الميغا واط في الشبكات المحلية. وتبلغ الطاقة التصنيعية العالمية لبطاريات الليثيوم أيون اليوم حوالي 131 جيجا واط/ساعة سنوياً، ويتوقع أن تصل إلى 400 جيجا واط/ساعة بحلول عام 2021م لتلبية الطلب المتزايد، كما يتوقع انخفاض تكلفتها لما يزيد عن 50-60% بحلول عام 2030م.

البديل هو التكامل مع الشبكة الذكية:
إن الهدف الأساس لتقنيات تخزين الطاقة الكهربائية هو تحقيق التوزان الكمي بين العرض والطلب، ولكن يُمكن أن يُنظر إلى تقليل استهلاك الطاقة في وقت الذروة كأفضل الأساليب وأكثرها فعالية لتحقيق ذلك الهدف، وهو ما لم يكن ممكناً لولا خاصية الاتصال ثنائي الاتجاه للشبكات الذكية، فبدلاً من مجرد ضبط إمدادات الكهرباء استجابةً لتقلبات الطلب المتذبذب، ستعمل الشبكة الذكية على ضبط الطلب أيضاً. ففي حال وصل الطلب إلى ذروته يمكن أن تقرر الشبكة الذكية اتخاذ بعض الإجراءات لتخفيفه، مثل قطع التيار عن الأجهزة الثانوية كالثلاجات المنزلية وأنظمة تكييف الهواء في المكاتب وغيرها من الاستخدامات غير الملحة، ويحدث هذا الانقطاع للحظاتٍ غير ملحوظةٍ غالباً ولكنها تكون كافيةً لتخفيف الحمل الكلي.

ستعمل تقنيات التخزين والشبكات الذكية معاً لتجاوز مشاكل حمل الشبكة المُفرط، وهذا يعني أنها في المتوسط ستنتج الكهرباء التي تحتاجها، وتحافظ على إمداداتٍ موثوقةٍ من خلال تبادل كمياتٍ متواضعةٍ من الطاقة عبر تقنيات تخزين الطاقة. ومع نضج التقنيات يُمكن القول بأن السعة العالمية المحتملة لتخزين الطاقة قد تصل إلى 1000 جيجاوات في العشرين عاماً القادمة.

________________________________________

هذا المقال هو الجزء الخامس من حملة التعريف بالشبكات الذكية ضمن سلسلة الثورة الصناعية الرابعة، ويأتيكم بشراكةٍ إعلاميةٍ مع المؤتمر السعودي التاسع للشبكات الذكية، والمقام في مدينة جدة ما بين 10 -12 ديسمبر. ولمعرفة المزيد عن المؤتمر والتسجيل لحضوره تفضلوا بزيارة الموقع الإلكتروني للمؤتمر.

المراجع:

1-          Nature

2-          Acwa Power

3-          General Electric

4-          Mckinsey

السعودي العلمي

Comments are closed.