هل ستصعق نفسك أم الآخرين مقابل المال؟

ترجمة: نايف المالكي
مراجعة: فارس بوخمسين

لو خُيرت بين ايذاء نفسك او ايذاء شخص ما مقابل مبلغ من المال، ما مدى عدم أنانيتك في هذه الحالة؟ في إحدى التجارب السيئة السمعة، كان الناس على استعداد ان يعطوا صدمةً كهربائيةً مؤلمة إلى ضحايا مجهولين عندما سألهم العلماء. ولكن دراسةً جديدةً أوقعت الناس في مأزق الاختيار بين الألم والربح، كشفت ان المشاركين اهتموا أكثر براحة الناس أكثر من أنفسهم. وقد تم الإشادة بهذا الدليل كأول دليل فعلي على أن الإيثار في المجال الجديد في الاقتصاد السلوكي.

إن سلوك الإنسان نحو الآخرين صعب التوقع. فمن ناحية نتميز في عالم الحيوان بإيثارنا، فغالباً ما نعطي تضحيات جلية من اجل مساعدة غريبٍ محتاج. كما يختبر الجميع (عدا المضطربين عقلياً ونفسياً) الشعور بالأم النفسي أثناء مشاهدة الاخرين يعانون من الألم (ناهيك عن تسببيه). ولكن مع ذلك، فإن دراسةً تلو الأخرى في حقل الاقتصاد السلوكي أوضحت أننا نميل إلى تثمين حاجاتنا ورغباتنا أكثر من حاجات الاخرين. فعلى سبيل المثال، وجد الباحثون أن مجرد التفكير حول المال يجعل الناس يتصرفون بأنانية أكبر.

ولمحاولة التوفيق بين الملائكة والشياطين في طبيعتنا، قام فريق بحث قادته الباحثة مولي كروكيت، عالمة نفس في جامعة اكسفورد بالمملكة المتحدة، بدمج السيكولوجيا الكلاسيكية والأدوات الاقتصادية للتحقق من الايثار: “المال والالم”. لدى كل شخص عتبة الألم الخاصة به، وبالتالي كانت أول مهمة هي قياس مستوى الألم. فقام الباحثون بتقديم صدمات كهربائية عبر أقطاب كهربائية لمئة وستون موضعاً للتجربة، كانت البداية مع مستويات منخفضة غير محسوسة، ثم بدأوا في الارتفاع في الحدة حتى وصف المشاركون الألم بكونه لا يطاق. (يشبه هذا الألم هنا عند معظم الناس وضع اليد في تيار ماء درجة حرارته 50 درجة مئوية.)

وبعدها، قام فريق البحث بختيار أزواج من المشاركين عشوائياً، وأجلسوهما أمام إحدى الحاسبات. كان كل شخص على علم بوجود الطرف الآخر، ولكن لم بمقدرتهم رؤية بعضهم البعض. وعندها يتم اختيار إحدى المشاركين عشوائيا ليكون “صاحب القرار” في سلسلةٍ من التجارب. وكان القرار يتضمن عدد الصدمات الكهربية التي ستعطى إما لصاحب القرار أو لمستقبلٍ مجهول. وكان جميع المشاركين يعرفون أن عدد الصدمات سيكون في مستوى محدد كـ”مؤلم بشكل معتدل وليس الى حد عدم الإحتمال”.

هذه الصدمات مرتبطة بتسعيرات نقدية. وكان مجموع النقود التي بالإمكان الحصول عليها في التجارب المختلفة يبدأ عند 0.15 $ إلى 15$، ودائماً كان هناك صفقتين للاختيار بينهما. فيمكن لصاحب القرار أن يختار على سبيل المثال بين اعطاء سبع صدمات كهربائية لكسب 10 $، أو اعطاء عشر صدمات كهربائية لكسب 7$. أو تكون أحيانا أسعار الصدمات الكهربائية أرخص لو كانت بالجملة، فمثلا قد يتم توزيع سبع صدمات مقابل 10$، في مقابل عشر صدمات بـ15$. ولم يكن من المهم من حصل على تلك الصدمات في هذه التجربة، صاحب القرار هو فقط من سيحصد المال.

وقامت خوارزمية حاسوبية بتعديل نسبة السعر على امتداد التجربة لحساب التكاليف المرتبطة بما يفضله الناس. وقامت هذه القيم النقدية بالعمل كبديل لقياس مدى رغبة الناس بإيذاء أنفسهم في مقابل ايذاء الاخرين. فلو كانت النظرة التشاؤمية تجاه طبيعة البشر صحيحة، فسيكون المشاركين في هذه التجربة اكثر بعداً عن صعق انفسهم -وسوف يرضون بالمال القليل- مقارنةً بصعق المشاركين الاخرين.

ولكن العكس حدث. حيث أن المشاركين بالدراسة لم يحبوا ألم تلقي الصعقة الكهربائية، لأنهم كانوا على استعداد لكسب مالاً أقل بحوالي 0.30 $ لكل صعقة حسب المعدل على أن يتلقوا عدداً أقل من الصقعات. ولكنهم في المقابل كانوا مستعدين لخسارة ضعف تلك القيمة، 0.60$ لكل صعقة، ليقللوا من ايذاء المشارك المجهول، قام فريق البحث بتسجيل النتائج في الاكاديمية الوطنية للعلوم.

وقد تكلم كركيت عن الخطوة التالية قائلاً إنهم سيقومون بإجراء تلك التجربة بينما نقوم بعمل مسح لأدمغة المشاركين، للتحقق من كيف لهذه الحسابات الاخلاقية من أن تنحرف في اضطراب مثل المرض العقلي.

وأردف جوهانز هاشوفر عامل نفس في جامعة برينستون قائلا: “إن هذه دراسة مفصلية. النتيجة واضحة ومفاجأة، فالبداهة تشير إلى أنه ينبغي للناس أن يميلوا للتنازل عن بعض من المال لتجنب أسى ايذاء شخص ما. ولكن بالرغم من عقود من البحوث، لم يتم ايضاح الأثر من قبل.” ربما يكون من المحتمل أن نستغل الإيثار ببساطة بتنبيه الناس في أماكن القوة، من الطباخين حتى السياسيين، عن العواقب المؤلمة لقراراتهم في تخفيض الميزانية.

المصدر (Science Mag)

السعودي العلمي

Comments are closed.