علماء الفيرياء النووية الأمريكيون يكافحون من أجل تجربة النيوترينو الجديدة

ترجمة: عبدالحميد حسين شكري.

ينبغي على الولايات المتحدة الأخذ بزمام المبادرة وأن تباشر في تجربةٍ ضخمةٍ قريباً للبحث عن نوعٍ افتراضيٍ للاضمحلال النووي، والممكن فقط في حال كان النيوترينو وهو جسيمٌ مراوغٌ عديم الكتلة تقريباً هو الجسيم المضاد لنفسه بشكلٍ غريبٍ. هذه إحدى التوصيات الأربع لخطة جديدةٍ وطويلةٍ الأمد طورها فيزيائيو أمريكا النوويين. وقد تم عرض الخطة للجنة الاستشارية الفيدرالية في العاصمة واشنطن، والتي سوف تنصح بخطط العقد القادم لبرنامج الفيزياء النووية التابع لوزارة الطاقة، وبرنامج الفيزياء التابع للمؤسسة الوطنية للعلوم. وإن تمكن الباحثون من رصد الاضمحلال الجديد، فسيتطلب الاكتشاف إعادة كتابة المقررات الدراسية للفيزياء النووية وفيزياء الجسيمات، ويأمل الباحثون البدء بالعمل على التجربة في غضون ثلاث سنوات.

تلقى التقرير الثناء من قبل مسؤولي وزارة الطاقة مباشرةً، ولقد تمت الموافقة عليه بالإجماع من قبل اللجنة الاستشارية للعلوم النووية. وقالت بارتيشيا ديمر القائمة بأعمال مدير مكتب العلوم التابع لوزارة الطاقة: “إنها خطةٌ طموحةٌ”، وتبلغ تكلفة المكتب 5.1 مليار دولار، حيث سينفق 596 مليون دولار هذا العام على برنامج الفيزياء الخاص به. وأضافت: “إنها تبني على الماضي وتنظر إلى مستقبلٍ واعدٍ للغاية.”

كما هو المتوقع، أوصت الخطة أيضاً أن يقوم فيزيائيو النووية الأمريكيون ببناء مصادمٍ جديدٍ وأخيراً، والذي سيصادم شعاعاً من الإلكترونات بشعاع من البروتونات أو نوياتٍ ذريةٍ أثقل. لكن التقرير لم يضع جدولاً زمنياً ثابتاً بشأن موعد بناء مصادم الإلكترون والأيون، واقترح بأن بناؤه قد لا يكتمل حتى نهاية العشرينيات على أقرب تقدير. ورغم ذلك، يقول مسؤولو وزارة الطاقة والفيزيائيون أن التوصية الثالثة في التقرير لا تزال جديرةً بالذكر، لأنها تظهر أن المجتمع الأمريكي قد تعاون معاً وراء مفهوم بناء مصادم كهذا. وقالت ديمر: “أعتقد أنها تحدد الهدف.”

مع ذلك، تنص توصية التقرير الأولى على أن يقوم الباحثون بالاستغلال التام للمنشآت الثلاث الرئيسية والتي يمتلكها فيزيائيو النووية الأمريكيون بالفعل أولاً. حيث يقوم الفيزيائيون في منشأة مسرع توماس جيفيرسون الوطني في مدينة نيوبورت نيوز بولاية فيرجينيا بالانتهاء من ترقيةٍ تبلغ كلفتها 338 مليون دولار لـ”منشأة مسرع شعاع الإلكترون المتواصل” الخاص بهم، والتي يستخدمونها بشكلٍ أساسيٍ لاستقصاء التركيب الداخلي للبروتونات والنيوترونات. في حين يقوم الفيزيائيون في جامعة ولاية ميتشغن في مدينة إيست لانسنيق ببناء منشأةٍ تقدر بـ730 مليون دولار لـ”أشعة النظائر النادرة”، وهو مسرعٌ خطيٌ والذي سيولد عند اكتماله في عام 2022مـ نوياتٍ غير اعتياديةٍ وسيقوم بدراسة تركيبها. وأخيراً، منذ عام 2000مـ، قام الفيزيائيون في “مختبر بروكهافن الوطني” في مدينة أبتون بولاية نيويورك باستخدام “مصادم الأيونات الثقيلة النسبية” الخاص بهم لمصادمة نوياتٍ مثل الذهب مع بعضها ولصهر البروتونات والنيوترونات حرفياً إلى بلازما لا بلورية لمكوناته، وهي جسيماتٌ تدعى بالكواركات والغلونات مثل تلك التي ملأت الكون حديث الولادة.

تدعو الخطة الجديدة والبعيدة المدى إلى تشغيل المنشآت الثلاث كلها في المستقبل القريب، حتى منشأة مصادم الأيونات الثقيلة النسبية، والتي يمكن القول إنها أقرب إلى نهاية حياتها. يقول الفيزيائي في مختبر أرجون الوطني بولاية إلينوي ورئيس اللجنة الاستشارية للعلوم النووية دونالد قيسامان: “إن ما نقوله فعلاً هو أننا نريد تشغيل منشأة مصادم الأيونات الثقيلة النسبية لخمس أو سبع سنوات أخرى”

بدا أنه من غير المرجح أن فيزيائيو الولايات المتحدة سيكونون قادرين على تشغيل كل المنشآت الثلاث الحالية قبل سنتين فقط. ففي عام 2012مـ، قامت وزارة الطاقة بتكليف اللجنة الاستشارية للعلوم النووية لتحديد “منشأة مسرع شعاع الإلكترون المتواصل” أو “منشأة مصادم الأيونات الثقيلة النسبية” للتضحية بها إن توجب عليها ذلك، وذلك لاحتمالية مواجهة ميزانيةٍ ضيقةٍ للغاية. وفي يناير الذي تلاه، قرر الفيزيائيون على مضض أنهم سيختارون إغلاق منشأة مصادم الأيونات الثقيلة النسبية إن أجبروا على الاختيار. ولكن منذ ذلك الحين، انتعشت ميزانية الفيزياء النووية التابعة لوزارة الطاقة بما فيه الكفاية لدرجة أن تشغيل المنشآت الثلاث معاً أصبح الآن ممكناً، حتى وإن زادت الميزانية فقط مع معدل التضخم خلال السنوات العديدة القادمة كما يذكر التقرير. ويقول المدير المساعد في قسم الطاقة للفيزياء النووية تيموثي هالمان أن هذه الزيادات في الميزانية تعكس مدى فعالية المجتمع في عرض قضيته لتتجنب تلك الاقتطاعات.

أما وصية التقرير الرابعة فتنص على الاستثمار في مشاريع صغيرة ومتوسطة أكثر، والتي تم الاعتراف بها أكثر في السنوات الأخيرة. يقول قيسامان: “لقد كان هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله لبناء منشأة أشعة النظائر النادرة”، ولكن حان الوقت الآن لتصحيح المسار.

من الواضح أن العنصر الأحدث في الخطة بعيدة المدى هو الدعوة إلى الإسراع في البحث عن الاضمحلال النووي النادر، والذي يعرف بـ”اضمحلال بيتا الثنائي عديم النيوترينو”. يقول هالمان: “من المؤكد أنه يضع المشروع في فئةٍ مختلفةٍ من الاحتمالية مما كان عليه حتى هذه المرحلة.”

في اضمحلال بيتا الاعتيادي، يستطيع النيوترون في نواةٍ ما مثل التريتيوم أن يتحول إلى بروتونٍ عن طريق قذف إلكترونٍ ونيوترينو مضاد. بعض النويات مثل سيلينيوم-82 تستطيع قذف إلكترونين وجسيمي النيوترينو المضادين فيما يعرف باضمحلال بيتا المضاعف. أما في اضمحلال بيتا الثنائي عديم النيوترينو، فيتم قذف إلكترونين فقط من النواة. ولكي يحدث ذلك، فيجب أن يكون النيوترينو هو نفسه الجسيم المضاد، حيث أن النيوترينو المضاد المنبعث مع إلكترونٍ واحدٍ سيتم امتصاصه فوراً ثانيةً كنيوترينو ليطلق انبعاث إلكترونٍ ثانٍ.

إن كان النيوترينو هو الجسيم المضاد لنفسه، فسيكون اللبنة الأساسية الوحيدة للمادة التي تمتلك هذه الخاصية، بالرغم أن الجسيمات حاملة القوة مثل الغلون التابع للفوتون هم أنفسهم الجسيمات المضادة. وسيعني هذا أيضاً أن النيوترينو سيحصل على كتلته بطريقةٍ مختلفةٍ عن جسيمات المادة الأخرى، والتي خسرت كتلتها فيما يعرف بميكانيكية هيغز.

يحتاج الفيزيائيون أن يعملوا عميقا داخل الأرض لاكتشاف اضمحلالٍ كهذا إن كان موجوداً، حيث يكون إشعاع الخلفية منخفضاً، ولرصد كميةٍ هائلةٍ من النويات مثل زينون-136، جيرمانيوم-76 أو تيلوريوم-130. يقوم الفيزيائيون حول العالم فعلاً بالعمل على تجارب باستخدام عدة كيلوجراماتٍ من مواد كتلك. ولكن لاكتشاف الاضمحلال فمن المرجح أن يقتضي تجربةً تقاس بالأطنان، وقد دعا التقرير الولايات المتحدة للبدأ في بناء واحدة كهذه بحلول عام 2018مـ. قال روبرت ماكيون الفيزيائي في مختبر جيفيرسون: “إن اضمحلال بيتا الثنائي عديم النيوترينو يمثل حلبةً تنافسيةً للغاية عالمياً.” وأضاف: “إن أرادت الولايات المتحدة أن تبدأ فنحن لا نستطيع الانتظار”. من المرجح أن تكلف تجربةً تقاس بالأطنان مئات الملايين من الدولارات.

قد لا يكون تحقيق الخطة أمراً هيناً. فهي تفرض أن ميزانية الفيزياء النووية ستزيد بمقدار 1.6% فوق معدل التضخم كل سنةٍ من السنوات العشر القادمة، أو بمعدلٍ مطلقٍ بين 3.5% و4%. هذا طلبٌ صعبٌ، كما قالت ديمر محذرةً في اجتماع الهيئة الاستشارية. إلا أنها أشارت أن مجتمع الفيزياء النووية قد فعل حسناً منذ أن عرض خطته الأخيرة والبعيدة المدى في عام 2007مـ. وقد عزت ديمر أن الفضل في نجاح الميزانية جزئياً إلى رغبة المجتمع في تبني خططٍ كهذه، وهو شيءٌ يناضل الفيزيائيون أحياناً في المجالات الأخرى للقيام به.

المصدر (sciencemag)

الهيئة الاستشارية الفيدرالية federal advisory panel
قسم الطاقة Department of Energy
المؤسسة الوطنية للعلوم National Science Foundation’s
اللجنة الاستشارية للعلوم النووية Nuclear Science Advisory Committee
بارتيشيا ديمر (Patricia Dehmer)
مكتب العلوم (Office of Science)
منشأة مسرع توماس جيفيرسون الوطني (Thomas Jefferson National Accelerator Facility)
منشأة مسرع شعاع الإلكترون المتواصل Continuous Beam Electron Accelerator Facility
جامعة ولاية ميتشغن (Michigan State University)
منشأة أشعة النظائر النادرة (Facility for Rare Isotope Beams)
مختبر بروكهافن الوطني (Brookhaven National Laboratory)
مصادم الأيونات الثقيلة النسبية (Relativistic Heavy Ion Collider)
دونالد قيسامان (Donald Geesaman)
مختبر أرجون الوطني (Argonne National Laboratory)
لجنة نيفادا الرياضية (Nevada Athletic Commission)
تيموثي هالمان (Timothy Hallman)
ميكانيكية هيغز (Higgs mechanism)
روبرت ماكيون (Robert McKeown)
فوتون (photon)
غلون (gluon)
نيوترينو (neutrino)
اضمحلال بيتا الثنائي عديم النيوترينو (neutrinoless double beta decay)
اضمحلال بيتا المضاعف (double beta decay)

 

السعودي العلمي

Comments are closed.