كيف يجعلنا التنوع أكثر ذكاءً؟ – الجزء الثاني

كتابة: كاثرين فيليبس.
ترجمة: ربى غوشة.
مراجعة: الدكتور حسن عبدالباقي.





كيف يحفز التنوع التفكير؟

للدراسات المستندة على مجموعةٍ كبيرةٍ من البيانات حدٌ واضحٌ: وهو أنها تُظهر أن التنوع مرتبطٌ بالأداء الأفضل، وليس أن التنوع يؤدي إلى أداءٍ أفضل. إلا أن الأبحاث عن التنوع العرقيّ في المجموعات الصغيرة يمكنها الوصول إلى بعض الاستنتاجات السببية. ومرةً أخرى كانت النتائج واضحةً: حيث يساعد التنوع المجموعات التي تقدّر الابتكار والأفكار الجديدة.

في عام 2006مـ، أقدمت أنا (الكاتب) وكلاً من مارغريت نييل من جامعة ستانفورد وغريغوري نورثيرافت من جامعة إلينوي في أربانا تشامبين لاختبار أثر التنوع العرقيّ على اتخاذ القرار لدى المجموعات الصغيرة، وذلك في تجربةٍ كان تبادل المعلومات مطلباً أساسياً للنجاح فيها. لقد كان المشاركين الذين أجرينا عليهم التجربة طلاباً جامعيّين يأخذون مواداً عن التجارة في جامعة إيلينوي. حيث قمنا بتقسيمهم إلى مجموعاتٍ من ثلاثة أشخاصٍ، بعضها مكونةٌ من أعضاءٍ بيضٍ فقط، وأخرى مكونةٌ من أبيضين وشخصٍ واحدٍ غير أبيضٍ، وطلبنا منهم حل لغز جريمة قتلٍ. كما تأكدنا من أننا قدمنا معلوماتٍ مشتركةً لكل أفراد المجموعات، ولكننا قمنا بإعطاء دلائل مهمةٍ لكل عضوٍ في المجموعة لا يعلمها أحدٌ غيره. ولمعرفة هوية الجاني، يجب على أفراد المجموعة تبادل كل المعلومات التي يملكها كل فردٍ خلال النقاش. حيث تفوقت المجموعات ذات التنوع العرقيّ على المجموعات التي ليس فيها تنوعٌ عرقيٌّ بشكلٍ واضحٍ. إن وجودنا مع آخرين متشابهين معنا يجعلنا نعتقد أننا نملك نفس المعلومات ونفس وجهات النظر. ولقد منعت وجهة النظر هذه المجموعات المقتصرة على أصحاب البشرة البيضاء من معالجة المعلومات بشكلٍ فعالٍ، وهو ما أعاق الإبداع والابتكار.

توصل باحثون آخرون لنتائج مشابهةٍ. ففي عام 2004مـ، قام الأستاذٌ المحاضرٌ في كلية ستانفورد للدراسات العليا في التعليم أنطوني ليسينج أنطونيو بالتعاون مع  خمسة زملاءٍ من جامعة كاليفورنيا، لوس  أنجلوس، ومؤسساتٍ أخرى باختبار تأثير تشكيلة الأراء والأعراق ضمن نقاشات المجموعة الصغيرة. حيث شارك في هذه الدراسة أكثر من 350 طالباً من ثلاث جامعاتٍ. إذ طُلب من أعضاء المجموعة مناقشة قضيةٍ اجتماعيةٍ سائدةٍ (إما ممارسات عمالة الأطفال أو عقوبة الإعدام) لمدة 15 دقيقةٍ. بعدها قام الباحثون بكتابة آراءٍ مخالفةٍ وطلبوا من الأعضاء البيض والسود أن يرسلوا تلك الآراء إلى مجموعاتهم. حيث قوبلت تلك الآراء المخالفة عندما طرحها شخصٌ أسود على مجموعةٍ من البيض على أنها أفكارٌ جديدةٌ تفتح أفاقاً أوسع للتفكير والنظر إلى البدائل، بعكس ما حدث عندما طرح شخصٌ أبيض نفس الآراء. والعبرة هي: أنه عندما نسمع رأياً مخالفاً من شخصٍ يختلف عنا، يحفزنا ذلك على التفكير أكثر مما لو كان الشخص مشابهاً لنا.

لا يقتصر هذا التأثير على اختلاف العرق فقط. فعلى سبيل المثال، قام كلٌّ من أساتذة الإدارة دينيس ليوين لويد من جامعة إلينوي، سينثيا وانج من جامعة ولاية أوكلاهوما، روبرت لونت الابن من جامعة ولاية أوهايو، وأنا (الكاتب) العام الفائت بسؤال 186 شخصاً فيما إذا كانوا يعتبرون أنفسهم ديموقراطيون أم جمهوريون، ثم طُلب منهم قراءة لغز جريمة قتلٍ وتحديد من ارتكبها حسب اعتقادهم. بعدها طلبنا منهم التحضير لاجتماعٍ مع عضوٍ من مجموعةٍ أخرى وذلك بكتابة مقالةٍ تبين وجهة نظرهم حول الجريمة. والأهم من ذلك، في جميع الحالات، أننا أخبرنا المشتركين أن شريكهم يخالفهم الرأي وأن عليهم التوصل إلى اتفاقٍ معه. كما طُلب من الجميع التحضير لإقناع شريك لقائهم كي ينحازوا إلى جانبهم، بالوقت ذاته، طُلب من نصف المشتركين تحضير مقالتهم لإقناع عضوٍ من الحزب السياسيّ المعارض، بينما طلب من النصف الآخر تحضير مقالتهم لإقناع عضوٍ من نفس الحزب.

النتيجة: كان الديموقراطيون الذين اخبروا أن زميلاً ديموقراطياً سيخالفهم الرأي أقل تحضيراً للمناقشة مقارنةً بالديموقراطيين الذين تم إخبارهم أن جمهورياً سيختلف معهم في الرأي. كما أظهر الجمهوريون النمط ذاته. فعندما يكون مصدر الاختلاف من شخصٍ مختلفٍ اجتماعياً، نكون على جاهزيةٍ أكثر للعمل بجدٍ أكبر. أي أن التنوع يدفعنا للعمل الادراكيّ بسبلٍ لا يفعلها التجانس.

لهذا السبب يبدو أن التنوع يؤدي إلى بحثٍ علميٍّ بجودةٍ أعلى. حيث قام أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد ومدير مشروع القوى العاملة للعلوم والهندسة في المكتب القوميّ للأبحاث الاقتصادية ريتشارد فريمان هذا العام بالتعاون مع ويي هوانغ المرشح لنيل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفرد، باستعراض الهوية العرقية للمؤلفين لنحو 1.5 مليون ورقةٍ علميةٍ بين عامي 1985 و2008مـ مستخدمين  شبكة طومسون رويترز للعلوم، وهي قاعدة بياناتٍ شاملةً للأبحاث المنشورة. وتوصلوا إلى أن الأوراق التي كتبتها مجموعاتٌ متنوعةٌ عرقياً حصلت على اقتباساتٍ أكثر  وتركت أثراً أكبر من تلك الأوراق المكتوبة من قبل أشخاصٍ من نفس العرق. كما وجدوا أن الأبحاث الأقوى اقترنت بعددٍ أكبر من عناوين المؤلف، فالتنوع الجغرافيّ، وعددٌ أكبر من المراجع، هو انعكاسٌ لمزيدٍ من التنوع الفكريّ.




المصدر: (scientificamerican)

مارغريت نييل (Margaret Neale)
جامعة ستانفورد (Stanford University)
غريغوري نورثيرافت (Gregory Northeraft)
جامعة إلينوي في أربانا تشامبين (University of Illinois at Urbana–Champaign)
أنطوني ليسينج أنطونيو (Anthony Lising Antonio)
كلية ستانفورد للدراسات العليا في التعليم (Stanford Graduate School of Education)
جامعة كاليفورنيا، لوس  أنجلوس (University of California, Los Angeles)
دينيس ليوين لويد (Denise Lewin Loyd)
جامعة إلينوي (University of Illinois)
سينثيا وانج (Cynthia Wang)
جامعة ولاية أوكلاهوما (Oklahoma State University)
روبرت لونت الابن (Robert B. Lount, Jr.)
جامعة ولاية أوهايو (Ohio State University)
جامعة هارفرد (Harvard University)
مشروع القوى العاملة للعلوم والهندسة في المكتب القوميّ للأبحاث الاقتصادية (Science and Engineering Workforce Project at the National Bureau of Economic Research)
ريتشارد فريمان (Richard Freeman)
ويي هوانغ (Wei Huang)
طومسون رويترز للعلوم (Thomson Reuters’s Web of Science)

Comments are closed.