لماذا نحلم؟ نظريات الأحلام وعلاقتها بالتطور البشري – الجزء الأول

كتابة: رمزي الحكمي.





لعلك تساءلت ذات ليلةٍ بعد الاستيقاظ من حلمٍ لذيذٍ ومليء بالخيالات الدافئة والمشاهد الملونة السارَّة، قائلاً بنوع من الأسف: لماذا كنت أحلم؟ لماذا لم يكن هذا حقيقةً؟ ثم في طريقك إلى العمل قررت أن توقف سيارتك جانبا وتفكر: لماذا نحلم؟ هل الأحلام ضروريةٌ لحياتنا؟ ولقد جمعت الكثير من محاولات العلماء للإجابة على سؤالك في هذه المقال، وبرغم طولها أتوقع أنك لن تمل القراءة إذا أردت حقاً أن تعرف سبب أحلامنا ومدى قيمتها بالنسبة لحياتنا العقلية والجسدية.

الحلم هو الصور أو الأفكار أو المشاعر التي نعيشها في المنام. وبرغم وجود الكثير من النظريات التي تجيب على سؤال: لماذا نحلم؟ أو تفسر وظيفة الأحلام، لم يُجمع العلماء إلى الآن على نظريةٍ واحدةٍ. فبعض الباحثين يرون أن الأحلام لا أهمية لها، ويرى بعضهم أنها مهمةٌ للصحة العقلية والجسدية [1].

يقترح مدير قسم أمراض النوم بمستشفى نيوتون ويلسلي في مدينة بوسطن إرنست هوفمان أن “الوظيفة المحتملة للأحلام هي إدراج البيانات الجديدة إلى الذاكرة بطريقةٍ تقلل من اليقظة الشعورية، وهي أيضاً تكيُّفٌ يساعدنا على التأقلم مع الصدمات والأزمات، مع أن هذه الوظيفة ليست مُثبَتة” [1].

فدعنا الآن نقرأ محاولات العلماء…

 1- نظرية التحليل النفسي للأحلام [2]:

حسب مدرسة التحليل النفسي، زعم فرويد في عام 1900مـ تقريباً أن الأحلام هي تمثيلٌ للرغبات والأفكار والدوافع اللاواعية. حيث رأى سيغموند فرويد أن الناس مدفوعين بالغرائز العدائية والجنسية التي تُكْبَت تحت رقابة الإدراك الواعي. فإذا كنا لا نستطيع تحقيق بعض رغباتنا والتعبير عن بعض أفكارنا بطريقةٍ واعيةٍ، فإن هذه المكبوتات تتجلَّى في أحلامنا. ولقد كتب فرويد في كتابه الشهير ’تفسير الأحلام’ أن الأحلام هي “إشباعٌ مقنَّعٌ للرغبات المكبوتة”.

قسم فرويد محتوى الأحلام إلى اثنين: محتوىً صريحٍ، ومحتوىً كامنٍ. فالمحتوى الصريح هو كل ما تراه وتعيشه في أحلامك من صورٍ ومشاهد وأفكارٍ فعليةٍ، أما معناها النفسي فهو المحتوى الغامض الذي يفسره المحلل النفسي. ولقد انتشرت أفكار فرويد عن الأحلام بين عامة الناس، ولم تزل إلى يومنا. لكن الأبحاث العلمية أخفقت في تأكيد زعم فرويد أن المحتوى الصريح يقنِّع أو يغطي المحتوى الكامن، أي بحسب الأبحاث العلمية إن ما نراه في الحلم لا يحمل أي معنىً آخر غير معناه.

2- نموذج تنشيط وتخليق الأحلام [3]:

اقترح هذا النموذج لأول مرةٍ عام 1977مـ على يد باحث الأحلام والطبيب النفسي آلان هوبسن وبروفيسور الطب النفسي بجامعة هارفرد روبرت ماكلارلي. وهذه النظرية هي الأكثر قبولا في الأوساط العلمية حالياً [1,4]. ووفقاً لهذا النموذج، تُنشَّط الدوائر العصبية في الدماغ أثناء مرحلةٍ من مراحل النوم التي تتميز بكثرة النشاط الكهربي في الدماغ والمسماة بـ ’حركة العين السريعة’ أو REM. وفي هذه المرحلة تُنشَّط اللوزة الدماغية* والحُصين*، وهي أجزاءٌ دماغيةٌ تتدخل في المشاعر والأحاسيس والذكريات من الجهاز الطرفي [1].

يصنِّع الدماغ هذا النشاط الداخلي ويفسِّره محاوِلًا إيجاد معنًى لهذه الإشارات، وهنا ينتج الحلم. ومن هنا يكون تعريف الحلم بحسب هذه النظرية بأنه تفسيرٌ موضوعيٌ وعشوائيٌ للإشارات العصبية (لا خياليٌ، كما في نظرية التحليل النفسي) يقوم به الدماغ أثناء النوم [1].

مع فهمنا من هذا النموذج أن الأحلام هي نتيجة الإشارات المولَّدة داخل أدمغتنا، لا يعتقد هوبسون أن الأحلام بلا معنىً. ويقترح بدلاً من هذا أن الأحلام هي “حالتنا الواعية الأكثر إبداعاً، إذ يحدث فيها إعادة التركيب العشوائية الآلية للعناصر المعرفية لتنتج ترتيباً جديداً للمعلومات؛ أيّ أفكاراً جديدةً. ومع أن العديد من هذه الأفكار أو معظمها تافهٌ، إلا أن وقت حلمنا لن يذهب سُدىً إذا كانت بعض نتائجها الخيالية مفيدةً حقاً” [1].

3- نظريات معالجة المعلومات [5]:

هي إحدى النظريات الأساسية التي تجيب على سؤال: لماذا ننام؟ وتقول بأن النوم يسمح لنا بدمج ومعالجة جميع المعلومات التي حصلنا عليها أثناء اليقظة. بعض خبراء الأحلام يعتقدون أن الأحلام ما هي إلا منتجاتٌ ثانويةٌ لعملية معالجة المعلومات هذه. ولأننا نتعامل مع الكثير من المعلومات والذكريات في اليوم، فإن أدمغتنا أثناء النوم تنشئ صوراً وانطباعاتٍ وقصصاً للتحكم بالنشاطات التي تحدث في رؤوسنا ونحن نيام [1].

4- نظرية المؤثرات الخارجية [6]:

تقترح إحدى النظريات أن الأحلام ناتجةٌ عن محاولة أدمغتنا لتفسير المؤثرات الخارجية أثناء النوم. تذكَّر الآن عندما كنتَ طفلا كم مرةً حلمت بأنك تسبح في بركة ماء ثم استيقظت فوجدت أنك تبولت في فراشك!

5- نظرية التنظيف [7]:

تقول هذه النظرية بأن الأحلام هي بمثابة عملية تنظيفٍ لأدمغتنا وتهيئتها لليوم التالي. هل لديك برنامج CCleaner على جهازك؟ الأحلام تؤدي وظيفة مشابهة.

6- نموذج العلاج النفسي [8]:
حيث توصف الأحلام بأنها نوعٌ من العلاج النفسي، فالحالِم يستطيع ربط الأفكار والمشاعر المختلفة في بيئةٍ آمنةٍ.

لقد عرفت النظريات الأكثر شيوعاً والتي تناقش محتوى الأحلام، ولكني لا أظنك حصلت على إجابتك بعد عن سؤال: لماذا نحلم؟ أظنك بحاجة إلى نظرية تخبرك لماذا نحلم في الأصل؟ هل ستكون حياتنا مهددة إذا لم نحلم؟ إذا لم نقم خائفين من حلم مرعب؟

لمعرفة الإجابة، تابعوا معنا قراءة الجزء الثاني من هذه المقالة هنا لمعرفة المزيد.


المصادر:

[1] www.verywell.com
[2] Vedfelt, Ole (1999). The Dimensions of Dreams. Fromm. ISBN 0-88064-230-0.
[3] Hobson, J. Allan (2010). “REM sleep and dreaming: Towards a theory of protoconsciousness”. Nature Reviews Neuroscience 10 (11): 803–13.
[4] evp.sagepub.com.full.pdf
[5] Miller, G., Information Processing Theory
[6] Antrobus, John (1993). “Characteristics of Dreams”. Encyclopedia of Sleep and Dreaming.
[7] Evans, C. & Newman, E. (1964) Dreaming: An analogy from computers. New Scientist, 419, 577-579.
[8] Hartmann, E. (1995)Making connections in a safe place: Is dreaming psychotherapy? Dreaming, 5,213-228.
[9] http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/15766897
[10] Hall, C. and Van de Castle, R. (1966). The Content Analysis of Dreams. New York: Appleton-Century-Crofts.
[11] Premack, D. G.; Woodruff, G. (1978). “Does the chimpanzee have a theory of mind?”. Behavioral and Brain Sciences 1 (4): 515–526.

المصطلحات:

نظرية التحليل النفسي للأحلام Psychoanalytic theory of dreams:
اللاواعية unconscious
الإدراك الواعي conscious awareness.
محتوى صريح manifest content
محتوى كامن latent content
نموذج تنشيط وتخليق الأحلام [3] Activation-Synthesis model of dreaming:
آلان هوبسن  J. Allan Hobson
روبرت ماكلارلي Robert McClarley
حركة العين السريعة Rapid Eye Movement
اللوزة الدماغية amygdala
الحُصين hippocampus
الجهاز الطرفي limbic system
نظريات معالجة المعلومات  Information –Processing theories:
منتجات ثانوية by-product

 

السعودي العلمي

Website Comments

  1. بلابلا

    تعتمدون على فرويد وكل او جل ما يقوله تخاريف مثلا انه يقول أن الأحلام هي “إشباعٌ مقنَّعٌ للرغبات المكبوتة وانا لم احلم ولا مرة انني في قصر وغني وحولي الجواري كل ما يقوله تخاريف الاحلام اما روئ من الله او اضغاث احلام وموجودة بالقرأن

  2. Ah

    هذه هي مشكله المعلقين العرب .. يتكلمون قبل ان يسمعوا. .. يعلقون قبل ان يقرآوا .. يتخذون موقفا عدائيا من اي موضوع ذو صبغه علميه لا يتماشي مع خرافاتهم

  3. Hana

    مجهودرائع, ياليت تعتمدون اضافة نسخة صوتية من مقالاتكم الرائعة,كل الشكر 3>