أودية المريخ نحتها ماءٌ قليلٌ مفاجأةً

ترجمة: عبدالحميد شكري.

تقترح حساباتٌ جديدةٌ أن الشبكات الشاسعة للأودية المتفرعة كالعنكبوت عبر المرتفعات الجنوبية للمريخ نحتتها كميةٌ قليلةٌ من الماء وبشكلٍ مفاجئ.

وجدت الدراسة المنشورة في إصدار نوفمبر لدورية علوم الكواكب والفضاء أن أقل كميةٍ من الماء والمطلوبة لنحت الأودية قد تدفقت حديثاً، أيّ قبل حوالي بضع مئاتٍ السنين إلى 10,000 سنة. وتتوافق هذه النتائج مع فكرة أن المريخ كان بارداً ومتجمداً في وقتٍ مبكرٍ، مع تدفق الماء بشكلٍ متقطعٍ على السطح كردٍ على تغيراتٍ مناخيةٍ قصيرةٍ الأمد، كما قال باحثو جامعة براون الذين قادوا الدراسة.

يقول جيم هيد وهو أستاذ لويس وإليزابيث سشيرك المتميز لعلوم الأرض وأحد المشاركين في كتابة المقالة: “تمثل شبكات الأودية معظم الأدلة التي تدفع الكثير من العلماء إلى الاعتقاد بأن المريخ كان دافئاً ورطباً في الماضي، مما يشير إلى وجود الكثير من الماء المتدفق لفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ وربما ملايين السنين.” وأضاف: “ولكن هذه التحاليل تقترح أن الأودية نُحتت بقدرٍ أقل من الماء ومن الممكن أنه كان على مدى فترةٍ زمنيةٍ أقصر. يعطينا هذا إرشاداتٍ حول محاولة فهم ما كان يحدث لمناخ المريخ في وقتٍ مبكرٍ.”

لقد تم اكتشاف شبكات أودية المريخ لأول مرةٍ خلال بعثة مارينر 9 في السبعينيات من القرن الماضي. حيث تمتد القنوات المتفرعة إلى آلاف الكيلومترات عبر المرتفعات الجنوبية، ويبلغ عرضها عادةً أربعة كيلومتراتٍ. وتعتبر المرتفعات الجنوبية أحد أقدم الأسطح على الكوكب الأحمر.

يُعتقد أن المياه التي نحتت الأودية توقفت عن الجريان قبل نحو 4 مليارات سنةٍ. ويجعل هذا معرفة كمية الماء الذي تدفق عبر الأودية “حساباتٍ يصعب إجراؤها” كما يقول إليوت روزينبرغ وهو طالب في جامعة براون والذي قاد البحث.

بدايةً، احتاج روزينبرغ لمعرفة كمية الرواسب التي تم استخراجها بالضبط من الأودية. فاستخدم بياناتٍ من “مقياس الارتفاع بالليزر المداري للمريخ” للحصول على معدل المساحة المقطعية للأودية. وقام بضرب تلك بالقياسات السابقة لطول الأودية للحصول على حجم الرواسب.

لكن الجزء الأصعب كان معرفة كمية الماء اللازم لتحريك ذلك الكم من الرواسب. إحدى الطرق لإجراء ذلك تتطلب تقدير نسبة الرواسب والماء اللذين عبرا الأودية خلال وحدةٍ زمنيةٍ. واستطاع الباحثون السابقون إجراء تخمينات عن النسبة فقط بما أن الأنهار اختفت منذ فترةٍ طويلةٍ. إلا أن روزيبرغ أراد العثور على شيءٍ أكثر واقعيةٍ بقليل.

صادف روزيبرغ أثناء إجراء بحثه تقريراً من وزارة النقل في تكساس يقيم مدى جودة تحمل الأنواع المختلفة من أنفاق التصريف لتدفقات الرواسب. وفي داخل ذلك التقرير كانت هناك بياناتٌ أوليةٌ عن انجراف الموائع والرواسب لعددٍ كبيرٍ من الأنهار والجداول. اكتشف روزينبرغ أنه يستطيع الحصول على تقديرٍ لائقٍ لنسبة الموائع والرواسب إن استطاع معرفة قوة التدفق باستخدام تلك البيانات.




يقول روزينبرغ “اتضح أن قوة التدفق عبر الأودية شيءٌ ممكن التقدير.” ويقول “إنها دالةٌ تحوي ميل الأودية والذي يمكن الحصول عليه من بيانات مقياس الارتفاع بالليزر المداري للمريخ بالإضافةً إلى عمق التدفق وحجم الحبيبات على قاع النهر، لأن ذلك يؤثر على مدى سرعة تدفق المياه وكمية الرواسب التي تستطيع التقاطه.”

قدّر روزينبرغ عمق أنهار المريخ القديمة بين مترٍ و 16 متراً وأدنى حجمٍ للحبيبات بين ملليمترٍ واحدٍ و6.2 ملم، وذلك باستخدام شكل الأودية ومعادلات الهيدروليجية المثبتة. وقد تبين أن حجم الحبيبات التي استنتجتها الحسابات النظرية قريبةٌ جداً من أحجام الحبيبات التي عثرت عليها مركبة كيريوسيتي في غالي كراتر، وهو إثباتٌ رائعٌ للمنهجية النظرية.

كان روزينبرغ قادراً على تقدير قوة تدفق أنهار المريخ باستخدام تلك الأرقام. ويمكنه بعد ذلك استخدام البيانات الأولية من الأنهار على الأرض لتقدير الحجم الكلي للمياه.

أظهرت الحسابات أن الحجم كان بين ثلاثة و 100 ط.ت.ع. (طبقة التكافؤ العالمية). وهو مصطلحٌ شائعٌ الاستخدام عندما يتحدث العلماء عن المياه على المريخ. ويعني أنه لو قام أحدهم بأخذ كل المياه التي تدفقت عبر الأودية عبر الزمن ونشرها بالتساوي على سطح المريخ، فستكون بعمق بين ثلاثة و 100 متر. قد يبدو ذلك كالكثير من المياه، ولكنه في الواقع كميةٌ قليلةٌ كما يقول الباحثون. فالمريخ يعد مكاناً جافاً جداً في الوقت الراهن، إلا أن مخزن مياهه الحالي والمحصور في القمم الجليدية المتجمدة يبلغ حوالي 34 ط.ت.ع.
يقول هيد: “هذا يعني أن من الممكن أن كمية المياه التي قمنا بحسابها تدفقت عبر الأودية هي بنفس ترتيب كمية المياه على الكوكب اليوم.” وأضاف: “الدلالة هنا هي أن الأودية نُحتت جيداً بقدرٍ أقل من المياه مما اعتقده كثيرٌ من الناس في السابق.”

قدر كل من روزينبرغ وهيد أن حجم المياه التي أظهرتها الحسابات تدفقت عبر الأودية قبل حوالي بضع مئات السنين إلى 10,000 سنة. وهي فترةٌ أقل بكثير من ملايين السنين لتدفق المياه التي تُصور غالباً في الفترة المبكرة للمريخ.

يشير الباحثون إلى أن الافتراضات التي استخدموها كانت تهدف إلى معرفة الحد الأدنى من كمية المياه المتطلبة لنحت الأودية. فكان من الممكن أن تكون أكثر من ذلك في الواقع، ولكنها لا تحتاج أن تكون بالضرورة. يقول هيد: “ما نريد قوله هو أنك ما زلت قادراً على تكوين هذه الأودية حتى إن لم يكن المريخ في الماضي يحتوي على كورٍ للشاطئ وأكواخ الشاليه.” وأضاف: “من الصعب جداً موازنة النموذج الدافئ والرطب للمريخ القديم مع تقديرات مناخ المريخ القديم. ويتيح هذا العمل لشبكات الأودية هذه لأن تتشكل إذا كان المريخ بارداً ومتجمداً مع فتراتٍ أقصر للمياه المتدفقة.”

المصدر: (phys.org)

علوم الكواكب والفضاء (Planetary and Space Science)
جامعة براون (Brown University)
جيم هيد (Jim Head)
لويس وإليزابيث سشيرك (Louis and Elizabeth Scherck)
مارينر 9 (Mariner 9)
إليوت روزينبرغ (Eliott Rosenberg)
مقياس الارتفاع بالليزر المداري للمريخ (Mars Orbiter Laser Altimeter (MOLA))
وزارة تكساس للنقل (Texas Department of Transportation)
كيريوسيتي روفر (Curiosity rover)
غالي كراتر (Gale Crater)
ط.ت.ع. (طبقة التكافؤ العالمية) (GEL (global equivalent layer)))

 

السعودي العلمي

Comments are closed.