أين وصلت سلسلة الكتل اليوم؟

هذا المقال برعاية المعرض والمؤتمر السعودي الدولي الثالث لإنترنت الأشياء.
كتابة وتحرير: فريق السعودي العلمي.

رأت تقنية سلسلة الكتل النور لأول مرةٍ قبل ثلاثة عقودٍ، وحام حولها الجدل بدون توقفٍ منذ بداياتها المبكرة، وتبادل الجميع أخبار عملة البتكوين (التطبيق الأوسع شهرةً لسلسلة الكتل) وتقلب قيمتها صعوداً وهبوطاً، واحتلت اهتمام الشغوفين بالتقنية ومستقبلها. ومع تكاثر تطبيقات سلسلة الكتل التي تًعِد بتحويل الصناعات المالية والصناعة والخدمات اللوجستية والرعاية الصحية والتجارة والتأمين وغيرها، ظهرت اتجاهاتٌ جديدةٌ للاستثمار والنمو والتطوير، سواءً للفرص القائمة بالفعل أو تلك التي لا زالت بانتظار استكشافها.

إنّ هذا الاهتمام بتقنية سلسلة الكتل يأتي نظير ما تحمله من إمكاناتٍ وتطبيقاتٍ محتملةٍ نُشرت بعض الحكومات عنها تقاريرٌ متعددةٌ، وقد أشار استطلاعٌ أجراه منتدى الاقتصاد العالمي إلى أن 10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي سيُخزن في سلسلة الكتل بحلول عام 2027م، أما القيمة السوقية لهذه التقنية فلقد ارتفعت قيمة البتكوين من 20 إلى 200 مليار دولارٍ في عام 2017م وحده، وقُدّرت قيمة سوق سلسلة الكتل عالمياً بنحو 1.57 مليار دولارٍ أمريكي في عام 2018م، ومن المتوقع أن ينمو أكثر من مئة مرةٍ ليصل إلى 163 مليار دولارٍ أمريكي بحلول عام 2027م، وسيعمل ما بين 10٪ إلى 20٪ من البنية التحتية الاقتصادية العالمية على الأنظمة القائمة على سلسلة الكتل بحلول عام 2030م وفق ما أشارت إليه شركة جارتنر العالمية في دراساتها. ولقد شَهِد العامان الماضيان أكثر من نصف مليون منشورٍ جديدٍ، و3.7 مليون نتيجة بحث على محرك قوقل حول سلسلة الكتل.

تأثير سلسلة الكتل على عالم الأعمال
أجرت شبكة برايس ووتر هاوس كوبرز استطلاعاً في عام 2018م ضمّ 600 مديراً تنفيذياً من 15 منطقةٍ، أشار 84% منهم إلى أن منظماتهم تشارك في تقنية سلسلة الكتل نوعاً ما، ويعتقد 45% منهم بأن الثقة هي العنصر الذي قد يؤخر اعتماد هذه التقنية، بينما يرى 30% الصين كقائدٍ محتملٍ لهذه التقنية في العالم.

ستُحدث هذه التقنية ثورةً في الاقتصاد العالمي، حيث تُمكّن رقمنة الأصول وبالتالي إمكانية تبادل الأصول فورياً عبر الإنترنت، دون أن يكون للوسطاء الكبار دورٌ رئيسي في هذه العملية كما هو في يومنا الحاضر، وإنما من خلال بناء الثقة عبر الإجماع ورموز الحاسوب المعقدة. إنّ تقليص الحاجة إلى الوسطاء أو إلغائها بالكامل له جانبٌ إيجابي، حيث يسمح بتدفقٍ أسرع وأكثر حرية للأعمال، ويؤدي إلى تقليص الوقت والإجراءات والمتطلبات التنظيمية التي يضعها الوسطاء، كما أنه سيقلل الرسوم الوسيطة المرتفعة في مجال التحويلات والمعاملات التجارية المحلية والدولية، مما يخفف الأعباء على الشركات والأفراد ويجعل دخولهم السوق أكثر سهولةً وثباتاً.

إنّ غياب الوسطاء يعني إتاحة الوصول للخدمات للجميع بصورةٍ متساوية، وهذا بدوره يفرض ضغوطاتٍ كبيرةٍ على الجهات التنظيمية السيادية لحماية النظام المالي، والتصدي لعمليات الاحتيال ومكافحة غسيل الأموال. وعلى الرغم من الطابع العالمي الذي تتسم به هذه التقنية، إلا أن كلّ دولةٍ تضع أنظمتها وإرشاداتها باستقلالٍ عن الدول الأخرى، فلا يوجد حتى اليوم إطارٌ عالمي شاملٌ يُنظم ويقنن استخدام هذه التقنية في تقديم الخدمات المالية، مما يمثل عائقاً دون توسيع استخدامها وتطويرها. فكيف ستستجيب السلطات الإشرافية لهذا التحدي؟

وجدت التحليلات أن التعامل مع تقنية سلسلة الكتل ينطوي تحت ثلاثة أنماط استجابةٍ تتخذها السلطات الإشرافية تجاه التقنيات الجديدة بشكلٍ عام، وتجاه تقنية سلسلة الكتل على وجه الخصوص: أولها أن تتخذ السلطات الإشرافية أسلوب الترقب والانتظار وتنظر إلى التقنية كنموذج عملٍ جديدٍ، فتختار مراقبة نماذج الأعمال لتقييم المخاطر المحتملة وتجمع البيانات ومن ثم تصيغ الإطار التنظيمي المناسب. أما الأسلوب الثاني فتتجه فيه السلطات الإشرافية إلى تأسيس مختبراتٍ تنظيميةٍ للوصول إلى فهمٍ أدق للتقنية واستكشاف فرصها وتوفير بيئةٍ ملائمةٍ لتطويرها، وبالتالي تسهّل مخرجات هذه المختبرات صياغة الأطر التنظيمية وهذا ما تتبعه معظم دول العالم. بينما يتمثل الأسلوب الثالث في توجّه بعض السلطات إلى الإسراع في سنّ القوانين واللوائح المتعلقة باستخدام التقنية بغض النظر عن الإلمام بمفاهيمها وتأثيرها.

مبادراتٌ عربيةٌ
أوضحت دراسةٌ أجراها صندوق النقد العربي أن العديد من البلدان العربية تضع التحول الرقمي جزءاً أساسياً من رؤاها المستقبلية والاستراتيجية، وتعتبره عاملاً رئيسياً لتمكين التنويع الاقتصادي ورفع تنافسية الاقتصادات العربية ومستواها ومرونتها، وهناك عددٌ من المبادرات الرامية إلى الاستفادة من تقنية سلسلة الكتل في تطوير الخدمات المالية في الدول العربية. حيث أنشأ سوق أبوظبي العالمي مختبراً تنظيمياً هو الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويهدف إلى دعم وتشجيع تطبيقات تقنية سلسلة الكتل. ومن مخرجات هذا المختبر إعلانه في عام 2018م عن بدء تطوير منصةٍ إلكترونيةٍ داعمةً لمبدأ “اعرف عميلك” باستخدام تقنية سلسلة الكتل وبالتعاون مع كبرى المؤسسات المالية في الإمارات، والتي تعمل على دعم كفاءة القطاع المصرفي، كما تهدف استراتيجية سلسلة الكتل في إمارة دبي إلى استخدام التقنية في تقديم الخدمات الحكومية، ويُتوقَّع ان تحقق توفيراً اقتصادياً يبلغ 1.5 مليار دولار سنوياً.

من ناحية العملات الرقمية، أطلقت مؤسسة النقد العربي السعودي “ساما” ومصرف الإمارات العربية المتحدة مشروع “عابر”، والذي عمل على إصدار عملةٍ رقميةٍ تُستخدم في التسويات المالية وإتاحة التحويلات المالية بين البنوك بصورةٍ مباشرةٍ بين الدولتين من خلال سلسلة الكتل. ويهدف المشروع إلى دراسة أبعاد التقنيات الحديثة ومعرفة مدى أثرها على تحسين العمليات وخفض التكاليف وتقييم المخاطر التقنية وكيفية التعامل معها، بالإضافة إلى تأهيل الكوادر للتعامل مع التقنيات المستقبلية.

وفي شمال إفريقيا، تعتبر تونس من أوائل دول العالم في تبنّي نظام دفعٍ إلكتروني قائمٍ على تقنية سلسلة الكتل وتديره الدولة، حيث تتعاون الحكومة مع شركات سلسلة الكتل لتوفير بيئةٍ متكاملةٍ داعمةٍ للمدفوعات الرقمية المستندة على سلسلة الكتل. فمنذ عام 2015م، وجّهت تونس سعيها نحو تعزيز عملتها الرقمية “الدينار الإلكتروني” باستخدام سلسلة الكتل، مستفيدةً مما حققه البريد التونسي من انجازٍ في تحقيقه للشمول المالي من خلال الخدمات الرقمية. إذ استطاع البريد التونسي أن يجعل لمعظم البالغين حساباً لدى البريد التونسي، فيما لا يملك نحو 3 ملايين تونسي بالغ حساباً مصرفياً.

أخيراً، تتجه معظم الجهات المعنية حول العالم إلى مناقشة تأثيرات سلسلة الكتل على الاستقرار المالي ودورهم في الرقابة والتنظيم. ففي ظل العصر التقني المتسارع، لا يرغب أحدٌ في أن يكون متأخراً في هذا السبّاق المحموم نحو تحصيل الاستثمار الأمثل للتقنيات الذي يحقق الفوائد المرجوّة، بما فيها من تطوير الخدمات وحفظ المعلومات وتأمين تبادلها، وتعزيز التحول الرقمي للكيانات الحيوية، وتوفير البيئات الملائمة لتبني التقنية وتمكينها وتشجيع الابتكار مع ضمان الاستقرار المالي والازدهار الاقتصادي المستدام.

هذا المقال هو جزءٌ من حملة التعريف بتقنية إنترنت الأشياء من سلسلة الثورة الصناعية الرابعة، ويأتيكم بشراكةٍ إعلاميةٍ مع المعرض والمؤتمر السعودي الدولي الثالث لإنترنت الأشياء، والمقام في مدينة الرياض ما بين 8-10 مارس. ولمعرفة المزيد عن المؤتمر والتسجيل لحضوره تفضلوا بزيارة الموقع الإلكتروني للمؤتمر.

المصطلحات:
برايس ووتر هاوس كوبرز (PwC)
اعرف عميلك (KYC)
الدينار الإلكتروني (eDinar)

المصادر:

  1. Mckinsey
  2. Statista
  3. PwC
  4. Medium
  5. SAMA

السعودي العلمي

Comments are closed.