قد تتسبب الثقوب السوداء الفائقة الصغر في انهيار الكون، ولكنها لن تفعل ذلك

ترجمة: عبدالحميد حسين شكري
مراجعة: فارس بوخمسين

إن كنت ممن يعجب بالأفلام الكلاسيكية التي تجمع وحشين في فلمٍ واحدٍ مثل كينق كونق مقابل قودزيلا، فقد تعجبك أطروحةٌ جديدةٌ تجمع بين اثنين من ادعاءات العلوم المزيفة المكروهة والمُخوفة من العلوم، وهما الثقوب السوداء الفائقة الصغر وانهيار الفراغ. حيث كان على الفيزيائيين الذين يعملون مع محطم الذرات الأكبر في العالم (وهو المصادم الهيدروني الكبير في أوروبا) أن يقوموا بطمأنة العامة أن الثقوب السوداء الفائقة الصغر لن تقوم بالتهام الكوكب، وذلك إن كان بوسعهم استحداثها أصلاً. وهذه الثقوب السوداء الفائقة الصغر هي نسخٌ متناهية الصغر لتلك التي تنجم عند انهيار النجوم الضخمة. وكان عليهم أيضاً أن يقوموا بتبديد المخاوف في أن نسف جسيمٍ يُدعى هيقز بوزون سيسبب في انهيار فراغ الفضاء الفارغ. ولكن ثلاثةً من علماء النظريات قاموا حالياً بحساب أن الثقوب السوداء الصغيرة قد تتسبب في انهيارٍ كهذا في تفاعلٍ متسلسلٍ في نهاية المطاف.

اخرج من تحت السرير، فهناك شرطٌ كبيرٌ. فلو كان هذا شيئاً ممكن الحدوث، لحدث قبل فترةٍ طويلةٍ من تطور البشرية. يقول عالم الكونيات النظري في جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة وكاتب الأطروحة التي تشرح النتائج إيان موس: “الشيء الذي يجب عليك ألا تقوله هو: صدمة، رعب! سنقوم بتدمير الكون!” ويقول أن الرسالة هنا هي أن فيزياءً غير معروفةٍ يجب أن تدخل لكي تحافظ على استقرار الفراغ بدلاً من ذلك، وهذه أخبارٌ مشجعةٌ للفيزيائيين للبحث عن شيءٍ جديدٍ. مع ذلك، يعترف موس أن الأطروحة قد تُؤخذ بطريقةٍ خاطئةٍ. حيث يقول: “أنني خائفٌ نوعاً ما أن يستدعيني جون إليس (وهو فيزيائيٌ بارز) ويتهمني بترويج الإشاعات المخيفة.”

يعد استقرار الفراغ قضيةً حقيقيةً. فمنذ اكتشاف بوزون هيقز في عام 2012مـ والذي تنبأ به الفيزيائيون منذ فترةٍ طويلةٍ وهم يعرفون أن حيز الفارغ يحتوي على “مجال هيقز” المشابه تقريباً للمجال الكهربي، والمكون من بوزونات هيقز التي تختبأ عملياً في الفراغ. وهناك جسيماتٌ أساسيةٌ أخرى تتفاعل مع المجال لاكتساب كتلتها مثل الالكترون والكواركات. وعلى الرغم من ذلك، قام فيزيائيوا الجسيمات الأولية بحساب أن مجال هيقز قد لا يكون في حالة الاستقرار والحد الأدنى من الطاقة، نظراً إلى النموذج القياسي الحالي للجسيمات المعروفة وكتلة بوزون هيقز التي تم قياسها. بدلاً من ذلك، يمكنه تحقيق قدرٍ أقل بكثيرٍ من الطاقة عن طريق أخذ قوةٍ أعلى بكثير. وينبغي لذلك الانتقال الموفر للطاقة أن يتسبب في انهيار الفراغ ومحو الكون حتماً.

إذاً، لماذا لم يحدث ذلك الانهيار؟ تبين أن على مجال هيقز أن يمر عبر حاجز طاقةٍ هائلٍ من خلال عمليةٍ تُعرف بالنفق الكمي للحصول على طاقةٍ أقل، وهي حالة “الفراغ الحقيقي”. إن ذلك الحاجز كبيرٌ جداً لدرجة أن من المرجح أن يستغرق الانتقال عدة أضعاف عمر الكون ليحدث. لذا، اتفق علماء النظريات بشكلٍ عامٍ على أن مجال هيقز “شبه مستقر”، أيّ أنه عالقٌ مؤقتاً في حالة “الفراغ الزائف”، وعلى الرغم من أن الانهيار يعد مشكلةً من حيث المبدأ، إلا لا يدعو إلى للقلق أنه عملياً.

ولكن كلاً من موس والفيزيائيين النظريين فيليب بوردا وروث غريغوري من جامعة دورهام في المملكة المتحدة أكدوا أن تلك الحجة تنهار عندما تقوم بإضافة الثقوب السوداء الفائقة الصغر إلى المعادلة، وهي مناطق مجهريةٌ في الفضاء حيث تكون الجاذبية قويةٌ جداً لدرجة أن الضوء لا يستطيع الافلات منها. وذلك لأن الثقب الأسود الصغير يتصرف مثل البذور التي تتسبب في تشكيل فقاعةٍ من الفراغ الحقيقي في بحرٍ من الفراغ الزائف، تماماً كما تستطيع حصىً صغيرةٌ في التسبب بتشكيل فقاعةٍ من البخار في الماء المغلي، كما قاموا بشرحها في مقالة مطبوعة في رسائل مراجعة الفيزياء.

ستنكمش فقاعة الفراغ الحقيقي بدون تلك البذور حتماً. لأن بالرغم من كون الفراغ داخل الفقاعة ذو طاقةٍ أقل من الفراغ خارجها، إلا أن جدار الفقاعة حيث يلتقي الاثنان معاً ذو طاقةٍ عاليةٍ جداً. إذاً، تستطيع الفقاعة أن تقلل من طاقتها الكلية عن طريق التقلص والاختفاء. أما بالنسبة لفقاعةٍ تحوي ثقباً فائق الصغر بداخلها فالقصة مختلفة. حيث يشرح موس أن باستطاعة جاذبية الثقب الأسود أن تزيح توازن الطاقة، ولهذا فإن أي فقاعةٍ تتجاوز حجماً صغيراً جداً يمكنها أن تقلل من طاقتها من خلال النمو. ويقول موس أن الفقاعة ستتسع وتلتهم الكون المرئي برمته في غضون جزءٍ من الثانية.

يحاول موس وزملاؤه أن يبرهنوا أن على تلك الثقوب السوداء أن تكون صغيرةً جداً، وأن تأتي من مصدرين. قد تكون ثقوباً سوداء بدائيةً عالقةً منذ ولادة الكون. أو قد تكون ثقوباً سوداء فائقة الصغر تم إنشاؤها ضمن تصادم الجسيمات مثل تلك التي تحدث داخل المصادم الهيدروني الكبير.

هل ينبغي علينا أن نقلق حيال ذلك إذاً؟ يقول موس: لا. ويستطرد قائلاً بأن حقيقة وجود الكون لحوالي 13.8 مليار عامٍ يبين لنا أن الثقوب السوداء الأولية لن تتسبب في انهيارٍ كهذا. أما بالنسبة للثقوب السوداء في المصادم الهيدروني الكبير فإنها لن تحدث دماراً وحتى إن اوجدت تلك الثقوب. والدليل على ذلك يأتي من الأشعة الكونية، حيث ترتطم بالغلاف الجوي لتحدث تصادماتٍ بين الجسيمات ذات طاقةٍ عاليةٍ أعلى من تلك التي يستطيع المصادم الهيدروني الكبير إحداثه. وبضيف موس بأن حتى إن أنتجت تلك الاصطدامات ثقوباً سوداء فلن تستطيع الثقوب السوداء أن تتسبب في انهيار الفراغ، وإلا لكان الكون قد اختفى منذ وقتٍ طويلٍ.

يقول موس بأن الفكرة الأساسية هي أنه لم يعد من الممكن لعلماء النظريات أن يستخفون بالمشكلة بافتراضهم أن انهيار الفراغ سيستغرق وقتاً طويلاً جداً. وذلك من خلال إظهار أن الانهيار سيحدث بسرعة وفقاً للنموذج القياسي، فالأطروحة تقترح أن فيزياءً جديدةً يجب أن تسهم في الحفاظ على استقرار الفراغ.

البعض الآخر ليسوا متأكدين من أن الحجة مقنعةٌ. حيث يقول العالم النظري في معهد إيطاليا الوطني للفيزياء النووية بجامعة كاتانيا، فينسينزو برانتشينا: أن علماء النظريات يضعون عدداً من الافتراضات المشكوك بها في حساباتهم. كما شكك العالم النظري من كلية كينجز لندن جون إيليس في اتساق الحسابات. فعلى سبيل المثال يقول جون بأن حسابتهم تفترض أن النموذج القياسي ينطبق على المقاييس ذات الطاقة العالية جداً. إلا أنه أشار إلى أن الطريقة الوحيدة المتاحة للمصادم الهيدروني الكبير لصنع ثقوب سوداء صغيرة تكمن في تعطيل النموذج القياسي وفتح أبعادٍ جديدةٍ ذات طاقةٍ أقل بكثيرٍ. ولكن، ما زال كل من برانتشينا وإيليس يقولان أنه بالاستناد إلى حججٍ أخرى، فإنهما يشكان في أن شيئاً ما يجعل الفراغ مستقراً.

أما بالنسبة لعرض الحجة في الأطروحة الجديدة، فيقول إيليس بأن لديه شكوكٌ من أنها ستثير مخاوف لا أساس لها حول سلامة المصادم الهيدروني الكبير مرة أخرى. فعلى سبيل المثال، لم تذكر الطبعة الأولية للأطروحة أن بيانات الأشعة الكونية تثبت أساساً أن المصادم الهيدروني الكبير لا يستطيع أن يتسبب في انهيار الفراغ، والذي علق عليه موس بقوله: “لأننا ]أي الفيزيائيون[نعلم ذلك جميعاً.” حيث ذكرت النسخة النهائية ذلك في الصفحة الرابعة أو الخامسة. إلا أن إيليس والذي عمل مع فريقٍ لاختبار سلامة المصادم الهيدروني الكبير يقول بأنه لا يعتقد أنه من الممكن إيقاف علماء النظريات من عرض حجج كتلك بطرق انحيازية. حيث يقول: “لن أفقد نومي بسبب هذا الأمر.” وأضاف: “إن سألني أحدهم، فسأخبره أنها مجرد ضجةٌ نظريةٌ.” والتي قد لا تكون أكثر إجابةٍ مطمئنةٍ أيضاً.

المصدر (sciencemag)

كينق كونق: King Kong
قودزيلا: Godzilla
الثقوب السوداء الفائقة الصغر: microscopic black holes
هيقز بوزون: higgs boson
إيان موس: Ian Moss
جون إليس: John Ellis
النظريون فيليب بوردا: Philipp Burda
روث غريغوري: Ruth Gregory
جامعة دورهام: Durham University
رسائل مراجعة الفيزياء: Physical Review Letters
المصادم الهيدروني الكبير: LHC
فينسينزو برانتشينا: Vincenzo Branchina
بجامعة كاتانيا: University of Catania
كلية كينجز لندن: King’s College London

 

السعودي العلمي

Comments are closed.