تقييم مُراجعة النظراء

كتابة: مارك بيبلو.
ترجمة: سلمى سلمان.
مراجعة: عبد الحميد شكري.

يملك معظم العلماء قصصاً مرعبةً عن الرفض الوحشي الذي تلقته ورقتهم البحثية المهمة من دوريةٍ ما، ويعمل الباحثون الآن على أخذ نهجٍ أكثر صرامةً لتقييم مراجعة النظراء، وذلك من خلال تتبع مصير أكثر من 1000 ورقةٍ قُدمت قبل عشر سنواتٍ إلى حوليات الطب الباطنيّ، الدورية الطبية البريطانية، ودورية ذا لانسيت.

باستخدام الاستشهادات اللاحقة كمؤشرٍ للجودة، وجد الفريق أن الدوريات أجادت استبعاد الابحاث السيئة ونشر الأبحاث الرصينة، ولكنها فشلت بشكلٍ مذهلٍ للغاية في رصد الأوراق العلمية التي أثبتت بعد ذلك حصولها على استشهاداتٍ مرتفعةٍ.

يقول عالم الاجتماع من جامعة تورنتو بكندا والذي قاد هذه الدراسة وهو كايل سيلر: “الشيء الصادم بالنسبة لي هو أن أعلى 14 ورقةٍ في مؤشر الاقتباس رفضت، وواحدةٌ منها مرتين”. ولقد نُشرت الدراسة في 22 ديسمبر (كانون الأول) في دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم.

استغل سيلر وفريقه قاعدة بياناتٍ من النصوص الأصلية وتقارير المراجعين التي أحتفظت بها جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، والتي اُستخدمت في الدراسات السابقة لعملية مراجعة النظراء. ووجدوا أنه من أصل 1008 نصٍ قُدم للنشر، نُشر 62 فقط في إحدى المجلات الثلاث. ومن بين الأوراق المرفوضة، نُشرت 757 ورقةً في نهاية المطاف في أماكن أخرى، أما 189 الباقية فقد خضعت لتحولٍ جذريٍّ أو اختفت دون أثرٍ.

من خلال إعطاء تقارير المراجعين درجةً تمثل مستوى حماسهم، وجد الباحثون أن الأوراق التي حصلت على تقييماتٍ أفضل حصلت عموماً على أكثر الاستشهادات، إذ يقول سيلر: “لقد قام الأُمناء بعملٍ جيدٍ على العموم”.

نظرةٌ فاحصةٌ
لكن الفريق وجد أيضاً أن 772 من النصوص رفضتها واحدةٌ من الدوريات على الأقل من قبل مباشرةً، ما يعني أنها لم تُرسل لمراجعة النظراء، وأن 12 من أصل الـ 15 ورقةٍ الأكثر استشهاداً عانت من هذا المصير. ويقول سيلر: “هذا يثير السؤال: هل هم خائفون من البحوث غير التقليدية؟”. وبالنظر إلى الوقت والموارد التي تتطلبها مراجعة النظراء، يقترح سيلر أن الدوريات الكبرى التي تقبل نسبةً صغيرةً فقط من الأوراق التي تتلقاها تميل لتجنب المخاطر.

توافق عالمة الاجتماع في جامعة هارفارد في مدينة كمبريدج بولاية ماساتشوستس وهي ميشيل لامونت على ذلك، حيث يستكشف كتابها “كيف يفكر الأساتذة المحاضرون” كيفية تقييم الأكاديميين لنوعية عمل الآخرين قائلةً: “إن ديناميكيات السوق التي تعمل الآن تميل إلى نوعٍ من البساطة”. وتضيف: “وعلى الرغم من أن المحررين قد يكونوا على درايةٍ جيدةٍ بهوية الشخص الذي سيلجؤون إليه من أجل المراجعات، إلا إنهم لا يمتلكون بالضرورة حساً جيداً لما هو ابداعيٌ حقاً”.

تقول رئيسة تحرير المجلة الطبية البريطانية وهي فيونا غودلي أن هذا الرفض المباشر ليس خطأً بالضرورة، فقد يُرفض بحثٌ عن دراسةٍ ممتازةٍ في مجال التقنية الحيوية على سبيل المثال، لأنه ببساطة يقع خارج نطاق التركيز السريريّ للدورية، وتقول: “إن صنع القرار يتعلق كثيراً بما هو مهمٌ للقراء، وأخشى مطاردة الاستشهادات كوسيلةٍ للمضيّ قدماً”.

يُقرّ سيلر بأن استخدام الاستشهادات كمؤشرٍ للجودة يطرح بعض المشاكل، إذ وجدت دراسةٌ حديثةٌ أجرتها دورية نايتشر أن أكثر البحوث العلمية ذات الاستشهادات الأكثر في العالم تميل لأن تكون حول الطرق المستخدمة على نطاقٍ واسعٍ، بدلاً من الاكتشافات المغيّرة للنماذج المعروفة.

أما عالم الأحياء التطورية في جامعة مونتريال بكندا والذي يدرس تحيز النشر العلميّ وهو دانييل فانيلي فيقترح نهجاً بديلاً، وهو تقييم جودة الأبحاث المنشورة بإجراء جولةٍ جديدةٍ من مراجعة النظراء عليها، وحتى معرفة ما إذا أعيد إجراؤها أو ترجمتها إلى الواقع بنجاحٍ، ويستطرد متأسفاً: “ولكن هذا عملٌ مُضنٍ”.

من الواضح في الوقت الراهن أن مرجعة النظراء باقيةٌ هنا، إذ تقول لامونت: “يعتقد كثيرٌ من الناس أن النظام مليءٌ بنقاط الضعف. فهي ليست مثاليةً، ولكنها أفضل ما لدينا”.

المصدر: (nature)

مارك بيبلو (Mark Peplow)
حوليات الطب الباطنيّ (the Annals of Internal Medicine)
الدورية الطبية البريطانية (the British Medical Journal)
ذا لانسيت (The Lancet)
كايل سيلر (Kyle Siler)
جامعة تورنتو بكندا (University of Toronto in Canada)
وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences)
جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو (University of California, San Francisco)
ميشيل لامونت (Michèle Lamont)
جامعة هارفارد في مدينة كمبريدج بولاية ماساتشوستس (Harvard University in Cambridge, Massachusetts)
فيونا غودلي (Fiona Godlee)
دانييل فانيلي (Daniele Fanelli)
جامعة مونتريال بكندا (University of Montreal in Canada)

السعودي العلمي

Comments are closed.