تاريخ الجراحة الحديثة: صراع العدوى والألم

 

معاذ الدهيشي

من هو أول من أجرى جراحة طبية ‘حديثة’؟
ما علاقة مجاري الصرف الصحي بالجراحة؟
ما هما العائقان الذان كانا السبب في تأخير الجراحة قرون طويلة؟

من يقرأ تاريخ الجراحة الطبية يجد أن هناك عائقان رئيسيان لازماها منذ البداية ومنعا الجراحين من تحقيق تقدم كبير حتى تم التصدي لهما بشكل فعال قبل أقل من قرن ونصف القرن. هذان العائقان هما العدوى والألم

قد يعلم الكثيرون أن أسطح الجسم التي لها اتصال مع العالم الخارجي مليئة بالكائنات المجهرية من شتى الأنواع والفصائل، مثل البكتيريا والفطريات والفيروسات والطفيليات

هذه الأسطح تتضمن الجلد، والأنف والجزء الأعلى من الجهاز التنفسي وأيضاً الفم والقناة الهضمية حتى فتحة الشرج

بسبب وجود هذه الكائنات المجهرية على هذه الأسطح منذ الأيام الأولى من حياة الإنسان في هذا العالم فإن الجسم طوّر آليات صارمة وخطوط دفاع فعّالة تحميه من هجوم هذه الكائنات والإصابة بعدوى

على الجهة الأخرى، بقية الأعضاء والأنسجة الداخلية غير مهيأة للتعاطي مع هذه الكائنات في الظروف الطبيعية، وأي هجوم خارجي معتبر قد يسبب ردة فعل حادة من الجسم ككل وإن لم يتم التعامل معه بسرعة وحذر فإن العواقب قد تكون مميتة

لذلك مهما طوّر العلماء والجراحون عبر العصور مختلف الأدوات والطرائق للتدخل الجراحي، فإن شريحة كبيرة من مرضاهم لن يعيشوا إلا أياماً بسيطة من الألم والمعاناة قبل أن تخسر أجسامهم الحرب مع الكائنات الدخيلة

كان الأمر محيراً جداً في تلك العصور حيث لم يعرف الأطباء والجراحون سبب هذا التدهور على الرغم من حرصهم على تطوير أدوات دقيقة ومناسبة للعمليات الجراحية المختلفة. لم يكن مفهوم العدوى بالكائنات المجهرية التي تحيط بنا معروفاً في الأوساط الطبية والعلمية وحتى من اقترح ذلك تم التهكم به وربما تشوهت سمعته بينهم

كان الجراحون ينفذون عملياتهم بأدوات لم تعقّم بل قد لا تنظّف تلو العمليات السابقة. كان منظر ملابس الجراح الملطّخة بدماء مرضاه وملاءات الأسرّة الوسخة غير مستغرباً في غرف العمليات

لكن في العام 1861 تغير الحال بشكل جذري على يد العالم الفرنسي باستور وتجربته الشهيرة التي أثبتت وقوع العدوى بفعل الكائنات المجهرية. بعد هذه التجربة الثورية كانت فكرة إيجاد مواد معقمة ومطهرة ضد هذه الكائنات المجهرية مسألة وقت ليس إلا، وبالفعل وبعد سنوات قليلة أتى الفتح الذي غير مستقبل الجراحة للأبد

يمكننا أن نقول أن أول من أجرى عملية جراحية ‘حديثة’ اُستخدم فيها التخدير الجراحي جنباً إلى جنب مع مواد التطهير والتعقيم الفعّالة هو الجراح الاسكتلندي جوزيف لستر – الذي سمي لاحقاً بأبي الجراحة الحديثة -. كانت هذه العملية الجراحية في عام 1867 حيث أزال لستر ورماً سرطانياً من صدر أخته إيزابيلا على طاولة الطعام في منزله. تكللت هذه العملية بالنجاح في حادثة نادرة من نوعها آنذاك وعاشت إيزابيلا بعد العملية لمدة ثلاث سنوات قبل أن تموت بسبب انتشار السرطان في كبدها

أخيراً، قد تتساءلون: ماذا استخدم لستر لمكافحة هذه الكائنات المجهرية العنيدة؟
الجواب: لستر استخدم الفينول كمعقم ومطهر بعد أن رآى عمال مجاري الصرف الصحي يستخدمونه كمنظف لأدواتهم !!؟



المراجع
Greenwood, D. (2007). Medical Microbiology: A Guide to Microbial Infections : Pathogenesis, Immunity, Laboratory Diagnosis and Control. Edinburgh: Churchill Livingstone/Elsevier

Mukherjee, S. (2011). The emperor of all maladies: a biography of cancer. Simon and Schuster

Lister, J. (1867). On the antiseptic principle in the practice of surgery. British medical journal, 2(351), 246
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2310614/

Comments are closed.