الإنجازات الإقتصادية، العلمية، والتقنية لجولة ولي العهد

كتابة: فريق التحرير بمجموعة السعودي العلمي.

أتمّ ولي العهد ونائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية مارس الماضي، والتي أتت بهدف تعميق الصداقة طويلة الأمد بين البلدين وبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك. ولقد تميزت هذه الجولة بأخذها البعدين الاقتصادي والتنموي بالتحديد، حيثُ أثمرت عن اتفاقياتٍ ولقاءاتٍ هامةٍ في الجوانب السياسية، الأمنية، والاقتصادية، وعملت على حل التحديات التي تواجه البلدين والعالم وبحث سُبل تحقيق المزيد من المنجزات في ظل العلاقة الثنائية المتينة بين البلدين، حيث التقى سموه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدداً من الوزراء، المسؤولين، المستثمرين، والرؤساء التنفيذيين لشركاتٍ عالميةٍ كُبرى.

شملت الزيارة سبعة مدنٍ أمريكيةٍ هي واشنطن، بوسطن، نيويورك، لوس أنجلوس، سياتل، سان فرانسيسكو، وهيوستن في زيارةٍ استمرت حوالي ثلاثة أسابيعٍ، ورافق ولي العهد عددٌ من الوزراء والمسؤولين في المجالات المختلفة، وحرص فيها سموه ومرافقوه على إعطاء صورةٍ للتحوّل الذي تشهده المملكة العربية السعودية وفق رؤية 2030 وبرامجها الطموحة، مما يفتح الباب لعددٍ من الشراكات والاستثمارات. كما ناقشت الرحلة جوانب استراتيجيةٍ وأمنيةٍ، وتخلل ذلك توقيع اتفاقياتٍ وشراكاتٍ مع كبرى الشركات والمؤسسات الرائدة بهدف جلب المستثمرين، زيادة التعاون الاقتصادي، وفتح أبواب التدريب للطلبة السعوديين.

قطاعي الطاقة والصناعة
جاء إعلان خطة الطاقة الشمسية 2030 كأحد أبرز معالم الجولة الأمريكية، إذ وقّع سمو ولي العهد على مذكرةٍ للتفاهم مع صندوق سوفت بنك لإنشاء محطةٍ لتوليد الطاقة الشمسية في المملكة، ويُخَطّط لأن تكون المحطة الأكبر من نوعها في العالم في مجال توليد الطاقة المتجددة، وذلك بسعةٍ تصل لأكثر من 200 غيغاواط بحلول عام 2030مـ وبتكلفةٍ تبلغ 200 مليار دولارٍ. وتتضمن الاتفاقية تأسيس عدة شركاتٍ كشركةٍ لتوليد الطاقة الشمسية، شركاتٍ متخصصةٍ في الأبحاث وتطوير الألواح الشمسية وتسويقها محلياً وعالمياً، وكذلك تأسيس صناعاتٍ في مجال منظومات توليد الطاقة وتخزينها، مما يحقق الاستدامة والكفاءة التي تطمح لهما المملكة في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة.

في مجال الصناعات الفضائية، شكّلت زيارة ولي العهد لشركة لوكهيد مارتن اهتماماً واضحاً بمجال الأقمار الصناعية السعودية، والتقى سموه بالمهندسين السعوديين الشباب الذين يعملون مع مهندسي الشركة لنقل تقنية وتوطين صناعة الأقمار الصناعية، وإجراء الاختبارات الوظيفية والبيئية إلى المملكة العربية السعودية. وجرى خلال الزيارة استعراض التقنيات المتقدمة في قطاع الطيران والدفاع الجوي منها منظومة الدفاع الجوي “ثاد”، وهي منظومةٌ عالية التقنية تتفاوض المملكة على شرائها وتوطين تقنياتها. كما اطّلع سموه على قمرين صناعيين للاتصالات تبنيهما الشركة بالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وشركة عرب سات، كما عُقدت اتفاقيةٌ لإنشاء مركزٍ بحثيٍ بالتعاون مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. وفي هذه الزيارة وقع سمو الأمير على القطعة الأخيرة من القمر الصناعي السعودي الأول للاتصالات بالعبارة الشهيرة “فوق هام السحب”، ليتم تركيبها على القمر وإطلاقها إلى الفضاء قبل نهاية هذا العام.

في ذات السياق، زار ولي العهد شركات الريادي الأمريكي ريتشارد برانسون التي استثمر فيها صندوق الاستثمارات العامة مليار دولارٍ أمريكيٍ، وتمحورت الزيارة حول نقل المملكة من مستهلكةٍ للتقنية إلى مُنتِجةٍ لها، حيث اطّلع سموه على أنشطة شركة فيرجن قالاكتيك، فيرجن أوربيت، وفيرجين هابيرلوب ون، وشمل ذلك استعراض مجالات الشراكة الاستثمارية القائمة وسُبل تطويرها ولا سيما فيما يتعلق بالخدمات الفضائية، وبحث فرص التعاون من خلال البحث، التصنيع، وتدريب الشباب السعودي على التقنيات الحديثة. كما جرى الاطلاع على أحدث التقنيات الفضائية وخطة فيرجن قالاكتيك لإرسال أول مركبةٍ مأهولةٍ إلى الفضاء خلال هذا العام، وشارك سموه في رفع الستار عن تقنية الهايبرلوب في2030 للنقل السريع التزاماً بجلب هذه التقنية إلى المملكة في المستقبل القريب، والتي يتوقع أن تصل سرعتها إلى 1000كم/س، ما يعني قطع كامل المملكة من شرقها إلى غربها في ساعةٍ ونيف.

أما في مجال التصنيع العسكري، نظمت الشركة السعودية للصناعات العسكرية مؤتمراً تحت شعار “تعزيز الشراكات وتحقيق القيمة”، والذي تضمّن توقيع اتفاقية شراكةٍ استراتيجيةٍ مع شركة “بوينغ” الأمريكية لتأسيس مشروع تزويد خدمات الدعم للطيران الحربي السعودي. ورعى الأمير محمد بن سلمان تأسيس المشروع بنسبة توطين تصلُ إلى 55% في الصيانة والإصلاح، توطين سلاسل إمداد قطع الغيار داخل السعودية، ونقل التقنيات المختلفة كتقنية دمج الأسلحة على الطائرات الحربية. كما تهدف الاتفاقية إلى رفع مستوى استعداد أسطول القوات المسلحة، وتنمية القدرات الوطنية في البحث، التصميم، الهندسة، التصنيع، وإجراء الصيانة المحلية.

في نهاية الجولة الأمريكية، رعى سمو ولي العهد حفل افتتاح شركة سابك لمجمع للكيماويات في ولاية تكساس، وزار مركز البحوث والتطوير التابع لشركة أرامكو السعودية، واطّلع على أحدث التقنيات والابتكارات في مجالات التنقيب والإنتاج للموارد التقليدية وغير التقليدية.

قطاعي التعليم والتقنية
في الجانب التعليمي، تصدرت مؤسسة الأمير محمد بن سلمان “مسك” الخيرية الساحة بتوقيع عددٍ قياسيٍ من الاتفاقات الرامية لمد جسور الشراكة وفتح أبواب التعاون مع أبرز الجامعات والمؤسسات التعليمية والعلمية الأمريكية، سعياً لتطوير الإمكانيات المحلية ولتوفير فرص التدريب والتطوير للطلاب والشباب السعوديون، حيث حرصت مسك الخيرية في البداية على تعزيز الشراكة مع الملحقية الثقافية السعودية بالولايات المتحدة الامريكية وعدة جهاتٍ تعليميةٍ عريقة، مثل جامعة جونز هوبكنز، جامعة هارفارد، مركز ويلسون المختص بالتمكين الفكري والحوار البحثي، وبحث الشراكة مع المركز الأطلسي لتطوير برامج الزمالة وتمكين الشباب في مجال تطوير الأبحاث. كما نُوقشت فرص التعاون لتقديم برامج أكاديميةٍ تركز على الحقول الأربعة: العلوم، التقنية، الهندسة، والرياضيات ضمن اجتماعٍ مع المسؤولين في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.

سعت مبادرات مسك الخيرية لبحث التعاون المشترك مع منظمة نيو أميركا المهتمة بالمبادرات العلمية والثقافية، كما نسقّت مسك الخيرية لتقديم برامج تعليميةٍ وثقافيةٍ مماثلة لما تقدمه مكتبة الكونغرس العريقة من خلال اجتماعٍ بإدارتها. ومع مؤسسة ناشونال جيوغرافيك الرائدة في التعليم غير الربحي، بحثت مسك الخيرية سُبل التعاون المستقبلي لتدريب الكفاءات السعودية من الطلاب، المعلمين، والمصورين الفوتوغرافيين. كما عقدت الهيئة العامة للترفيه اتفاقاً مع ناشونال جيوغرافيك لإطلاق مدن أوشن أوديسي في عشرة مواقعٍ في المملكة، وهي مدنٌ ترفيهيةٌ تأخذ الزوّار في جولةٍ تحت الماء وعبر المحيطات باستخدام الواقع الافتراضي وأحدث التقنيات لمنح الزوّار تجربةً لخوض مغامرةٍ فريدةٍ تجمع بين المتعة والتعليم، وسيُقام أول المواقع في مدينة الرياض ابتداءً من عام 2019مـ.

برزت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية كلاعبٍ رئيسٍ في الجانب البحثي والعلمي من زيارة ولي العهد، حيث وقعت مدينة الملك عبدالعزيز ومعهد ماساتشوستس للتقنية اتفاقية تعاونٍ لإنشاء برنامج زمالة ابن خلدون بهدف إتاحة الفرصة للباحثات السعوديات الحاصلات على درجة الدكتوراه لإجراء أبحاثهن، كما تمثلت الاتفاقية الأخرى في تعاونٍ بحثي مشترك من خلال مركز النظم الهندسية المركبة المتخصص في نمذجة النظم الهندسية، المدن الذكية، وتحليل البيانات الضخمة. وفي الجانب البحثي الطبي لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وقعت المدينة وبريجهام ومستشفى النساء في جامعة هارفارد اتفاقية تعاونٍ مشترك في مجال أبحاث الطب الحيوي. كما سعت المدينة لتوقيع اتفاقية تأسيس المركز السعودي للقاحات والصناعات الأحيائية الذي طُوّر عبر البرنامج الوطني للتجمعات الصناعية، وسيقام المركز في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) تحت ملكية مدينة الملك عبدالعزيز، وتشغيله عبر الشركة السعودية للقاحات.

من جهةٍ أخرى، وقع الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة مذكرة تفاهمٍ مع جامعة درابر تضمنت توفير فرص ابتعاث الطلاب السعوديون إلى الجامعة، تطوير مقررات دراسيةٍ في الأمن السيبراني، وبناء علاقةٍ استراتيجيةٍ مع الجامعة. كما جاء توقيع مذكرةٍ أخرى مع شركة ريثيون جاء في أبرز بنودها توفير فرص ابتعاثٍ للمدرسين، إقامة مسابقاتٍ بين الجامعات في الدفاع السيبراني، وإطلاق برنامج ماث آلياف في المملكة العربية السعودية، وهو معرضٌ تفاعليٌّ وملهم لاستكشاف عالم الرياضيات. كما وقع عميد أكاديمية الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والبرمجة المنشأة حديثاً اتفاقية شراكةٍ مع جامعة كارنقي ميلون العريقة لدعم مرحلة التأسيس وفق معايير الجامعات العالمية، وكذلك توقيع شراكةٍ استراتيجيةٍ مع شركة كورسيرا المُتخصصة في تقديم البرامج الأكاديمية والتدريبية التفاعلية عن بعد.

ضمن حرص ولي العهد على تعزيز العلاقات مع الشركات التقنيّة الكبرى، زار سموه شركة أبل لبحث فرص الشراكة في عددٍ من المشاريع التي تهدف إلى إثراء المحتوى العربي التعليمي، تطوير التطبيقات، وتدريب الشباب السعودي في مقر الشركة. كما التقى بمؤسسي شركة قوقل سيرجي برين ولاري بايج في مقرها بوادي السيليكون واستعرض معهما سُبل التعاون في خدمات الحوسبة السحابية في السعودية، وتطوير البيئة الرقمية. كما التقى برئيس شركة مايكروسوفت وتبادل معه إمكانية تدريب وتأهيل الكفاءات الوطنية بما يدعم رؤية السعودية في التحول الرقمي والابتكار. وفي جانب تقنية المعلومات وقواعد البيانات، وقعت مسك الخيرية اتفاقياتٍ مع شركة أوراكل الرائدة لتوفير عددٍ من الفرص التدريبية والمنصات الرقمية، كما طُرحت أبرز مشاريع التعاون في خدمة المجتمعات وتنمية المهارات مع شركة آي بي أم واتسون التقنية.

قطاعي الفنون وصناعة الترفيه
قدمت مسك للفنون ومركز إثراء عدداً من الفعاليات والمعارض في المدن الأمريكية تزامناً مع زيارة ولي العهد لها، وذلك إيماناً بأن الفن هو أبرز لغات الحوار بين الثقافات ونقطة التقاء الشعوب، ولقد حرص سموه من خلال معهد مسك للفنون على بحث الفرص التي من شأنها تطوير وتأهيل القدرات والمواهب الوطنية وتعزيز مستقبل الترفيه في السعودية. وشمل ذلك بحث التعاون والشراكات مع رؤساء الشركات الرائدة في صناعة الأفلام والترفيه، ومنها شركة والت ديزني، شركة كولومبيا بيكتشرز، شركة وارنر بروذارز، أستوديوهات أمازون، وشركة سوني بيكتشرز، سعياً لتطوير الجوانب الإعلامية والثقافية في السوق السعودي، ومناقشة دعم الشباب في تطوير المحتوى الترفيهي.

كما التقت مؤسسة مسك الخيرية بالشركات ذات الاهتمام بتقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي وبحث سُبل نقل وتطوير تلك التقنيات والشراكات المستقبلية، وكان من بينها شركة أي إيت ريالتي واستديوهات فيليكس آند باول لتوظيف التقنيات في الصناعة السينمائية. كما نوقشت فرصة التعاون مع فريق كلية الفنون والتصاميم في جامعة جورج واشنطن العريقة، ووقعت مدارس مسك اتفاقية تعاونٍ مع متحف بروكلين لدعم الأعمال الفنية.

قطاعي الثقافة والإعلام
كان لقاء سمو ولي العهد مع مؤسس شركة بلومبيرغ من أبرز اللقاءات في المجال الإعلامي، وشمل اللقاء استعراض ثمار الشراكة بين مسك الخيرية وبلومبيرغ على المستوى العالمي، وتضمن توقيع اتفاقيةٍ يُتوقع أن يستفيد منها أكثر من 200 ألف طالب وطالبة في 30 جامعةٍ سعودية، وأكثر من 250 شركةٍ سعودية.

قام سموه بجولةٍ في متحف الأخبار في واشنطن الذي يعمل على التوعية بدور الإعلام عبر أساليبٍ تفاعلية، ونقل المتحف إحدى جلسات معهد مسك للفنون التي عرضت منظور الفن السعودي لمرحلة النهضة والتغيير. وفي سبيل تنمية الشباب في المجال الإعلامي سعت مسك الخيرية لبناء الشراكة مع نادي الصحافة الوطني (ناشونال برس كلوب) الرائد، وكلاً من معهد سوثبي للفنون ومعهد نيويورك تايمز اللامعان في مجال العلوم الإبداعية ونقلها للأجيال كالفن والصحافة. وفُتح كذلك بابٌ للتواصل مع قناة إن بي سي كأبرز الشبكات الإعلامية لعالمية، وبحث وسائل نقل وتوطين المعرفة الإعلامية إلى المملكة. كما بُحثت فرص إطلاق برامجٍ للزمالة مع مؤسسة سميثسونيان في مجال تصميم الأنشطة الثقافية، وهي من أكبر المؤسسات الأمريكية في إدارة المتاحف والمراكز البحثية.

لم يغب مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) عن الساحة، إذ وقع مذكرة تفاهمٍ مع ناشيونال جيوغرافيك لإثراء المحتوى الثقافي في المملكة، نشر ثقافة المملكة عالمياً، وتنمية الفرص للشباب السعودي، ومذكرةٍ أخرى مع مؤسسة سميثسونيان لوضعٍ آلياتٍ للتبادل المعرفي، عبر إقامة برامج بحثيةٍ مشتركةٍ، تطوير محتوى العمل المتحفي والمعارض، وإتاحة الفرص التدريبية للشباب.

لقد حملت هذه الزيارة عدة اجتماعاتٍ لمشاريعَ تنمويةٍ كُبرى التقى فيها سمو ولي العهد بأكثر من 40 مسؤولاً تنفيذياً استعرض معهم مشاريع نيوم، البحر الأحمر، والقدية وغيرها، وأوضح فيها حرص المملكة العربية السعودية على الاستدامة والاستفادة من أفضل الاستشارات والخبرات التي تُسهم في نماء وازدهار اقتصاد المملكة وتوفير الرفاهية المجتمعية والبيئية. كما أثمرت الزيارة عن شراكاتٍ جديدةٍ، ومنح رخصٍ استثماريةٍ لشركاتٍ أمريكية تصب جميعها في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ومما لا شك فيه هو أنّ هذه الزيارة التاريخية ومنجزاتها تُمثّل تجسيداً واقعياً وخطواتٍ تنفيذيةٍ لتحقيق برامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030 الطموحة.

المصادر:
makkahnewspaper، nationalgeographic، virgin، lockheedmartin،sabq، spa

السعودي العلمي

Comments are closed.