محلات العطارة: هل تكون طريقنا لنوبل؟

بقلم: د. حمد العبرة

تم يوم الاثنين الماضي الإعلان عن جائزة نوبل في مجال الطب وعلم وظائف الأعضاء. جائزة نوبل – خصوصاً في مجالات العلوم البحتة – تعتبر حلمًا لكثير من العلماء بل إن بعضهم يعدّها الجائزة الأرقى، حيث تفتخر الجامعات بل الدول إن نال من ينتسب إلبها هذه الجائزة. في هذا العام منحت الجائزة لوليام كامبل وساتوشي اومورا على اكتشافهما علاجاً جديداً للالتهابات الناجمة عن طفيليات الديدان الاسطوانية، وتقاسمت معهم الصينية تو يويو النصف الثاني من الجائزة لأبحاثها في علاج الملاريا باستخدام الطب الشعبي. ما يثير الاهتمام فعلاً أن يفوز الطب الشعبي بجائزة مرموقة لهذا الحد. هل يعني هذا أن محلات العطارة والمعالجين الشعبيين في بلادنا العربية قد صاروا أقرب للفوز بهذه الجائزة؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال, أود أن أستعرض معكم قصة نجاح تو يويو وكيف قادها الطب الشعبي من الصين إلى أحد أعظم المحافل العلمية, إن لم يكن الأعظم, في السويد.

تو يويو تخرّجت في جامعة بكين الطبية عام 1955 متخصصة في الصيدلة. منذ تخرجها, كرست تو جهدها ووقتها للبحث في الطب الصيني الشعبي، وفي عام 1967 كانت هي وفريقها البحثي جزءًا من المشروع الصيني القومي لمكافحة الملاريا. كان فريقها مكونًا من علماء مختصين في علم الأدوية (Pharmacology) وآخرين مختصين في علم الكيمياء النباتية (Phytochemistry). بدأ بحثهم بفحص أكثر من 2000 عشبة صينية, حددوا منها الأعشاب التي قد تحتوي على مواد تساعد في القضاء على الملاريا. قرابة ال200 عشبة من هذه الأعشاب اثبتت فعاليتها عندما جُرّبت على فئران مصابة بالملاريا لكن النتائج لم تكن ذات نتيجة ايجابية قطعية. مع البحث الدؤوب,  أحد المستخرجات من أحد هذه الأعشاب (Artemisia annua L) أثبت فعالية إلا أن تكرار التجربة عدة مرات لم يعطِ نفس النتيجة.  تو وفريقها لم يفقدوا الأمل بعد, بل قاموا بمطالعة كل ما وقعت عليه أيديهم من المراجع التي تتحدث عن هذه النبتة كي يجدوا الخلل. وجد الفريق ما يبحث عنه في كتاب أثري تم تأليفه قرابة القرن الثالث للميلاد. وجدت تو في الكتاب ما نصه “يتم نقع حفنة من هذه العشبة في ليتري ماء وتُنقى وتشرب كاملة”. استشفّت بطلة القصة من هذا النص أن العشبة لم تكن تُغلى, بناءً على ذلك توقعت أن الحرارة المستخدمة في استخلاص المادة الفعالة قد تؤدي لإفسادها. لذا قامت بإعادة صياغة طريقة استخراج المادة الفعالة لتكون درجة الحرارة فيها أقل. باستخدام طريقتها الجديدة توصلت تو لاستخراج الارتميسينين ( artemisinin ) الذي قادها للمجد. في ذلك الوقت، عام 1972، لم تكن هناك قوانين صارمة للتجارب الاكلينيكية في الصين. لذا تطوعت تو وفريقها ليكونوا أول التجارب البشرية لهذا المستخلص ليتأكدوا من سلامته قبل أن يجربوه على مرضى الملاريا. بعد تأكدهم من فعالية المستخلص, قام الفريق باستخلاص المركب وتنقيته لتحديد صفاته الفيزيائية والكيميائية. بعد ذلك قاموا بنشر نتائجهم كأوراق علمية تُدرس وتُنقد من قبل المجتمع العلمي كافّة. هذه الدراسات قادت إلى إدخال تحسينات على هذا المركب ليكون أكثر استقرارًا وفاعلية. وفي عام 2005, اعتمدت منظمة الصحة العالمية الارتميسنين في استراتيجيتها لمكافحة الملاريا. منذ ذلك الحين, يعود الفضل لتو وطبها الشعبي في انقاذ حياة عددٍ لا يستهان به من البشر خصوصًا الكثير من أطفال افريقيا.

بعد هذه القصة الملهمة, نعود لسؤالنا الأساسي عن إمكانية وجود نموذج عربي ليويو تو. بناء على إحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن 80% من الرعاية الصحية في افريقيا و40% من الرعاية الصحية في آسيا تعتمد على الطب الشعبي. هذا يدل على شيوع الطب الشعبي في هذه المناطق التي من ضمنها منطقتنا العربية. بالنظر للجانب الممتليء للكأس, لا شك أن بعض علاجات الطب الشعبي في العالم العربي اثبتت -حتى وإن لم يكن علميًا-  فعالية جعلت العديد من الناس تعتمد عليها. أحد المشاكل الناجمة عن انتشار استخدام هذه العلاجات أنها فتحت الباب لبعض الدجالين الذين يستخدمون علاجات شعبية ويخلطونها بأدوية حديثة ويقدمونها للمرضى على أنها مستخلصات طبيعية. مشكلة أخرى أن العديد من هذه الأعشاب والعلاجات الشعبية ليست فعالة. فكم سمعنا عن خلطة لعلاج السرطان وأخرى لعلاج السكري وما إلى ذلك. هل الحل أن نستغني عن العلاج الشعبي؟ بالطبع لا. مثل ما تمكنت الصين من خطف أول جوائزها في نوبل للطب عن طريق الطب الشعبي, قد نستطيع نحن أيضًا أن نفعل ذلك. لكن كي نستطيع أن نحقق إنجازات ملموسة في هذا المجال, لابد أن نلجأ للطرق العلمية الصحيحة للتأكد من فعالية هذه الأدوية وسلامتها ولا نكتفي بأخذ التراث دون فحص أو تمحيص. توصيات منظمة الصحة العالمية لضمان جودة فعالية وسلامة العلاجات الشعبية على المستوى المحلي يمكن تلخيصها في ما يلي: في ما يخص هذه العلاجات, لابد من تنظيمها وتسجيلها، ومتابعة سلامتها, ووضع معايير لطرق وتقنيات تقييمها, وأخيرًا وضع تصنيف للنباتات الطبية. قد تكون هيئة الغذاء والدواء قد قامت بتنفيذ هذه التوصيات على أتم وجه ولكن مشكلتنا الأساسية من وجهة نظري تبقى في الوعي الشعبي والتثقيف الصحي. قبل أن نركز على استخراج أدوية فعالة من طبنا الشعبي, لابد من أن نتأكد من عدم قيام مرضى السكر مثلاً بتناول العسل رغبة في العلاج وبحثًا عن البركة في العسل. لا تعارض طبعًا بين هذا وذاك ولكن لابد أن نرتب أولوياتنا. بهذا أعني أن نهتم أولًا  بنشر الوعي في هذا المجال للتفريق بين العلم والخرافة. وربما عندها نجد عربيًا يحصل على جائزة نوبل معتمدًا على تراثنا في الطب الشعبي.

 


المراجع

Tu, Youyou. “The discovery of artemisinin (qinghaosu) and gifts from Chinese medicine.” Nature medicine 17.10 (2011): 1217-1220.

World Health Organization. “WHO traditional medicine strategy 2002-2005.” (2002).

Comments are closed.