موت النحل يرتبط بمستويات المبيدات داخل مستعمراتها

كتابة: طاقم جامعة ميرلاند.
ترجمة : سلمى سلمان.
مراجعة: سلمى الحبشي.

من الملاحظ أن مستعمرات نحل العسل في الولايات المتحدة تموت بمعدلاتٍ عاليةٍ خلال العقد الماضي، وتُعد المبيدات الزراعية المجرم الأساسيّ في قتل النحل بما فيها مبيدات الفطريات، مبيدات الأعشاب الضارة، والمبيدات الحشرية. ومعظم الدراسات العلمية حتى الآن تدرس تأثير كل مبيدٍ على حدة، دون النظر إلى الآثار الفعلية الناتجة عن تعرض مستعمرات النحل لعدة مبيداتٍ في آنٍ واحد.

نُشرت دراسةٌ جديدةٌ تعدّ الأولى من حيث تقييم تأثير تراكم عدة مبيداتٍ داخل مستعمرات النحل في الخامس عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2016مـ، وذلك في دورية نايتشر للتقارير العلمية، ووجد فيها الباحثون أن عدد المبيدات المختلفة داخل مستعمرة النحل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بموت النحل بغض النظر عن جرعتها، وتشير النتائج أيضاً إلى أن بعض مبيدات الفطريات والمُصنفة في كثير من الأحيان بأنها آمنةٌ على النحل، ترتبط بارتفاع معدلات موت المستعمرات.

يقول الأستاذ المساعد في علم الحشرات في جامعة ميريلاند والمؤلف الرئيسي للدراسة وهو دينيس فانينجلسدورب: “تتحدى نتائجنا أحد المبادئ الأساسية لعلم السموم وهو أن الجرعة هي التي تحدد سمّية الأشياء، حيث وجدنا أن عدد المركبات المختلفة يتنبأ بشكلٍ كبيرٍ بموت المستعمرات، مما يوحي بأن إضافة المزيد من المركبات يثبط بطريقةٍ ما قدرة النحل الذاتية على إزالة السموم”.

لقد تتبع الباحثون 91 مستعمرةٍ لنحل العسل يمتلكها ثلاثةٌ من النحالين المتنقلين التجاريين على مدار موسمٍ زراعيٍّ كامل، وبدأت رحلة المستعمرات من ولاية فلوريدا ثم انتقلت إلى الساحل الشرقي، حيث قام النحل بتوفير خدمات تلقيح المحاصيل المختلفة على طول الطريق، كما أمضوا وقتاً في مواقعٍ مخصصةٍ لإنتاج العسل، فضلاً عن “مناطق الانتظار” حيث يقوم النحال بتجهيز أعدادٍ كبيرةٍ من المستعمرات لعقود التلقيح القادمة.

وجد حوالي 93 مركباً مختلفاً من المبيدات طريقه إلى المستعمرات خلال الموسم، وتراكمت في الشمع، حبوب اللقاح المُعلاجة المعروفة باسم خبز النحل، وفي أجساد النحل الحاضنات. وقام الباحثون في كل محطةٍ على طول خط سير النحالين بتقييم ثلاثة معاييرٍ مختلفةٍ داخل كل مستعمرةٍ، وهي العدد الكلي للمبيدات، إجمالي عدد المبيدات “ذات الصلة” والتي تُعَرف بأنها مبيداتٍ فوق الحد الأدنى من السمية، و”حصة الخطر” لكل مستعمرة، وهو مقياسٌ وضعه باحثون آخرون لجمع الخطر الكلي على كل مستعمرةٍ من خلال السمية التراكمية لجميع المبيدات الموجودة.

ارتبطت كلّ المعايير الثلاثة باحتمالٍ أكبرٍ لموت المستعمرة أو نفوق الملكة، ووجد الباحثون إضافةً لذلك ما بين خمسةٍ إلى عشرين نوعٍ مختلفٍ من بقايا المبيدات في كل عينةٍ من خبز النحل التي تجاوزت حد الخطر المسموح بها. وتراكم أعلى عددٌ من المبيدات في مستعمرات النحل في مرحلةٍ مبكرةٍ، أي بعد وقتٍ قصيرٍ من وضع النحالين للمستعمرات في بداية موسم المحاصيل المزهرة مثل التفاح والتوت، ولقد أتاحت محطات إنتاج العسل ومناطق الانتظار للنحل بعضاً من الراحة للنحل من التلوث.

تقترح نتائج الدراسة أيضاً أن يكون لبعض مبيدات الفطريات آثاراً سامةً على نجاة المستعمرات في الحقل، وهي المبيدات التي أدت إلى موت يرقات نحل العسل في التجارب المختبرية، وأظهرت الدراسة الحالية ارتباطُ ارتفاع معدل موت النحل في المستعمرات ببعض المبيدات ذات آليات عملٍ معينة، فالمبيدات الفطرية التي تعطل الاستيرولات على سبيل المثال ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحالات موت الملكات وموت المستعمرات، والاستيرولات هي مركباتٌ ضروريةٌ لنمو الفطريات وبقائها على قيد الحياة.

يقول الباحث ما بعد الدكتوراه في علم الحشرات في جامعة ميرلاند والباحث الرئيسيّ في الدراسة وهو كيرستن تراينور: “لقد فوجئنا بالعثور على هذا الكم الهائل من مبيدات الفطريات داخل خلايا النحل، ولكن الأكثر عجباً هو اكتشاف ارتباطها بموت المستعمرات الوشيك”. ويضيف: “كان من المُعتقد منذ فترةٍ طويلةٍ أن هذه المركبات آمنةٌ للنحل، ولقد اكتشفنا وجودها بجرعاتٍ أعلى من المواد الكيمائية الأخرى التي يضيفها النحّالون مباشرةً إلى المستعمرات للقضاء على عث الفاروا، وذلك أمرٌ يدعو للقلق”.

تستعير الدراسة الحالية أحد المفاهيم المستخدمة في أبحاث السرطان البشري: “الإكسبوزوم “، أو مجموع المواد الكيميائية التي يتعرض لها الكائن الحي طوال حياته، ولكن بدلاً من دراسة كل نحلةٍ بصورةٍ فرديةٍ، درس الباحثون كل مستعمرةٍ على أنها “كائنٌ فائقٌ” يعمل كوحدةٍ واحدةٍ متماسكة.

تتبع الباحثون وفاة الملكات في هذا الإطار بصفته حدثاً يهدد حياة المستعمرة ككل، وتستطيع بعض المستعمرات في بعض الحالات تنصيب ملكةٍ جديدةٍ، ولكن المستعمرة بأكملها ستموت إذا فشلت في ذلك. وفي الدراسة الحالية لم تتأثر الملكات في المستعمرات التي أصيب الشمع فيها بتلوثٍ ضئيلٍ بالمبيدات، في حين أن جميع المستعمرات ذات التلوث العالي بالمبيدات في الشمع فقدت ملكةً على الأقل خلال موسم تربية النحل، وهذه مشكلةٌ كبيرةٌ بالنسبة لمربي النحل حالياً، فإلى وقتٍ قريبٍ كان عمر الملكة يدوم لعامين تقريباً، ويحاول العديد من النحالين التجاريين التغلب على الموت المبكر للملكات بتغيير الملكات كل ربيعٍ في نصف مستعمراتهم على الأقل، ويوضح تاينور: ” لا تزال العديد من الملكات تموت خلال الموسم الواحد حتى مع مثل هذه التدابير”.

لم يجد فريق البحث تأثيراً كبيراً من استخدام المبيدات الحشرية عصبية التأثير، حيث تعتبر هذه المركبات المشتقة من النيكوتين من أكثر مبيدات الحشرات شيوعاً في العالم حالياً، ولقد لقيت اهتماماً كبيراً في وسائل الإعلام لدورها المحتمل في انخفاض نحل العسل نظراً لاستخدامها في كل مكان. ويوضح فانينجلسدورب: ” لم نجد المبيدات الحشرية عصبية التأثير في المستعمرات، وكانت هناك بعض البقايا الضئيلة في عددٍ قليلٍ من العينات ولكنها لا تتساوى مع المركبات الأخرى، ولكن يُحتمل أننا لم نفحص المنظومة المطلوبة، أي أننا لم نختبر الرحيق على سبيل المثال، أو أن المنتج يتحلل أسرع من غيره في عملية التجميع، أو ربما ببساطة لا يشيع استخدام المبيدات الحشرية عصبية التأثير في مرحلة الإزهار”.

يعترف تراينور وفانينجلزدورب بأن المزيد من الأبحاث يمكن أن تكشف عن أنماطٍ جديدةٍ في العلاقة بين المبيدات وصحة نحل العسل، وذلك بسبب تغيّر الممارسات الصناعية منذ أن جمع الباحثون بيانات هذه الدراسة، إلا أنها تقدم بعض الأفكار الهامة للنحالين والمزارعين على حدٍ سواء. ويقول فانينجلزدورب: “علينا البحث عن طرقٍ لخفض كمية المركبات التي يتعرض لها النحل بينما نساعد المزارعين أيضاً على إنتاج محاصيلهم، ويتطلب ذلك فحصاً دقيقاً لخطط الرش للتأكد من أن يقتصر استخدامنا على المنتجات التي نحتاجها وفي الوقت المناسب، وذلك لتقليل عدد المنتجات التي يتعرض لها النحل أثناء تلقيح المحاصيل المختلفة”.

المصدر(ScienceDaily)

المصطلحات:
دورية نايتشر للتقارير العلمية journal Nature Scientific Reports
جامعة ميرلاند University of Maryland
دينيس فانينجلسدورب Dennis vanEngelsdorp
حد الخطر hazard quotient
الاستيرولات sterols
كيرستن تراينور Kirsten Traynor
عث الفاروا varroa mites
الإكسبوزوم exposome
كائنٌ فائقٌ superorganism
المبيدات الحشرية عصبية التأثير Neonicotinoids

السعودي العلمي

Comments are closed.