كيف تكتشف المضطربين شخصياً؟

ترجمة: كاتيا نجم
مراجعة: محمد عبدو

يُعرَف المضطربون شخصياً المعادون للمجتمع باحتيالهم ومراوغتهم، ولكنهم على الرغم من ذلك يخونون أنفسهم بلا وعيٍ، وذلك وِفقاً لعلماءٍ بحثوا عن أنماط أحاديث مجرمين مدانين عندما وصفوا جرائمهم.

أجرى الباحثون مقابلاتٍ مع 52 مجرما مداناً، وكان 14 منهم مصنفين كمضطربين شخصياً ومعادين للمجتمع وِفقاً للائحةِ الاختلال العقلي المنقّحة والتي تقيم عشرين بنداً، كما طلبوا منهم أن يصفوا جرائمهم بالتفصيل.

باستخدام برامج حاسوبية لتحليل ما قاله الرجال، وجد الباحثون أن أولئك الذين المسجلين كمضطربين شخصياً والمعادون للمجتمع أظهروا نقصاً في المشاعر، وتحدثوا بمصطلحات “السبب والتأثير” حينما وصفوا جرائمهم، وركزوا اهتمامهم على الاحتياجات الأساسية مثل الطعام والشراب والمال.

وفقاً للباحث الرئيسي والأستاذ المساعد في التواصل في جامعة كورنيل “جيفري هانكوك”، فإننا جميعاً نمتلك سيطرةً واعيةً على بعض الكلمات التي نستخدمها وبالخصوص الأفعال والأسماء، ولكن ذلك لا ينطبق على معظم الكلمات التي نستخدمها، ومن ضمنها “الـ” التعريف وحروف الجر مثل “إلى” وكذلك زمن الفعل الذي نستخدمه. وقد ناقش عمله في يوم الإثنين الموافق لـ 17 أكتوبر في وسط منهاتن في مركز مؤتمرات جامعة كورنيل.

قال هانكوك: “الشيء الجميل فيها هو أنها تصدر بدون وعي. تستطيع تلك التصرفات غير الواعية أن تكشف الآليات النفسية في ذهن المتحدث حتى وإن كان/كانت غير واعين بذلك.”

 

ما الذي يعنيه أن تكون مضطرباً شخصياً ومعادياً للمجتمع؟
يُشَكِّل المضطربون شخصياً والمعادون للمجتمع حوالي 1% من عموم السكان، وما نسبته 25% من الجناة الذكور في الإصلاحيات الفدرالية وِفقاً للباحثين. كما أن المضطربون شخصياً والمعادون للمجتمع أنانيون بشكلٍ عميقٍ ويفتقرون إلى العاطفة عموماً. كتب الباحثون في دراسة نُشِرَت على الإنترنت في دورية علم النفس القانوني والجنائي: “بمصطلحاتٍ عامة، يبدو أن ضمائر المضطربين شخصياً والمعادون للمجتمع معدومةٌ أو شبه معدومةٍ.”

وِفقاَ لأحد المؤلفين والأطباء النفسيين الذين درسوا الاضطراب الشخصي في جامعة بريتيش كولومبيا “مايكل وودوورث” والذي انضم إلى المناقشة عبر الهاتف: يُعرَف المضطربون شخصياً والمعادون للمجتمع أيضاً بمكرهم وتلاعبهم، ويشكلون أشخاصاً خطيرين عند إجراء المقابلات معهم.

قال وود-وورث: “هذا لا يصدَّق، بإمكانك أن تمضي ساعتين أو ثلاثة وتخرج وكأنك مُنَوَّمٌ مغناطيسياً.”
كما كتب الفريق بأن بينما هنالك أسبابٌ للاشتباه أن طرق كلام المضطربين شخصياً والمعادون للمجتمع لها خصائص مميزة، ولكن الدراسات حولها قليلةٌ.

 

كيف تفضحهم كلماتهم؟
نظر هانكوك وزملاؤه إلى عددٍ من العوامل لفحص المحتوى العاطفي لأحاديث المجرمين، والتي تتضمن مدى تكرار استخدام المجرمين للفعل الماضي في وصف جرائمهم. فمن الممكن أن يكون استخدام صيغة الفعل الماضي مؤشراً للانفصال النفسي، وقد وجد الباحثون أن المضطربون شخصياً والمعادون للمجتمع يستخدمونه بشكلٍ أكبر من صيغة الفعل المضارع عندما قُورِنُوا بغير المختلين. كما وجدوا أيضاً اختلالاتٍ في الطلاقة بشكلٍ أكبر مثل قول “ااممم” و “آآآآ” اللتان تقاطعان الحديث في المضطربين شخصياً والمعادون للمجتمع. تشير اختلالات الطلاقة في الحديث وبشكلٍ شبه عالمي إلى أن المتحدث يحتاج إلى وقتٍ أكثر للتفكير فيما يقوله.
قال هانكوك لموقع لايف ساينس عن المضطربين شخصياً والمعادون للمجتمع: “نعتقد أن استخدام الـ”آآآآ” والـ”ااممم” ما هو إلا وضعٌ لقناع التعقل على كلامهم.”

كتب الفريق الذي تضمن ستيفين بورتر من جامعة بريتيش كولومبيا: يبدو أن المضطربين شخصياً والمعادون للمجتمع يرون العالم والآخرين كأدواتٍ يمتلكونها.

كما تضمنت لغة المضطربين شخصياً والمعادون للمجتمع العديد من الكلمات المعروفة بوصلات العطف الإخضاعية كما توقع الباحثون. هذه الكلمات مثل “لأن، وبالتالي، أو لكي” مرتبطةٌ بجمل السبب والتأثير.
كتب المؤلف: “اقتَرَحَ هذا النمط أن المضطربين شخصياً والمعادون للمجتمع كانوا ميالين إلى اعتبار أن الجريمة هي نتيجةٌ منطقيةٌ لخطةٍ (شيءٌ كان “يجب” حدوثه لتحقيق هدفٍ).”

وأخيراً، بينما يستجيب معظمنا إلى احتياجاتٍ ذات مستوىً أعلى مثل العائلة، والدين أو الروحانية، وتقدير الذات، يبقى المضطربون شخصياً والمعادون للمجتمع أسرىً للاحتياجات المرتبطة بالوجود الأساسي.

كتب الباحثون أن تحليلهم كشف عن أن المضطربين شخصياً والمعادون للمجتمع استخدموا الكلمات المتعلقة بالاحتياجات الفسيولوجية الأساسية والحفاظ على النفس مثل الأكل والشرب والمصدر المالي أكثر بحوالي مرتين عن غير المضطربين.

قال هانكوك: وبالمقارنة، فإن المجرمين غير المضطربين شخصياً والمعادون للمجتمع تحدثوا أكثر عن الروحانية والدين والعائلة، مما يعكس ما قد يفكر به غير المضطربين شخصياً والمعادون للمجتمع بعد ارتكاب الجريمة تماماً.

يهتم الباحثون بتحليل ما يكتبه الناس على فيسبوك أو وسائل التواصل الاجتماعية الأخرى، حيث أن العقل اللا واعي يمتلك سطوةً على ما نكتب. وذلك بتحليلِ قصصٍ كتبها طلاب من جامعة كورنيل وجامعة برتيش كولومبيا ورؤية ارتباط النصوص التي ينشئها الناس باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي (كنبذة عنهم) بمقياس نقاط التقرير الذاتي لميزان الاضطراب الشخصي. وذلك بعكس قائمة التحقق المبنية على مراجعاتٍ موسَعةٍ لملف القضية ومقابلةٍ شخصيةٍ، فإن التقرير الذاتي يكمله الشخص نفسه الذي يجاوب على الأسئلة.

وفقاً لهانكوك، فإن هذا النوع من الأدوات قد يكون مفيداً جداً في تحقيقات منفذي القانون. كما في حالة قاتل لونغ آيلاند المتسلسل، والذي قوضي لإجرامه في حق قتله أربعة بائعات هوى على الأقل وربما أخريات، حيث استخدم هذا القاتل موقع كريغزليست السري للتواصل مع ضحاياه.

قال هانكوك: من الممكن استخدام برمجياتٍ لتحليل النصوص لإجراء “عبورٍ أوليٍ”، مركزاً العمل على التحقيقات البشرية بقوله: “كثيرا ما يخبرك المحللون بشعورهم بأنهم يشربون من خرطوم إطفاء الحرائق.” وأكمل: معرفة ما إذا كان المشتبه به مضطرباً شخصياً بإمكانه التأثير على إجراء التحقيقات والاستجوابات لمنفذي القانون.

 

المصدر (livescience)

جيفري هانكوك Jeffrey Hancock
في جامعة كورنيل Cornell University
دورية علم النفس القانوني والجنائي the journal Legal and Criminological Psychology
ستيفين بورتر من جامعة بريتيش كولومبيا Stephen Porter from the University of British Columbia

Comments are closed.