ما هي حقيقة مقارنة الأدمغة بالحواسيب؟

كتابة: إلينا بلانكو سواريز.
ترجمة: هيفاء الشهري.
مراجعة: سعاد السقاف.

هناك استعارةٌ شائعةٌ جدًا تقارن الحواسيب بالأدمغة على الرغم من فشلها في تصوير مدى تعقيد أدمغتنا، ويستخدمها أريك شودلير في مقاله لعلوم الأعصاب للأطفال سعياً منه لتبسيط الأمور. فعلى سبيل المثال، قد تتعرض الأدمغة والحواسيب للعطل، لكن هناك اختلافٌ جوهريٌ في طريقة إصلاح كلٍ منهما، فكل ما تحتاج فعله لإصلاح الحاسوب هو استبدال بعض القطع التالفة، وهذا الأمر لا يمكن تطبيقه على الأجزاء المعطوبة في الدماغ للأسف.

المستوى التالي
أخذ علماء جامعة كاليفورنيا في بيركلي وجامعة نورث وسترن في شيكاغو هذه الاستعارة للمستوى الذي يليه في مقالهم بعنوان: “هل يمكن لطبيب الأعصاب فهم المعالجات الدقيقة؟”، وكان هدفهم تحدي الاحتمالية القائلة بأن تقنيات علم الأعصاب الحالية هي التقنيات المثلى لكشف آلية عمل الدماغ. وحللوا المعالجات الدقيقة كما لو كانت دماغاً لعمل ذلك، وجُمعت البيانات باستخدام أدوات علم الأعصاب القياسية لمعرفة ما إذا كان باستطاعتهم استنتاج الطريقة التي تعالج بها الآلة المعلومات، تماماً كما يقوم علماء الأعصاب بتحليل مجموعات البيانات الكبيرة لاستجلاء آليات عمل الدماغ.

استخدم العلماء ثلاثة ألعاب فيديو يعرفها جميع أطفال الثمانينات وهي: دونكي كونج، غزاة الفضاء، وبيتفول، وسيكون المساوي الأحيائي للمعالج الدقيق هو الفأرة، وسيكون لكلّ لعبةٍ من ألعاب الفيديو الثلاثة نمطٌ سلوكيٌ مختلفٌ، ويجادل الباحثون بأن هناك أوجه تشابهٍ كافيةٌ لتبرير الدراسة، على الرغم من إقرارهم بمحدودية مقارنة المعالجات الدقيقة مع دماغ كائنٍ حيٍ: حيث أن كلاً من الدماغ والمعالج الدقيق يتكونان من وحداتٍ صغيرةٍ مترابطةٍ يمكن تمييزها وفصلها ودراستها بشكلٍ منفرد، وقارنوا كذلك بين بنية المعالجات الدقيقة مع بنية الدماغ، حيث نجد أنها تتكون من داراتٍ كهربائيةٍ معقدةٍ مقسمةٍ إلى دارات أصغر، بينما يحتوي الدماغ على الكثير من الخلايا العصبية التي ترتبط ببعضها عن طريق مشابكها العصبية. إن المعالجات الدقيقة أبسط من الدماغ بمراحل عدة بالطبع، إذ يتطلب الدماغ طرقاً معقدةً لإنتاج الطاقة التي تحتاج إليها كل خلية على سبيل المثال، وهو مكونٌ من داراتٍ معقدةٍ لا نزال لا نفهمها تماماً.

استخدام بروتوكولات علم الاعصاب لدراسة المعالجات الدقيقة
استخدم الباحثون بروتوكولاً لدراسة بعض الخصائص المتنوعة للمعالج الدقيق إم أو إس 6502، وهو نموذجٌ مفهومٌ جيداً، واستطاعوا تحديد أنواع الترانزستورات داخل المعالج الدقيق وطرق الاتصال بينها، بشكلٍ مشابهٍ لما سيُطبّق على الدماغ، وذلك باستعمال طريقةٍ شرحوها في احدى مقالاتهم السابقة، ولقد وجدوا نوعاً واحداً من الترانزستور في المعالج الدقيق، إلا أنه كان من المستحيل على أية حال استنتاج الطريقة التي يعمل بها المعالج بمجرد النظر إلى طرق الاتصال.

إنّ تطبيق هذه الطريقة على الدماغ في علم الأعصاب سيكون أصعب، حيث يتكون الدماغ من أنواعٍ مختلفةٍ من الخلايا والأجزاء الأخرى كالقنوات، المشابك العصبية، والنواقل العصبية التي يجب أخذها بعين الاعتبار. ولقد ذكر الباحثون أهمية دراسة طرق الاتصال، كما أكدّوا أيضاً على عدم وجود خوارزميات لتحديد وظائف بعض مناطق الدماغ، وبالتالي يصعب فهمه من خلال تحليل طرق الاتصال فقط.

درس الباحثون التأثير على مستوى الأداء في اللعبة عند إزالة ترانزستور واحدٍ أو أكثر من المعالج، وهذا مشابهٌ لما نقوم به في المختبرات عند إزالة مورّثٍ معيّنٍ لدراسة تأثيره المحتمل، وحُدّد دور كل ترانزستور لكل لعبةٍ من ألعاب الفيديو المستخدمة، لكنهم لم يستطيعوا تعميم هذه الأدوار على بقية الألعاب دون إجراء المزيد من التحليلات. ووفقًا للباحثين، ترتبط هذه النتائج بعلم الأعصاب من ناحية أنه من غير المحتمل التسبب في سلوكٍ معينٍ دون التفاعل بين داراتٍ/مناطق مختلفةٍ في الدماغ، وعاينوا في المقال في الجوانب الأخرى من الترانزستور، وعلى الرغم من التوصل لنتائج ضروريةٍ ومثيرةٍ للاهتمام من مجموعات التجارب المختلفة التي أُجريت لدراسة الترانزستورات، إلا أن أيّ تجربة لم تتمكن من تقديم فهمٍ كاملٍ للطريقة التي يقوم بها المعالج إم أو إس 6502 بمعالجة المعلومات لوحدها.

أساليبٌ أفضل.. لاستنتاجاتٍ أفضل
لا يمكننا أن ننسى أن الدماغ يمتلك مرونةً يقدر على إصلاح نفسه وتعويض الأجزاء التالفة أو غيرها من الأمور، والتي لا يستطيع المعالج إم أو إس 6502  القيام بها، وهذا يجعل البيانات التي نحصل عليها من المعالج أوضح وأبسط من تلك التي نحصل عليها عند إجراء التجارب على دماغ الكائن الحي.

إذاً، هل يمكن حقاً لعلماء الأعصاب أن يفهموا المعالجات الدقيقة حقاً؟ تقول الدراسة أنه من الممكن فعل ذلك إذا ما استخدمنا طرقاً مختلفةً لفعل ذلك، وأن اختبار المعالجات الدقيقة قد يوفر بعضاً من الإثبات، ولكن ربما لا ينبغي لنا اعتبار هذه الدراسة بمثابة تأكيدٍ أو دحضٍ لقيمة استخدام علم الأعصاب في فهم المعالجات الدقيقة، أو حتى لإدراك قيمة طرق علم الأعصاب الحالية، بل يمكن اعتباراها دليلاً إضافياً على أن الحواسيب ليست كالأدمغة، مما يجعلنا بحاجةٍ إلى استعارةٍ أفضل بالتأكيد.

المصدر (PsychologyToday)

المصطلحات:
جامعة كاليفورنيا بيركلي UC Berkeley
جامعة نورث وسترنNorthwestern University
دونكي كونج Donkey Kong
غزاة الفضاء Space Invaders
بيتفول Pitfall
المعالج الدقيق microprocessor
الترانزستورات transistors

السعودي العلمي

Comments are closed.