الشبكات الذكية: التقنية التي ستغير مستقبل الطاقة

هذا المقال برعاية المؤتمر السعودي التاسع للشبكات الذكية.

كتابة: فريق التحرير بمؤسسة السعودي العلمي.

يُعد توافر الكهرباء أمراً أساسياً للحياة الحديثة، فهي المشغّل الرئيسي الذي يقفُ خلف أغلب مظاهر التطور الحضاري الذي نعيشه، بدءاً من إنارة شوارعنا ومنازلنا وتبريدها صيفاً وتدفئتها شتاءً، ومروراً بتشغيل الأجهزة والمصانع والمزارع والمستشفيات، كما أنها القلب النابض لكلّ ما يتعلق بالثورة الرقمية والمعلوماتية من شبكات الإنترنت والحواسيب والهواتف المحمولة ونحوها.

يُمكن وصف الكهرباء في جوهرها بأنها معجزة الأمس واليوم وحتى الغد، فمنذ أن اكتشف العالِم البريطاني مايكل فاراداي مبادئ توليدها الأساسية عبر “الحث الكهرومغناطيسي” عام 1831مـ وهي تمر بتطوراتٍ مختلفةٍ، سواءً في طرق توليدها، نقلها، وتوزيعها، وتهدف جميع مساعي تطويرها إلى توفير الكهرباء بشكلٍ آمنٍ وعلى نطاقٍ أوسع وبأسعارٍ معقولة للجميع.

بدأت محطات الكهرباء في تغذية المدن باستخدام مبدأ فاراداي للحث الكهرومغناطيسي ، ولا زالت هي الطريقة المستخدمة إلى اليوم في معظم محطات توليد الطاقة، حيث ترسل الشبكات الكهربائية التقليدية الطاقة الكهربائية في اتجاهٍ واحدٍ من محطة توليد الكهرباء إلى المستهلكين. وظلّ استخدام الفحم كموّلدٍ أساسي للطاقة الكهربائية لفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ في القرنين العشرين والواحد والعشرين، تلاها استخدام الغاز الطبيعي، والطاقة النووية، وبرزت اليوم الطاقات المتجددة كمصدرٍ مهمٍ لتوليد الطاقة الكهربائية.

لقد كان قياس الطاقة الكهربائية المُستهلكة القضية الأبرز في القطاع أثناء أواخر القرن التاسع عشر، حيث حصل صموئيل غاردنر على براءة اختراع لأول عدادٍ كهربائي في عام 1872مـ، بينما حصل هيرمان آرون في عام 1883م على براءة اختراع لعداد الكهرباء الساعي الذي أظهر كمية الطاقة المستخدمة في سلسلة من عقارب الساعة. ولقد أصبح العداد الذي قدمه مهندس شركة جنرال إلكتريك إليهو طومسون في عام 1889م شائعاً جداً، وسمح لمحطات توليد الكهرباء بقياس كمية الكهرباء المُقدمة للعميل.

أما في بداية القرن العشرين، استعرت حرب التيارات الشهيرة بين نيكولا تيسلا وشريكه جورج ويستينجهاوس اللذان ناصرا استخدام ونشر التيار المتردد من جهةٍ، وتوماس إديسون صاحب شركة جنرال إلكتريك الذي ناصر استخدام التيار المستمر من جهةٍ أخرى. واجه التيار المستمر مشكلةً جوهريةً منعت انتشاره صناعياً على نطاق كبيرٍ، وهي أن قوته وجهده ينخفضان عند نقله لمسافاتٍ طويلةٍ، ما يعني أنه سيكون من الضروري بناء عدة محطاتٍ لتوليد الكهرباء لتغذية مدينةٍ واحدةٍ، وهو أمرٌ صعب التحقيق مالياً وتطبيقياً. وأدى هذا في النهاية إلى انتصار التيار المتردد في هذا الصراع التاريخي، وانتشار استخدامه لتشغيل المصاعد والحفارات والمضخات والمصانع، ما قاد مولدي الطاقة إلى بناء الشبكات الكهربائية باستخدام تقنياتٍ مصممةٍ خصيصاً لتوليده وتوزيعه.

مع زيادة الطلب على الشبكات الكهربائية في أواخر القرن العشرين، كان السعي حثيثاً للبحث عن طرق إدارة الأحمال القصوى، ودراسة فترات الذروة وتشجيع العملاء على تحويل استهلاكهم إلى فتراتٍ غير الذروة. كانت أجهزة قراءة العدادات التي نُشرت في السبعينيات بداية العدادات التي قدمت المعلومات إلى المحطات الكهربائية، ونشأت فيما بعد تقنية مراقبة المستشعرات ونقل البيانات وفق هوية المتصل. وتوالت التقنيات على مدار أكثر من قرنٍ من التطور لتشكل أسس بناء شبكةٍ كهربائية أكثر أماناً وكفاءة وموثوقية لتكون بذلك “شبكةً ذكيةً”.

ما هي الشبكة الذكية؟
الشبكة الكهربائية الذكية هي عبارةٌ عن تكاملٍ بين شبكة توزيع الكهرباء، وأنظمة المعلومات، وأجهزة القياس، وتوفر جريان الكهرباء من المورّد (شركة الكهرباء مثلاً) إلى المستهلكين والعكس، من خلال شبكة توزيع الطاقة وباستخدام التقنيات الرقمية ثنائية الاتجاه. ويملك المورّد القدرة على التواصل مع الأجهزة الكهربائية للمستخدم النهائي وجمع المعلومات منها أو التحكم بها، ما يمكنه من التنبؤ بزيادة الطلب خلال ساعات الذروة والعمل على تحقيق التوازن بين العرض والطلب بشكلٍ أفضل.

تتضمن مكوّنات الشبكة الذكية نظام مراقبة ذكي يتتبع تدفق الكهرباء في النظام، واستخدام خطوط نقل فائقة التوصيل لتقليل فقد الطاقة، بالإضافة إلى إمكانية دمج مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ووصلها بالشبكة الكهربائية من طرف المورد والمستهلكين أيضاً. ويمكننا تعريف الشبكة الكهربائية الذكية باختصار بأنها تطويرٌ للشبكة الكهربائية ودمجها مع شبكة اتصالاتٍ محوسبةٍ ثنائية الاتجاه، ما يتيح دمج التقنيات وأنظمة التحكم الجديدة في منظومة الطاقة بسهولة.

تسعى العديد من الحكومات اليوم إلى الترويج لشبكات الكهرباء الذكية كوسيلة لمعالجة موثوقية الطاقة، الاحتباس الحراري، والقدرة على التكيف مع حالات الطوارئ.

هل تواجه الشبكات الذكية أية تحدياتٍ؟

الشبكات الذكية واسعةٌ في نطاقها، فهي تتضمن عناصر وأدواتٍ تتكامل مع بعضها البعض، وهذا يفرض معاييرَ وتحدياتٍ كثيرةٍ ومعقدةٍ للغاية، يؤخذ على رأسها مسألة التنظيم وتحديد الأولويات في بناء شبكةٍ ذكيةٍ تُحقق جميع الأهداف التشغيلية والبيئية والاقتصادية المرجوّة منها. ومن هذه التحديات:

  • قلة الوعي: لا زال أمامنا طريقٌ طويلةٌ حتى تتوفر المعايير الناضجة والممارسات الأمثل التي يُمكن تطبيقها لتسهيل تفعيل الشبكات الذكية، حيث يحتاج القائمون على تصميم أنظمة الشبكات الذكية إلى إرشاداتٍ تنظيميةٍ واضحةٍ وفاعلِة لتبنّيها أثناء عملية التصميم.
  • المعايير الدولية: تبدو المعايير التي تطورها بعض الجهات في بعض الحالات مثاليةً ومتوافقةً، ولكن لا يُمكن تطبيقها على أرض الواقع دائماً، حيث أن كل جهة تطور معاييرها وُفقاً لمنظورها ومصالحها الخاصة، وقد تكون هذه المصالح والأسباب إقليمية أو محليةً، مما يعني أنها لن تتوافق مع أيّ محيط مختلفٍ في الظروف.
  • التحديات الفنية: تتكون الشبكة الكهربائية من عددٍ كبير من العقد الموزعة والمرتبطة التي تشتغل فورياً، وإن تحديد المكان الذي يجب أن تضاف إليه العناصر الذكية هو أمرٌ بالغ التعقيد. فالشبكة الذكية تمثل تحدياً فنياً يتضمن البنية التحتية لتقنية المعلومات والبنية التحتية الكهربائية، مما يتطلب معالجة معايير “الاتصال” الحالية لكلا الجانبين بشكلٍ متزامنٍ.
  • قابلية التشغيل المشترك: يتمثل التحدي في دمج الأجزاء من مجموعة متنوعة من مقدمي الخدمات المختلفين في جميع أنحاء العالم، فهناك حاجة كبيرة لوضع معايير التشغيل المشترك والتركيز على أوجه التداخل الرئيسية بدلاً من المواصفات الفنية التفصيلية لخلق مساحة من الحرية والابتكار، ولإتاحة إمكانية شراء معداتٍ من جهاتٍ مختلفة يمكنها أن تتوافق وتعمل مع بعضها البعض في نفس الوقت.

إنّ الوصول إلى حلولٍ لهذه التحديات يسهّل تحقيق تناغمٍ بين عناصر الشبكة على المستوى الإداري والمادي، بحيث تُعرف المعلومات الأساسية وكيفية توجيهها على مستوى إدارة الأنظمة، وطريقة نقل المعلومات على المستوى المادي (الأسلاك والكابلات والإنترنت والواي فاي).

__________________________________

هذا المقال هو الجزء الأول من حملة التعريف بالشبكات الذكية ضمن سلسلة الثورة الصناعية الرابعة، ويأتيكم بشراكةٍ إعلاميةٍ مع المؤتمر السعودي التاسع للشبكات الذكية، والمقام في مدينة جدة ما بين 10 -12 ديسمبر. ولمعرفة المزيد عن المؤتمر والتسجيل لحضوره تفضلوا بزيارة الموقع الإلكتروني للمؤتمر.

المراجع:

1-  Live Science.

2- Assignmentpoint.

3- International Electrotechnical Commission.

4- Physics World.

السعودي العلمي

Comments are closed.