المورثات المسؤولة عن السرطان تنتشر إلى خارج الكروموسومات

كتابة: مايك ميكري.
ترجمة: غدير بخاري.
مراجعة: سحاب أحمد الذايدي.

مرض السرطان خطيرٌ جداً، و يعود جزءٌ كبيرٌ من ذلك إلى قدرة الأورام السرطانيّة المختلفة على تطوير نفسها لتجاوز أفضل الطرق العلاجيّة، ولقد توصل الباحثون إلى سبب امتلاك بعض السرطانات لهذه الموهبة، وهو أنها تخزن نُسخاً من المورّثات خارج كروموسومات الخليّة حيث لا تسري عليها قواعد اللعبة.

يلتف معظم الحمض النووي منقوص الأكسجين مكوناً جزيئاتٍ فائقة الطول تُعرف بالكروموسومات، ويملك الإنسان ٤٦ كروموسوم (٢٣ زوجاً) تتضاعف وتتوزّع بشكلٍ متساوٍ مع كلّ عملية انقسامٍ خلويّ. بينما يوجد بعض الحمض النووي منقوص الأكسجين الحلقيّ الشكل داخل عضيّاتٍ خلويةٍ تسمى الميتوكندريا، والّذي يتضاعف ويتوزع بشكلٍ متساوٍ أيضاً.

يحدث في بعض الحالات النّادرة أن يُعثر على الحمض النووي خارج الكروموسوم وهو يطفو داخل الخليّة، وعلى الرغم من أن هذه الأجزاء الحلقية من الحمض النووي منقوص الأكسجين تكون قصيرةً عادةً، إلا أنها يمكن أن يصل حجمها إلى أكثر من 20 ألف قاعدةٍ نيتروجينيّة، وتحتوي على تسلسلاتٍ متكررةٍ منسوخةٍ من الكروموسوم غالباً، ومع أن دورها محط كثيرٍ من التخمين، إلا أن المُرجح هو أنه متعلقٌ بالمساهمة في الحفاظ على استقرار بقية المكتبة الوراثية.

لوحظ تواجد الحمض النووي خارج الكروموسوم في بعض أنواع الأنسجة السرطانيّة منذ عام 1960مـ، إلا أنّ أدوات القياس المستخدمة آنذاك لم تكن دقيقةً بشكلٍ كافٍ لمعرفة مدى انتشاره إلى وقتٍ قريب. ففي عام 2014 مـ، توصّل الباحث بول ميشيل من معهد لودويغ لأبحاث السّرطان إلى أنّ الحمض النووي خارج الكروموسوم يلعب دوراً أساسياً في مقاومة نوعٍ من الأورام الدماغيّة المعروف بالورم الأرومي الدبقي لبعضِ العلاجات.

يهدف الباحثون إلى معرفة آلية عمل المورّث المسبب للسرطان عند دراسة مقاومة السرطانات، دون اهتمامٍ بمعرفة موقع المورث، فيما تُشير دراسة ميشيل إلى أن معرفة مكان المورّث يوازي في الأهمية معرفة آلية عمله. حيث يقول: “بعد أن نشرنا ما رصدناه في عام 2014مـ، تبين لنا أن الحمض النووي خارج الكروموسوم هو أكثر شيوعاً وترابطاً مما اعتقده أي شخصٍ من قبل”، وأجرى ميشيل وفريقه دراسةً حديثةً حللوا فيها بضعة آلافٍ من الخلايا المأخوذة من 117 سلالةٍ خلويةٍ ورميةٍ من المرضى، وعشرة سلالاتٍ خلويةٍ سليمةٍ أخرى، بالإضافة إلى ثمان عيناتٍ سليمةٍ أُخذت من متطوعين آخرين.

اكتشف ميشيل وفريقه وجود الحمض النووي خارج الكروموسوم في 40% إلى 90% من عينات السلالات الخلوية السّرطانية، والتي حُلّلت باستخدام مجموعةٍ من أدوات النمذجة والأدوات السريرية التي تستخدم في مجالاتٍ مختلفةٍ كالوراثة الجزيئية، علوم الجينوم، وتقنية المعلومات الحيويّة، ومن المثير للاهتمام أنّ الحمض النووي خارج الكروموسوم لم يتواجد في أيّ من عينات الخلايا السليمة.

تمثلت الخطوة التالية في دراسة مكونات الحلقات الطافية من الحمض النووي منقوص الأكسجين داخل الخلية، فوجد الباحثون المورّثات التي ترتبط عادةً بهذه الأنواع من الأورام مشفرةً في الحمض النووي خارج الكروموسوم، وذلك عبر مسح تسلسل الجينوم للخلايا السرطانيّة وتطبيق أداة المسبار الجزيئي المسماة بالتهجين الموضعي الفلوري. وتُعرف المورّثات ذات القدرة على التحوّر والمساهمة في تشكيل السرطان بالمورّثات الورمية.

تختلف طريقة الحمض النووي خارج الكروموسوم عن الحمض النووي الكروموسومي والحمض النوويّ الموجود في الميتوكندريا، إذ لا يتبع قواعد التوزيع المعتادة أثناء انقسام الخلية الأم، فالخلية الوليدة يمكن أن تستولي على كامل الحمض النووي خارج الكروموسوم أو القليل منه، أو لا ترث شيئاً منه على الإطلاق. ولقد اُستخدمت نماذج حاسوبيّةٌ لمحاكاة طرق توزيع الحمض النووي خارج الكروموسوم خلال الانقسام الخلويّ للخلايا السرطانيّة، حيث يصبح الورم السرطانيّ كيساً مختلطاً يحوي أنواعاً مختلفةً من الخلايا، وذلك عن طريق التوزيع غير المتساوٍ للمورّثات الورمية.

يُمثل هذا التنوع درعاً للسرطان، فهو يشير إلى أن هذه السرطانات وجدت طريقةً للالتفاف على القيود المفروضة على الطريقة المعتادة التي تتوزع بها المورّثات على الكروموسومات، وتمتلك الخلايا ذات التركيبة الصحيحة من المورثات فرصةً أكبر لمقاومة وابل السموم المستخدمة في العلاج الكيميائي العامل على إبطاء النمو السريع للأورام. إن امتلاك جميع الخلايا للمزيج نفسه من المورّثات يشبه شراء مئة تذكرةٍ من تذاكر اليانصيب بنفس الأرقام. وبعبارةٍ أخرى، بينما تموت معظم الخلايا، فيمكن للخلايا القليلة ذات “الأعداد المحظوظة” أن تعيش.

يوضح ذلك ميشيل لموقع ذا ساينتست بقوله: “وجدنا أن المورثات الورمية في الحمض النووي خارج الكروموسوم يمكن أن تصل إلى مستوياتٍ عالية، وأن تحافظ على تلك المستويات مدةً أطول مما لو كانت في الكروموسومات”. ومعظم عمليات البحث التي تُجرى حاليًا عن المورثات الورمية المرتبطة بالمقاومة لن تلتقط التسلسلات المخفية في الحمض النووي خارج الكروموسوم.

إنّ من شأن معرفة دور هذه الحلقات المتسكعة من الحمض النووي منقوص الأكسجين في تطوّر السرطان أن يزودنا بطرقٍ أفضل لصنع أدواتٍ تشخيصيةٍ وتنبؤيةٍ فعّالة، لذلك فالخطوة القادمة لميشيل وفريقه هي تحديد الآلية التي تستخدمها الأورام السرطانيّة للحفاظ على الحمض النووي خارج الكروموسوم، وبالتالي الوصول إلى علاجاتٍ أفضل تجعل من حربنا مع السرطان عادلةً على الأقل. ولقد نشر البحث في دورية نايتشر.

المصدر (Sciencealert)

المصطلحات

المورّثات Genes
الكروموسومات Chromosomes
الحمض النووي منقوص الأكسجين DNA
الحمض النووي منقوص الأكسجين الحلقي Circular DNA
الميتوكندريا mitochondria
الحمض النووي خارج الكروموسوم Extrachromosomal DNA (ecDNA)
بول ميشيل Paul Mischel
معهد لودويغ Ludwig Institute
الورم الأرومي الدبقي Glioblastoma
السلالات الخلوية   Cell lines
المسبار الجزيئي Molecular probing
التهجين الموضعي المتألق Fluoro in-situ hybridization
ذا ساينتست The Scientist

السعودي العلمي

Comments are closed.