رحـلة الإنسـان: أعظـم الرحـلات – الجزء الثالث

ترجمة: علي الزهراني
مراجعة: فارس بوخمسين

هذا هو المقال الثالث من سلسلة “رحلة الإنسان”، وبالإمكان الإطلاع على المقال الأول هنا والمقال الثاني هنا.

يختص سكور في سكن الإنسان للأمريكيتين، وهو أحد الفصول الأخيرة والأكثر إثارةً للجدل في قصة الإنسان. ويبدو أن الموضوع يستجلبُ نظرياتٍ عجيبةٍ (مثل أن الأمريكيون الأصليون هم نسل بني اسرائيل القديمة أو حضارة أطلنطس المفقودة)، وأيضاً تلك النظريات المصبوغة بالأجندة السياسية. فعلى سبيل المثال، تم الاستدلال على أن الأمريكيين الأوائل قد جاؤوا من شمال أوروبا بسبب الملامح القوقازية لجمجمةٍ عمرها ٩,٥٠٠ سنة من ولاية واشنطن تدعى رجل كينويك.

إن معظم العلماء يتفقون على أن الأمريكيين الأصليين الموجودين اليوم ينحدرون واقعاً من آسيويين قدماء عبروا سيبيريا إلى ألاسكا في العصر الجليدي الأخير، عندما كشف مستوى سطح البحر المنخفض جسراً برياً بين القارات. لكن هناك الكثير من الجدال حول موعد قدومهم ومكان نشأتهم في آسيا.

Picture1

كان يُعتقد على مدى عقودٍ بأن الأمريكيين الأوائل قدموا قبل نحو ١٣,٠٠٠ عاماً عندما تراجع العصر الجليدي فاتحاً الطريق خلال الجليد الذي يغطي كندا. لكن بعض علماء الآثار يدّعون أن لديهم دليلاً على القدوم في وقتٍ سابقٍ لذلك، ولقد صمد موقعين مبكرين أمام الانتقادات المتكررة وهي: مأوى ميدو كروفت في بنسلفانيا، والذي يُعتقد الآن أنه بعمر ١٦,٠٠٠ سنة تقريباً، وجبل مونتي فيردي في جنوب تشيلي، بعمرٍ أكثر من ١٤,٠٠٠ سنة.

قد يساعد الحمض النووي للأمريكيين الأصليين الأحياء في تسوية بعض النزاعات. فمعظمهم يحمل علاماتٍ تربطهم بشكلٍ قاطعٍ لآسيا. وهي نفس العلامات التي تتجمع في الناس الذين يسكنون اليوم منطقة ألتاي في جنوب سيبيريا، مما يقترح أنها كانت نقطة البداية لرحلةٍ عبر الجسر البري. وحتى الآن، لا تُظهر الأدلة الجينية ما إذا كانت الأمريكيتين الشمالية والجنوبية قد سُكنتا في هجرةٍ مبكرةٍ واحدة أو في موجتين أو ثلاث موجات منفصلات، وتقترح حداً تقريبياً من التواريخ بين ١٥,٠٠٠ و٢٠,٠٠٠ سنة.




إن أصغر هذه التواريخ هو أقدم حتى من تاريخ افتتاح طريقٍ بريٍ خلال الجليد الكندي. إذاً كيف وصل أوائل الأمريكيون إلى هنا؟ من المحتمل أنهم سافروا على طول الساحل: لعل بضع مئاتٍ من الناس تنقلوا من منطقة معيشية إلى التالية، بين محيطٍ مثلجٍ وجدارٍ ظاهرٍ من الجليد. يقول ويلس: “من الممكن أن الطريق الساحلي قد كان أسهل الطرق، ومع ذلك يا لها من رحلة”. أما وراء الأنهار الجليدية تعيش قطعانٌ ضخمةٌ من البايسون والماموث وحيواناتٌ أخرى على قارةٍ بريئةٍ من الضواري الذكية الأخرى. وانتشر الناس الى رأس أمريكا الجنوبية في أقل من ألف سنة، مدفوعين بالنمو السكاني أو مشدودين بإغراء الصيد.

يقول جودي هاي وهو عالم الجينات السكانية بجامعة روتجرز: إن جينات الأمريكيين الأصليين اليوم تساعد على استحضار ملحمة أسلافهم إلى الحياة. ولكن الكثير من أحداث القصة يمكن فقط تخيله. وأضاف: “لا يمكنك أن تعرف ذلك لثروة ما قد حدث.” فمع استقرار الأمريكيتين، أحتل الإنسان الحديث معظم العالم. وعندما أبحر المستكشفون الأوروبيون قبل ٧٠٠ سنةً كانت الأراضي التي اكتشفوها ممتلئةً بالناس. كانت اللقاءات غالباً حذرةً أو عنيفةً، لكنها كانت إعادة لم شملٍ لعائلةٍ مترابطة.

لعل أروع قصة مخبأة في جيناتنا هي أنه عندما تتفكك العُقٓد المتداخلة لجيناتنا المتنوعة عالمياً اليوم، فإنها ستقودنا جميعاً الى أمسٍ قريبٍ معاً في أفريقيا.

المصدر (nationalgeographic)

كينويك: Kennewick
ميدو كروفت في بنسلفانيا:  Meadow-croft Shelter in Pennsylvania
مونتي فيردي في جنوب تشيلي:  Monte Verde in southern Chile
جودي هاي: Jody Hey
عالم الجينات السكانية: population geneticist
جامعة روتجرز Rutgers University

السعودي العلمي

Comments are closed.