فرنسا تحظر استخدام الشوك والأطباق البلاستيكية، فماذا بعد؟

كتابة: ريبيكا روب.
ترجمة: رزان الرفاعي.
مراجعة: خولة سلطان.

في فلم “الخريج” الصادر عام 1967مـ، قال دستن هوفمان المرتبك كلمةً واحدةً عن مستقبله من صديق للعائلة وهي: “بلاستيك”، لم يكترث هوفمان لهذه الكلمة، وهذا أمرٌ مبررٌ، فالبلاستيك الذي أعطانا الكثير هو سلاح ذو حدين.

أصبحت فرنسا الدولة الأولى في العالم التي تفرض حظراً على استخدام أدوات المائدة البلاستيكية، وسيستبدل المتنزهون الفرنسيون الأطباق، الأكواب، وأدوات المائدة بأدواتٍ أخرى مصنوعةٍ من مركبّاتٍ حيويةٍ أو من السماد بحلول عام 2020مـ، أو ربما سيعودون لاستخدام الأغصان والسلال والرزم التي تحتوي على أوانٍ صينيةٍ قابلةٍ لإعادة الاستخدام، وكذلك الأواني الفضية وكؤوس النبيذ، وأكواب قهوة ما بعد العشاء.

لقد أُنتجت كمياتٌ هائلةٌ من البلاستيك منذ أربعينيات القرن الماضي، وكتبت في هذا الشأن جيسيكا كنوبلاخ في صحيفة أخبار الصحة البيئية إنّ كمية البلاستيك المُنتج في العقد الأول فقط من القرن الحادي والعشرين يُعادل ما أُنتج في القرن العشرين بأكمله تقريباً. وتقول سارا كابلن في “واشنطن بوست” أن الإنتاج العالمي بلغ ما يقارب من 300 مليون طنٍ متريٍّ من البلاستيك في عام 2014مـ، ومن المتوقع أن يتضاعف الإنتاج لثلاثة أضعافٍ بحلول عام 2050مـ.
يُمثل هذا القانون فرعاً من القانون الفرنسي الذي سُنّ في عام 2015مـ والمُسمى بـ”قانون تحوّل الطاقة من أجل النمو الأخضر”، وهو مبادرةٌ شاملةٌ “ستجعل فرنسا مثالاً يُحتذى به، وذلك من خلال تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، تنويع نماذج الطاقة، وزيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة” على حدّ وصف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. وسيُزيل بحركةٍ واحدةٍ ما يقارب من خمسة مليارٍ من الأكواب البلاستيكية التي يرميها الفرنسيون سنوياً في مكبات القمامة، ويأتي هذا الحظر بعد القانون الذي حظر استخدام الأكياس البلاستيكية، حيث تشمل خطة فرنسا استبدال انتاجها السنوي في عام 2017مـ والبالغ 17 مليار كيس بلاستيكي بأخرى قابلةٍ للتحلل مصنوعةً من مزيجٍ من البلاستيك والبطاطس أو نشا الذرة.

إنّ البلاستيك مادةٌ رائعةٌ بلا شك وله الكثير من التطبيقات، فهو يدخل في صناعة كل شيءٍ بدءاً من الحواسيب وحتى أرضيات المطابخ، دمى الباربي، الخوذ التي نرتديها عند ركوب الدراجات، ممتص الصدمات في السيارة، وأكياس الدم. ويُنتج في الولايات المتحدة حوالي 50 مليار قارورة ماءٍ سنوياً، لذا نجد الناشطين في حماية البيئة يطلقون اليوم حملاتٍ في كل مكان لحظر استخدام القوارير البلاستيكية، كما يُستهلك في أمريكا وحدها ما يقدر بمئتي مليار مصاصٍ بلاستيكيٍّ سنوياً لشرب الصودا، وتُستخدم الأكياس البلاستيكية لحمل الأغراض من البقالة ورمي النفايات، وفي عام 2014مـ فقط كان هناك من كبسولات قهوة شركة كيوريج ما يكفي لأن تُحيط بالكرة الأرضية 12 مرة.

إنّ المشكلة الأساسية للبلاستيك هي عدم قدرته على التحلل بسرعة، فمتوسط عمر الكيس البلاستيكي أو القارورة أو شوكة النزهة البلاستيكية هو 1000 سنةٍ أو أكثر، وهذا يعني أنه إذا استخدم ويليام الأول إحدى الأدوات البلاستيكية خلال الغزو النورماندي، فإنها ستبقى دون تحللٍ حتى يومنا هذا، ومن المحتمل أن نجدها في المحيطات.

ينتهي المطاف بثلث المنتجات البلاستيكية في المحيطات، وتتواجد كميةٌ كبيرةٌ منها في الدوامة المحيطية قرب خط الاستواء شمال المحيط الهادي، وهي منطقةٌ تدور فيها التيارات وتُعتبر أكبر منطقةٍ لتجمّع النفايات في العالم، حيث تعوم بها نفاياتٌ أكبر من حجم ولاية تكساس بمرتين، وتقع بين هاواي وكاليفورنيا (هناك تجمعٌ آخرٌ للنفايات ايضاً بين هاواي واليابان)، ويتوقع العلماء أن يصبح عدد المخلفات البلاستيكية أكثر من عدد أسماك المحيط خلال الثلاثة العقود ونصفٍ القادمة.

في حين لا يتحلل البلاستيك أحيائياً، إلا أنه يتحلل ضوئياً، ما يعني أنه يتأكسد بأشعة الشمس، ما يجعله جافاً ويتفتت إلى شظايا صغيرةٍ فيتضاعف عددها، وتُعرف هذه الشظايا بدموع الحورية أوالحدبات، وهي كرياتٌ بحجم حبة العدس تجذب الملوثات العضوية الاصطناعية لها. وتشبه هذه الحبيبات السامة في شكلها طعام الكائنات البحرية، وهذا يهدد السلسلة الغذائية ويؤدي إلى خللٍ كارثيٍّ في النظام البيئي، فالأسماك، طيور البحر، سلاحف البحر، الفقمات، أسود البحر، الحيتان، والدلافين جميعها الآن في خطرٍ من البلاستيك، سواءً من التشابك معه أو ابتلاعه.

وفقاً لدراسةٍ أُجريت في عام 2011مـ في مركز هندسة الأرض بجامعة كولومبيا، وُجد أن هناك اثنان فقط من أنواع البلاستيك السبعة يتم إعادة تدويرها روتينياً، وهما البولي إيثلين تيرفثالات الذي يُصنع منه الخمسون بليون قارورةٍ سابقة الذكر، والنوع الآخر هو البولي ايثيلين عالي الكثافة الذي يُصنع منه قوارير الحليب، أقنية المنظفات، أنابيب المياه، وأغطية القوارير. ولا يُعاد تدوير إلا 6.5% فقط من البلاستيك الأمريكي إجمالاً، وسبب هذه النتيجة المتدنية هو أن البلاستيك يختلط مع غيره، فعملية فصل البلاستيك عن مادةٍ أخرى، أو فصل أنواع البلاستيك المختلفة عن بعضها البعض تُعدّ عمليةً مُكلفةً وتتطلب عدداً كبيراً من الأيدي العاملة. ولأن معظمنا أيضاً يرمي البلاستيك في سلة المهملات، فإن معدل رمي الأمريكيون للبلاستيك في السنة يساوي 185 باوند وفقاً لموقع إيكو-ووتش البيئي الإخباري، وهذه كميةٌ هائلةٌ ينتهي بها المطاف ملقاةً في مكبات القمامة أو على جوانب الطرقات.

قد لا نرى البلاستيك المدفون في اليابسة بأم أعيننا ولكن يجب ألا ننسى وجوده، فالبلاستيك هو عبارةٌ عن مزيجٍ من البترول والغاز الطبيعي والمواد الكيميائية المضافة، ويُمكن للكيميائيين باستخدام هذا المزيج أن يحولوا بوليمرات البلاستيك إلى أي شيء، كالجوارب الطويلة وحتى الخشب الرقائقي. ويحدث أن تتسلل المواد الكيميائية المدفونة في اليابسة إلى البيئات المجاورة والمياه الجوفية، وقد صُنفت بعض المواد الكيميائية منها كالفثالات وثنائي الفينول (أ) على أنها موادٌ تضر بصحة الإنسان.

وهناك جانب هدر الطاقة أيضاً، فحوالي 8% من النفط يُستخدم عالمياً لصناعة البلاستيك سنوياً، ووفق مقالٍ نُشر من مركز أبحاث هندسة الأرض في جامعة كولومبيا وُجد أن مقدار الطاقة الموجودة في أرض الولايات المتحدة تساوي 36.7 مليون طنٍ من الفحم، أو 130 مليون برميل من النفط، أو 783 مليار مترٍ مكعبٍ من الغاز الطبيعي. فكيف نتعامل إذاً مع أزمة البلاستيك؟ بإمكاننا أن نزيد من عملية إعادة تدوير المواد ونستثمر في التقنيات التي تساعد في تحويل المخلفات البلاستيكية إلى وقود، ونقلل كذلك من استخدام البلاستيك.

إنّ منع استخدام الشوك والأكواب البلاستيكية تبدو كخطوةٍ صغيرةٍ، ولكنها ستترك نتائج كبيرةً في الواقع، فهدف فرنسا هو خلق نظامٍ اقتصاديٍّ دائري مستدام، بحيث يُصنّع البلاستيك ويُستخدم ويُعاد تدويره ثم يعود لميدان الطاقة من جديد، ومن الأفضل لنا في الوقت الراهن أن نقلل من استخدامنا للبلاستيك إلى أن يوضع نظامٌ ويُطبق.

لقد حُظر استخدام الأكياس البلاستيكية في كثيرٍ من الولايات والمدن في الولايات المتحدة، وتزداد قائمة الدول التي ستمنع أو ستفرض الضرائب على مستخدمي البلاستيك، كما تشيد المؤشرات بفعالية المنع وفرض الضرائب، فقد أظهرت إحدى الدراسات أن ضريبة الأكياس البلاستيكية لعام 2002مـ في إيرلندا المسماة بلاستاكس أدت إلى خفض استخدام الكيس البلاستيكي بنسبة 95%، وتعد الأكياس البلاستيكية نصف النفايات في واشنطن، كما تقول الإحصائيات أن منع استخدام الأكياس البلاستيكية في الولايات المتحدة سيوفر من 3.2 مليار إلى 7.9 مليار دولار من الأموال التي تذهب لمكافحة القمامة فقط.

بعض الناس غير سعيدين بقرار فرنسا في منع استخدام البلاستيك، فمثلاً يرى الصُناع الأوروبيون للتغليف أن هذا القانون يتعدى على حقوقهم، ويقول آخرون بأن استبدال المنتجات البلاستيكية بمنتجاتٍ قابلةٍ للتحلل الأحيائي سيكون مكلفاً وسيشكل عبئاً على المستهلكين، ولكن من منظورٍ بيئي فيبدو من الممكن التعايش مع هذه المشكلات.

المصدر (National Geographic)

المصطلحات:
فلم الخريج  The Graduate
دستن هوفمان  Dustin Hoffman
جيسيكا كنوبلاخ  Jessica Knoblauch
أخبار الصحة البيئية Environmental Health News
سارا كابلن Sarah Kaplan
واشنطن بوست Washington Post
كيوريج Keurig
يتحلل ضوئياً Photodegrade
دموع الحورية Mermaid’s tears
الحدبات Nurdles
مركز هندسة الأرض  Earth Engineering Center
بولي إيثلين تيرفثالات Polyethylene terephthalate (PET)
البولي ايثيلين عالي الكثافة High-density polyethylene (HDPE)
إيكو-ووتش Ecowatch
الخشب الرقائقي Plywood
بلاستاكس Plastax

 

 

السعودي العلمي

Comments are closed.