الثورة القادمة ستكون زرقاء

أحمد نبيل بوزيد

الثورة الزرقاء، مصطلح استوقفني كثيراً ليصبح عنوان مقالي هذا عندما ممرت عليه ذات يوم، فكما نعلم أن الإنسان ونمط حياته المتقلب من يوم لآخر وخاصةً في الآونه الأخيرة التي تشهد تطوراً سريعاً قد يكون مخيفاً في بعض الأحيان، ولكن هنالك نقلة زرقاء قادمة، يمكن أن ترينا نوراً من الأمل والجمال، بما قد يهدأ من روعنا تجاه تقدم نمط حياتنا ذو الخطى المتسارعة.

كلنا نعلم أن الإنسان مر خلال فترة وجوده في هذا الكوكب بنقلات نوعية وثورات عدة، ومن أشهرها وأولها الثورة الزراعية والتي جائت لتأمين سد الرمق والذي كان هو الهم الأول للبشرية في بدايات بزوغ فجرها. ومن ثم الثورة الصناعية، والتي نقلتنا إلى مستوى أرقى من العيش والرفاهية، ولتدمجنا أكثر في المدنية والحضارة. ومن ثم جائت الثورة التقنية والتي نشهدها الآن في الوقت الحاضر، فقربت البعيد وحلت معضلات كانت البشرية كادت أن تيأس منها. وها هم العلماء يتنبأون بقدوم ثورة زرقاء بحرية نظيفة، تقتضي باستثمار البحار وتصحيح بعض أخطائنا السابقة وتُسكن بعض من مخاوفنا القادمة، وتنقلنا إلى مستوى أرقى وأجمل من التمدن والحضارة.

كانت معظم الأنظار تتوجه نحو الفضاء وتطمح في اكشاف طاقات جديدة وكواكب صالحة للحياة، وأمور أخرى تساعد تقدم البشرية ورخائها، ونكاد ننسى مايغطي أغلب سطح كوكبنا الأزرق، بل ورئته التي يتنفس بها، فكما ورد في الشبكة البيئية العالمية أن النباتات البحرية لوحدها تنتج 70 – 80% من إجمالي الأكسجين الموجود في غلافنا الجوي، ” فقد حان الوقت ليتعلم الإنسان استمار موارده ! بحيث يتغذى من المزارع البحرية، ويستعمل طاقات البحر ويعيش في مدن عائمة”ـ

فمن الأمور الموجودة حالياً ولكنها ستتطور في عصر الثورة البحرية القادمة بشكل متسارع أكثر هو وجود مزارع في أعماق المحيطات البحار، أو كما يسميها البعض “زراعة المحيطات”، وهي عبارة عن مزارع لتوليد وانتاج الأسماك والطحالب و ثمار البحر، ويوجد بعض مربي الحيوانات الذين سيتركون زراعة اليابسة ليتجهوا نحو عرض المحيط.

ـ“وقد ولدت فكرة الثورة الزرقاء في بداية الألفية الثانية” . فمن الأمور التي ستحلها هذه الثورة الزرقاء، أزمة التناقص الحاد للمخزون العالمي للأسماك بسبب زيادة الصيد في فترات متقاربة لا يمكن للأسماك التكاثر فيها لتعويض النقص في أعدادها، والتى ستؤدي إلى خلل في مواردنا إذا استمررنا على هذا المنوال. فمن خلال اتباع مفهوم بسيط اتبعه أجدادنا البشر الأوائل، ألا وهو: “لا تكتفي بالإصطياد بل قم بتربيه ماتصطاده”. وتقوم فكرة إنشاء هذه المزارع على أساس كونها بعيده عن السواحل وذلك لأسباب منها: تقليل نسبة تعريض الأسماك لمياه ملوثة، ولكون مساحات الشاسعة بعيدة عن السواحل، أكثر اتساعاً وشساعةًً.

وهذه المزارع عبارة عن أقفاص أسماك ذات مساحات واسعه تعج بالحياة البحرية وتضم أطناناً من الأسماك، التي تم تفقيسها على اليابسة أولاً ومن ثم تم نقلها إلى تلك الأقفاص بعد أن وصلت إلى حجم ملائم، ويتم توزيع الطعام بشكل آلي للأسماك. ويتم إحاطتها بنطام تقني متطور يسمح بمراقبة جودة المياة وحجم الأسماك، بل وعددها. والأقفاص نفسها محاطة بمادة الكيفلر، وهي مادة مصنوعة من الألياف الاصطناعية و المتينة للغاية، والتي لديها القدرة على تحطيم أسنان أكثر أنواع القروش ضراوة ووحشية.

ومن الأمور الإيجابية لتلك المزارع السمكية، أن الأسماك الموجودة فيها، تنتج كميات كبيرة من الفضلات مما يوفر بيئة خصبة لنمو الطحالب وغيرها من النباتات البحرية. لذلك يمكننا القول: بأن تلك الأقفاص لها مساهمة في اعمار قاع البحار. ومن المعلوم أن الأسماك تحتاج إلى مصدر غذاء يحتوي على زيت الأوميغا 3 لكي تبقى على قيد الحياة، والذي تعجز الأسماك عن تصنيعه في اجسادها، ولكن هذا الزيت يوجد في بعض الحيوانات المحيطة، مما يجعله عائقاً من الناحية اللوجستية لتوفير طعام حيواني بشكل كبير ومستمر لتلك الأسماك.

ولكن بفضل اكتشاف وجود نوع مجهري من الطحالب والذي بدوره يحتوي على زيت الأوميغا3، يمكننا استزراعه وإطعامه للأسماك. والشيء الجيد أيضاً في هذا أن زراعة هذا النوع من الطحالب يكون بالقرب من السواحل وبهذا نكون قد أعدنا تدوير كمياتٍ كبيرة من ثاني أكسيد الكربون التي تحتاجها الطحالب والذي ترغب المنشآت الصناعية في نفس الوقت بالتخلص منه للتقليل من ظاهرة الإحتباس الحراري. بحيث يتم ضخ الغاز مباشرةً من مداخن المصانع إلى البحر. ومن الجوانب الحميدة أيضا لتلك الطحالب أنه بالإمكان استخدامها في أنتاج وقود حيوي متجدد وبسعر معقول يناسب الجميع ومن دون مخاوف نفاد الكمية، بعكس مصادر الطاقة الغير متجددة كالنفط والفحم.

ومن الأمور التي ستجلبها لنا تلك الثورة الزرقاء توربينات عائمة، بعضها يستغل طاقة الرياح وبعضها في الأعماق يستغل طاقة تيارات البحار الجارفة والعميقة. ويوجد حالياً هناك توربينات في كلٍ من البرتغال واسكتلندا، يتوقع بدء تشغيل مروحة في فرنسا مع خلال عامنا هذا 2014. وبحسب تصريحات الوكالة الدولية للطاقة “إن جهزنا كل المواقع القابلة للإستثمار, قد نصل إلى تزويد حتى 6 كواكب مثل كوكبنا بالكهرباء !“ـ

كما توجد حالياً مركبة تعمل كجامعة للنفايات البحرية، وهي مشروع لطالب هندسة بحرية يدعى بويال سلات، والمدهش في الأمر، أن الماء الذي يتم سحبة يتم تصفيته للفصل بين جزيئات البلاستك وبين العوالق، “وهذه الآلآت مفيدة لجمع 7,25 مليون طن من النفايات البلاسيكية التي تلوث محيطات اليوم “. وفوق هذا كله صمم طالبان من المعهد الأعلى للفنون التطبيقية، والذي يحمل مشروعهما عنوان (نوي) أيضاً جزر صطناعية عائمة على سطح الماء تستطيع استيعاب حوالي سبعة آلاف نسمة على أقل تقدير، بها معامل للأبحاث وسكن مرافق سياحية، ولها عشر طوابق تحت الأرض. بالإضافة إلى مشروع آخر يحمل عنوان (انيرسيتي). ومن أهم فوائد تلك الجزر العائمة أنه في حالات ارتفاع منسوب المياه الطارئة بسبب مشكلة الإحتباس الحراري، يمكن لبعض سكان المدن اللجوء إلى تلك الجزر العائمة لتحمي نفسها خطر الغرق. وما أعجبني حقيقةً أكثر من تلك الثورة الزرقاء الواعدة ، هو أن وراء جزء كبير منها مجهود طلابي ذو أفكار براقة.

مراجعة: فارس بوخمسين

Comments are closed.