لماذا تشع الشمس: التفسير العلمي لبقاء الشمس مليارات السنين بدون أن تنفد طاقتها

ترجمة: معاذ الدهيشي

الشمس هي أقرب النجوم لنا كما يعرف الجميع، والمسافة بين الأرض والشمس تساوي ١٥٠ مليون كيلومتر وهو ما يعادل وحدة فلكية  واحدة لذلك يحتاج الضوء إلى ٨.٣ دقائق ليقطع هذه المسافة (٨.٣ دقائق ضوئية). بالمقارنة، تبعد الأرض عن ثاني أقرب نجم لنا “القنطور الأقرب” حوالي ٤٠ ترليون كيلومتر وهو ما يعني ٢٧٠،٠٠٠ وحدة فلكية أو ٤.٢ سنة ضوئية. إذاً من الأسهل دراسة الشمس كنجم بدل النجوم الأخرى البعيدة جداًالشمس مكونة من غاز كثيف، ويبلغ متوسط كثافتها ١٤٠٠ كيلوغرام في المتر المربع مما يجعلها ٤٠٪ أكثر كثافة من الماء. الشمس تظل غازية على الرغم من هذه الكثافة الهائلة بسبب درجات الحرارة الرهيبة التي تمنع الأيونات (الذرات المشحونة كهربائياً) من الإتحاد والترابط. الغاز الذي تتكون معظم الشمس منه هو الهيدروجين المؤين والهيليوم المؤين وهما أبسط العناصر الكيميائية على الإطلاق. إذاً الشمس تحتوي على نوى (جمع نواة) ذرات هيدروجين ذات شحنة موجبة ونوى ذرات هيليوم ذات شحنة موجبة وكذلك إلكترونات طليقة سلبية الشحنة. لأن فوتونات الضوء تتبعثر وتنتشر من الإلكترونات الطليقة فإن الشمس تبدو غير شفافة فلا تستطيع رؤية النجوم خلفها

الشمس ظلت تشع لقرابة ٤.٦ مليار سنة حتى يومنا هذا، والحياة ازدهرت على هذه الأرض منذ أكثر من ٣ مليارات سنة حسب الأحافير والمستحثات. إذاً نستطيع أن نستنتج أن إضاءة الشمس للأرض ظلت ثابتة نسبية حيث أن الحياة على الأرض لم تمسح بفعل الحرارة العالية أو المتدنية خلال مسيرتها. ما هو مصدر الطاقة الذي أبقى الشمس ساخنة لمليارات السنين بدل أن تبرد وتنطفئ مثل آلة الكي إذا فصلت عن الكهرباء؟

ماذا عن المصادر الكيميائية، مثل احتراق الهيدروجين؟ (نحن نعرف عن وجود الهيدروجين في الشمس بوفرة). احتراق كيلوغرام واحد من الهيدروجين لتكوين الماء عن طريق المعادلة التالية
( 2H + O -> H2O + طاقة)
يصدر ١٤٠ مليون جول من الطاقة. (الجول هو الوحدة القياسية للطاقة في النظام المتري، وهو الطاقة المستخدمة لإبقاء مصباح بقدرة ١ واط مضاءً لمدة ثانية واحدة). إذاً ١٤٠ مليون جول يساوي ٣٣٠٠٠ كالوري أو ٤٠ ساعة كيلو واط

إذا كانت الشمس تتكون من الهيدروجين بالكلية (وهو خلاف الحقيقة) واستطعت أن تجد مصدراً من الأكسجين لحرقها (بغض النظر عن المكان الذي تجلب كل هذا الأكسجين منه) فإن ذلك يمكن أن يبقي على إضاءة الشمس الحالية لمدة ٢٠ ألف سنة فقط!! فإذاً نحتاج إلى مصدر طاقة أكثر قوة وفعالية بكثير حتى نبقي الشمس تشع لمليارات السنين

ماذا عن الإندماج النووي؟ أربعة من نوى الهيدروجين يمكن أن تندمج لتكون نواة هيليوم مصحوبة بإطلاق طاقة
( 4H -> He + طاقة)
دمج كيلوغرام واحد من الهيدروجين ليكون هيليوم سيطلق ٦٣٠ تريليون جول من الطاقة !! هذا أكثر بخمسة ملايين مرة مما يطلقه حرق الهيدروجين لاستخراج الماء. لذلك دمج الهيدروجين سيبقي الشمس مشعة بإضاءة مستقرة ليس ل٢٠ ألف سنة، لكن ربما ل١٠٠ مليار سنة !!

الشمس، مثل أغلب النجوم، تُغذّى بواسطة دمج الهيدروجين لتكوين الهيليوم (وهو ليس احتراق الهيدروجين كما تذكر خطأً بعض الكتب). تستطيع أن تسأل من أين تأتي كل هذه الطاقة عند اتحاد ذرات الهيدروجين لتكون الهيليوم؟ أليست الطاقة محفوظة؟ (أي لاتفنى ولا تستحدث من العدم). أيضاً هناك أمر آخر; مجموع كتلة أربعة من نوى الهيدروجين يساوي
6.693 x 10^-27  كيلوغرام

وكتلة نواة الهيليوم تساوي
6.645 x 10^-27  كيلوغرام

إذاً هناك مقدار فرق لكل نواة هيليوم تتكون بالإندماج يساوي
0.048 x 10^-27  كيلوغرام

الفارق المفقود ضئيل لكنه حقيقي. هنا يمكنك أن تسأل: أين تذهب هذه الكتلة المفقودة عندما تندمج ذرات الهيدروجين لتكون الهيليوم؟ أليست الكتلة محفوظة؟

ألبرت آينشتاين زودنا بجواب لتساؤلاتنا حيث أشار إلى أن الكتلة قد تتحول إلى طاقة، والعكس صحيح. “معدل التبدل” بين الكتلة والطاقة معطى في معادلة آينشتاين الأشهر
E = m c^2

الطاقة (E)
الكتلة (m)
مربع سرعة الضوء في الفراغ (c^2)

نستنتج من هذا أن مجموع الطاقة والكتلة هما في الحقيقة المحفوظان.

كل ثانية كما رأينا تنتج الشمس طاقة
مقدارها 3.9 x 10^26  جول

وإذا اسنخدمنا معادلة آينشتاين
m = E/c^2

نستنتج أن كل ثانية تدمر الشمس كتلة مقدارها
4.3 x 10^9 كيلوغرام

إذاً الكتلة المفقودة تعادل أكثر من ٤ ملايين طن في الثانية مما يعني أن دمج ٦٠٠ مليون طن من الهيدروجين سيكون لنا ٥٩٦ مليون طن من الهيليوم.

تجدر الملاحظة أن ابتداء دمج النوى الذرية صعب للغاية. النوى الذرية هي ذات شحنة موجبة، مما يعني أن كل نواة تتنافر مع أختها. لكي نستطيع أن ندمج نواتين معاً، فإننا يجب أن نلاصقهما ببعضهما قدر الإمكان حتى تتمكن القوة النووية الشديدة (لكن قصيرة المدى) من عمل ما يلزم. لكي تتمكن نواتان موجبتي الشحنة من مجاوزة تنافرهما الكهربائي حتى تتلاصقان ببعض، عليهما أن يصطدما ببعضهما بسرعة عالية جداً. هذا يعني بالنسبة للنواة أن الغاز الذي يحضنها يجب أن يكون ساخناً للغاية (أكثر من ١٠ ملايين درجة كالفين أو مئوية). هذه الدرجات الحرارية العالية لا توجد حتى على سطح الشمس ولكن فقط في قلبها الساخن الكثيف.

____________________________________________________________

مترجمة من محاضرة البروفيسورة في علم الفلك “باربرا رايدن” من جامعة ولاية أوهايو
http://www.astronomy.ohio-state.edu/~ryden/ast162_1/notes2.html


Website Comments

  1. Zaki

    لم اغهم لماذا نحتاج لأربع انوية هيدروجين لتكوين نواه هيليوم واحده اليس اثنين كافيتان ارجو التوضيح ؟