السعوي العلمي في المؤتمر والمعرض السعودي الدولي الأول لإنترنت الأشياء

كتابة: فريق تحرير السعودي العلمي.

مع استمرار جهود المملكة الحثيثة لتنويع مصادر الدخل وتعزيز الاقتصاد الوطني، شهد السوق السعودي خلال الشهور الأخيرة صعود نجم الكثير من التقنيات الواعدة، ويأتي إنترنت الأشياء في مقدمة تلك التقنيات التي تشكل فرصةً استثماريةً ثمينةً وقيمةً اقتصاديةً عاليةً لمختلف القاطعات الوطنية. ومن هذا المنطلق، رعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات المؤتمر والمعرض السعودي الدولي الأول لإنترنت الأشياء، والذي افتتح بحضور معالي الوزير عبدالله السواحه في مركز الرياض الدولي للمعارض والمؤتمرات بالعاصمة، وذلك بين يومي الأحد والإثنين من الأسبوع الماضي الموافق ليومي 28 و 30 من شهر يناير، وأشرف على تنظيم المؤتمر والمعرض شركة أفقٍ جديدةٍ.

سعى كلٌ من المؤتمر والمعرض إلى تعريف الجهات العامة والخاصة في المملكة بتقنية إنترنت الأشياء، ورفع الوعي بأهميتها ودورها الاقتصادي المحلي والعالمي، حيث تعتبر هذه التقنية أحد أركان الثورة الصناعية الرابعة التي يقبل عليها العالم الصناعي، ويعد توطينها المحلي أولويةً ضروريةً للاقتصاد والصناعة السعودي. ولهذا حرص المنظمون على تجهيز كلٍ من المعرض والمؤتمر ليكونا كنظامٍ بيئيٍ متكاملٍ لإنترنت الأشياء، يشمل جميع مزودي خدمات إنترنت الأشياء، منظميها من القطاع الحكومي، ومستخدميها من القطاع الخاص، كما شهد المعرض توقيع بعض مذكرات التفاهم والإتفاقيات بين رواد الأعمال وقطاعات الأعمال المختلفة، ما شكّل نقطة جذبٍ مهمة للزوار من حول مدن المملكة ودول المنطقة، والذين بلغ عددهم أكثر من 13 ألف زائرٍ في تلك الأيام القليلة.

معالي الوزير عبدالله السواحه أثناء جولة مع منظمي المعرض

يمكن للقارئ أن يستدل على ماهية تقنية إنترنت الأشياء من اسمها، فهي عبارةٌ عن شبكةٍ من الأشياء المادية المرتبطة ببعضها وبالإنترنت، والتي تكون مزودةً بأجهزة استشعارٍ وحساساتٍ تمكنها من رصد محيطها والمتغيرات من حولها، وأجهزةً أخرى تتفاعل مع تلك المتغيرات، مما يجعلها أجهزة ذكيةً ترصد كلّ ما يجري في بيئتها وتتفاعل معها عند اللزوم، وقادرة على أداء وظائف كثيرةٍ باستقلاليةٍ تامةٍ عن التدخل البشري. ويتوقع الخبراء أن عدد الأجهزة التي ستكون متصلةً بالإنترنت سيتجاوز 25 مليار جهازٍ بحلول عام 2020مـ، وأن سوق إنترنت الأشياء سيضيف ما يساوي 15 تريليون دولارٍ للاقتصاد العالمي، ولقد جاء المؤتمر والمعرض لضمان لحاق المملكة بالركب والزخم الدوليين.

انطلق المؤتمر صباح يوم الأحد، إذ ضم نخبةٍ من العلماء والخبراء الدوليين والمحليين لاستعراض خبراتهم ومرئياتهم عن تقنية إنترنت الأشياء، فافتتح المشرفون المؤتمر بكلمةٍ ترحيبية قصيرةٍ وتلتها كلمة الافتتاح التي ألقاها رئيس الغرفة التجارية بالرياض المهندس أحمد بن سليمان الراجحي، الذي أشار إلى تضاعف حجم سوق إنترنت الأشياء بحوالي خمس مرات بحلول عام 2020مـ، وأنه سيكون أكبر من سوق الحواسيب المحمولة، الأجهزة اللوحية، والهواتف النقالة مجتمعةً في القريب العاجل. وتلاه ممثلو الرعاة من شركات الاتصالات المحلية، فتحدثوا عن تجهيز البنى التحتية في المملكة لتقديم خدمات إنترنت الأشياء، وأعطوا نبذةً قصيرةً عن استخداماتها الصناعية، الصحية، المدنية، وغيرها، وتحدثوا عن المزايا التي تقدمها كلٌ من شركتي الاتصالات السعودية وموبايلي في المجال.

تبع هذه الافتتاحية مشاركة أكثر من ثلاثين متحدثٍ خلال يومين، والذين شاركوا أفكارهم ومعارفهم مع الحضور في خطبٍ قصيرةٍ وجلساتٍ حواريةٍ ثريةٍ، وتنوعت المواضيع التي ناقشوها بين تطبيقات إنترنت الأشياء في المجالات الصناعية والطبية، طرق تطوير البنى التحتية لشبكات الاتصالات لدعم انتشار التقنية في المملكة، وجوانب الخصوصية وأمن المعلومات. وشملت قائمة المتحدثين نخبة العلماء والخبراء الدوليين والمحليين من القطاع الخاص، ورواد التقنية من القطاعات الأكاديمية والحكومية، ما ساهم في إثراء المادة المُقدمة للجمهور في المؤتمر وضمن شموليتها لكافة العوامل المهمة.

أحد جلسات الحوار بالمؤتمر

من الجانب الصناعي، ذكر الخبير السويسري بالثورة الصناعية الرابعة هنريك فون شيل أن تقنية إنترنت الأشياء ستقوم بتوفير كمٍ هائل من بيانات البضائع والعمليات الصناعية على امتداد سلاسل الإنتاج، بدءاً من المصنع ووصولاً إلى يد المستهلك، ما يعطي الفرصة للشركات لتحسين عملياتها وتقليل تكاليفها وزيادة فعاليتها. وبعدها حذر مدير معهد كاليفورنيا للاتصالات وتقنية المعلومات الدكتور رانيش راو من مشكلةٍ تقنيةٍ، إذ سيتيح لنا إنترنت الأشياء الكثير من المعلومات الثمينة، ولكن غزارتها قد تسبب ظواهر غريبةٍ إحصائياً بأن تكون مشتتةً وغير مفيدةٍ، وهو ما يسمى بمفارقة سيمبسون، ولهذا يجب على الشركات أن تكون حذرةً في التعامل مع الكم الهائل من البيانات الناتجة تطبيق إنترنت الأشياء على نطاقٍ واسعٍ.

أما بالنسبة للجانب التقني، فأشار نائب الرئيس لحلول شركة الاتصالات السعودية المهندس عثمان الدهش إلى أن التطور في تقنيات تخزين البيانات، البطاريات، والحساسات، قادت إلى انتشار إنترنت الأشياء، وذكر أن شركة الاتصالات السعودية ستوزع قريباً أجهزة لتفعيل تقنية النطاق الرفيع على أبراجها حول المملكة، وهي تقنية تستهلك طاقةً قليلةً في الإرسال وتعد مثاليةً لأجهزة إنترنت الأشياء، ما سيغير من نماذج الأعمال السائدة حالياً وسيخلق أخرى جديدةً. وذكر مُمثل شركة سيغفوكس نيكولاس أندريو عدداً من تطبيقات تقنيات إنترنت الأشياء في السعودية، كالتتبع (إما تتبع الأفراد كالحجاج وطلبة المدارس أو تتبع المركبات لشركات الأجرة والنقل والمقاولات)، الزراعة (في توفير البيانات اللازمة عن حالة مستويات مياه الري ورطوبة الهواء)، وصناعة النفط والغاز (كالصيانة الاستباقية وكشف المشاكل عن البعد في المنشآت النفطية المعزولة في الصحراء).

لم تغب العقبات التي تقف عائقاً أمام انتشار تقنية إنترنت الأشياء عن النقاش، حيث ذكر مدير عام تسويق المنتجات الرقمية في شركة موبايلي المهندس ياسر الخويطر بعض العوامل المؤثرة سلباً، كضعف البنى التحتية لشبكات إنترنت الأشياء، مخاوف الخصوصية والأمان السيبراني، قصر عمر البطاريات لأجهزة الاتصال نسبياً، وعدم وجود مقاييس معيارية توحد جميع اللاعبين في السوق المحلي. وشدد الدكتور ياسر العصيفير على مخاطر الاتصال المتهور بإنترنت الأشياء دون أخذ الاحتياطات اللازمة، فقد يتمكن المخترقون من الوصول لمعلوماتك الشخصية في أجهزتك الذكية، حساباتك البنكية، التحكم بسيارتك والأجهزة المنزلية والصناعية، وحتى السيطرة على أجهزة المراقبة والترفيه، ما يعطي الفرصة لسرقة بياناتك من جميع تلك المنصات أو استخدامها لإلحاق الضرر بك مادياً أو معنوياً.

الدكتور ياسر العصيفير أثناء كلمته

بالتوازي مع فعاليات المؤتمر، ازدحم معرض إنترنت الأشياء في الجهة المقابلة بالزوار والشركات التقنية، حيث قدم أكثر من 85 عارضاً خدماتهم وآخر ما توصل له إنترنت الأشياء من تقنياتٍ متقدمةٍ، ولقد شكل هذا المعرض أرضاً خصبةً لبناء علاقات الشراكة والتعاون بين مختلف اللاعبين في القطاع، وأتاح المجال للمستثمرين للاطلاع على الفرص الاستثمارية الواعدة في المنطقة. كما شمل المعرض ثلاثة قاعات أقيمت فيها أكثر من ثلاثين ورشة عملٍ، والتي ركزت على الحيثيات التقنية للأجهزة والخدمات المقدمة من الشركات، وشمل المعرض كذلك منطقةً ذكيةً مجهزةً بأجهزة العرض الحديثة، والتي تتيح للمتحدث الوصول لجمهور واسعٍ من زوار المعرض المهتمين.

من ضمن الشركات المشاركة، برزت عدة أسماء معروفةٍ عالمياً وإقليمياً في المجال التقني، كالاتصالات السعودية، موبايلي، جنرال إليكتريك، إنتل، سيسكو، مايكروسوفت، أوراكل، إتش بي إي، إريكسون، العبيكان، وشركة الإلكترونيات المتقدمة. كما شهد المعرض مشاركةً مميزةً لبعض الشركات الناشئة المحتضنة في كلّ من وادي مكة للتقنية التابع لجامعة إم القرى، وبرنامج بادر لحاضنات التقنية التابع لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ولقد أثبتت هذه الشركات الناشئة حضورها وتميزها بشهادة الزوار والمنظمين، مثل كنترول إكس، أجير، أفروس، نافيبيز، سوفت كير، وغيرهم، ولقد قال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات معالي المهندس عبدالله السواحه في تصريحٍ لصحيفة الاقتصادية: ” إنه لشيءٌ يثلج الصدر أن نرى اليوم عدداً من الرياديين والشباب السعوديين في مجال إنترنت الأشياء، يقدمون حلولاً خلاقة في مختلف المجالات”.

تنوعت تطبيقات إنترنت الأشياء التي قدمتها الشركات العارضة، فكان منها ما يستهدف الأفراد والمستهلكين مباشرةً، كخدمات المنازل الذكية التي تقوم بربط الأجهزة المنزلية بالإنترنت، ما يعطي صاحب المنزل القدرة على التحكم بالأجهزة من بعد، وتقليل استهلاك الكهرباء والوقت اللازم لأداء المهام المنزلية. وقدم بعض العارضين تطبيقاتٍ أخرى لإنترنت الأشياء يستفيد منها قطاع الأعمال، كخدمات تتبع المركبات والأساطيل لشركات النقل والمقاولة، ومراقبة متغيرات السيارات كالوقود، حاجة السيارات للصيانة، وحالة البضائع المُحملة على هذه المركبات. ومن التطبيقات الأخرى التي تستهدف القطاع التجاري خدمات التحكم ومراقبة الأصول، حيث يمكن للشركات التجارية مراقبة مصانعها ومعداتها المنتشرة في المناطق النائية من دون الحاجة للتواجد البشري، ويعطيها الفرصة أيضاً لمعرفة مواطن الخلل وإجراء الصيانة الاستباقية للمعدات قبل تعطلها.

كان للقطاع الحكومي نصيب الأسد من التطبيقات المقدمة أيضاً، حيث استعرضت بعض الشركات خدمات إنترنت الأشياء في مجال المراقبة البيئية الذكية، حيث يمكن للجهات الحكومية المسؤولة عن مراقبة الظروف البيئية كوزارة البيئة والمياه والزراعة والهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة أن تستفيد منها، وذلك بنشر أجهزةٍ لقياس درجات الحرارة والرطوبة وجفاف التربة وغيرها في محطاتٍ للرصد حول المملكة، لتُوفر للجهة المعنية معلوماتٍ مباشرةٍ عن حالة المكان. ومن التطبيقات البارزة الأخرى استخدام إنترنت الأشياء في المدن الذكية، حيث تكون البنى التحتية مزودةً بالحساسات منذ بنائها، ما يعطي المجالس البلدية وإدارة المحافظات القدرة على رصد كل العوامل المهمة لهم بدقةٍ، كمعدلات استهلاك الكهرباء، استهلاك المياه، ازدحام الحركة المرورية، حالة الشوارع والطرقات، وغيرها الكثير. وجذب ركن تطبيقات إنترنت الأِشياء في مجال خدمة ضيوف الرحمن زوار المعرض، حيث يمكن تعقب الحجاج ومستويات الزحام من بعد لضمان أمنهم وسلامتهم، وبناء منصاتٍ للملاحة الداخلية داخل الحرمين الشريفين.

جانب من الحضور الكثيف للمعرض

كتب هذا المقال بالشراكة مع المؤتمر والمعرض الدولي السعودي الأول لإنترنت الأشياء.

السعودي العلمي

Comments are closed.