الاكتئاب: الحزن الخبيث

كتابة وتلخيص: فاطمة الرحيمي.
مراجعة: فارس بوخمسين.




“هل لجسدي الواهن الضعيف
أن يستريح أخيراً في ظلال هذة الغابة الكئيبة
فستنطفئ شعلة الحياة وتخبو روحي
وأغلق عيني للأبد
وتحلق روحي للمجهول
بعيداً عن الألم الذي خط على وجهي الذابل قصة الجنون”.

كتب هذه الأبيات الرائعة الشاعر الإنجليزي بيرسي شيلي عندما أصيب بالاكتئاب، ولطالما رأينا الكثير من الكتاب والأدباء وحتى العلماء ممن أصيبوا بالاكتئاب غيره، فما هو الاكتئاب أساساً؟ عرفت المنظمة الصحة العالمية الاكتئاب كاضطرابٍ عقليٍ ذو أعراضٍ كثيرةٍ منها: الشعور الدائم بالحزن، فقد الاستمتاع بالحياة، الشعور الدائم بالذنب، اضطرابات بالنوم وعدم القدرة على التركيز. وفي حال استمرت هذه الاعراض لفترةٍ أطول وبدأت تؤثر على حياة الشخص العملية واليومية فمن الممكن أن يدخل الشخص في حالة اكتئابٍ شديدٍ، وقد يتطور إلى الإقدام على الانتحار. ولقد صف أحدهم سابقاً الاكتئاب بأنه حربٌ نفسيةٌ ضروس تدور رحاها في داخل روح الإنسان.

نرى في تعريف الاكتئاب أنه شعورٌ دائمٌ بالحزن، لكن ما هو الحزن؟ فلو قبلنا بفكرة أن الحزن انفعالٌ طبيعيٌ فلن نجد مشكلةً في تقبل حقيقة كون الاكتئاب حزناً مرضياً ناتجٍ عن خللٍ في السيطرة على المشاعر المرتبطة بالحزن الطبيعي. فالاكتئاب ليس تكيفاً بل انفعالاً لا يخضع لسيطرتنا، ويمكن أن يستمر حتى مع اختفاء المحفز الأول الذي سبب انطلاق مشاعر الحزن. ويمكن توضيحه بصورةٍ أدق بتشبيهه بالسرطان، فهو ناتجٌ من عملية نموٍ طبيعيةٍ في البداية والتي تخرج عن نطاق السيطرة لاحقاً، وكذلك الاكتئاب، فهو حزنٌ يخرج عن نطاق السيطرة وبذلك بإمكاننا أن نسميه الحزن الخبيث. هناك شعورٌ أخر يتلازم مع الاكتئاب وهو شعور القلق والمتمثل بتوقع الأسوأ والخوف منه قبل وقوعه، ويتجلى تحت الظروف التي يشعر فيها بالتهديد وسط الصراعات.

ما علاقة الشعراء والأدباء والعلماء مع الاكتئاب؟
ربط الناس بين العبقرية والجنون منذ القدم، فهل بالإمكان ربط الاكتئاب مع الابداع والفن؟ هل يمكننا أن نرى جانباً مضيئاً منه؟

“تضئ نار الحزن المشتعلة أعماقنا لنتمكن من رؤية الأشياء على حقيقتها
وحتى إن شقينا وانطفأت نار الحزن، فإننا لا يمكن أن ننخدع مجدداً بظاهر الأمور،
لأننا لمسنا جوهرها من قبل”
الشاعر الأمريكي هرمين ميلفيل

“لا يوجد مبدعٌ كتب أو رسم أو نحت أو أكتشف أيّ شيءٍ إلا بدافع الخروج من تجربةٍ مؤلمةٍ.”
الشاعرالفرنسي أنطونيو أرتود

لا تكفي القصص المتوارية لتأكيد ارتباط الابداع بالأمراض العقلية، حيث قام باحثون بدراسة السير الذاتية لعدد من الفنانين المعاصرين فوجدوا نسبةً عالية لانتشار الأمراض العقلية بين الشعراء على وجهه الخصوص، وقد أقدم 20% من الشعراء الذين تمت دراستهم على الانتحار. وكذلك سجل الموسيقيون نسبةً مرتفعةً من الاصابة بالأمراض العقلية ولا سيما الاكتئاب، وكانت نسبة إصابة الفنانين والأدباء عموماً باضطرابات المزاج تزيد ثلاثة مرات عن نسبة إصابة غيرهم من المهنيين والعلماء. حيث يبدو أن التجارب المختلفة ضرورةٌ من ضرورات العمل الابداعي، بما فيها تجارب الخوف والكآبة والرؤى الخيالية. وربما كان الصراع للتعايش مع حالات المشاعر المتطرفة جزءً من عملية الوصول إلى الإبداع ذهنياً.

التغيرات البيولوجية في الدماغ:
يمكننا القول أن الاكتئاب يحدث نتيجة تفاعلٍ داخليٍ بين مناطق محددةٍ في الدماغ، مثل: اللوزة المسؤولة عن الانفعال ومناطق أخرى مسؤولةٍ عن الجانب المعرفي، إذ تحفز خطوب الحياة انفعال الحزن الذي قد يتطور إلى حزنٍ مكثفٍ لدى الاشخاص الذين يمتلكون الاستعداد الوراثي لذلك. ويولد الإحساس المكثف بالحزن بدوره أفكاراً سلبيةً تسيطر على التفكير، مما يحفز مزيداً من مشاعر الحزن ليرسم دائرةً مفرغةً وليتحول الحزن العادي إلى حزنٍ خبيثٍ. وتشير بعض الأدلة التجريبية إلى أن الإصابة بالاكتئاب ترجع أحيائياً إلى تغير تركيز بعض الهرمونات في الدماغ مثل السيراتونين والنور-أدرينالين.

الاكتئاب والانتحار:
وجد الدراسات الإحصائية أن ما يقارب10-15% من المصابين بالاكتئاب سينتحرون بنهاية المطاف، وسيحاول ضعف هذه النسبة الانتحار. كما أن 20% من مرضى الاكتئاب لا يستجيبون للعلاج والأدوية المتوفرة حالياً، أيّ أنهم يعانون من اكتئاب مستعصٍ. وفي النهاية نختتم موضوعنا باقتباسٍ للكاتب الروسي تولستوي عن تجربته مع الاكتئاب وتفكيره بالانتحار، ويلاحظ في هذا الاقتباس أنه يتحدث عن أعراض الاكتئاب بوضوح، حيث لخصها بقوله: أنها حالة من الهبوط العام (الخمول)، كنت متقوقعاً فعلاً على ذاتي، وتحاصريني الأفكار السلبية وتسيطر عليّ فكرة الانتحار طول الوقت. فقدت قدرتي على التفكير السليم وتلتها قدرتي على العمل، وكل ما أرغب به هو البقاء على السرير. كنت أعاني من نوبات الهلع، وكان النوم شبه مستحيلٍ بدون الحبوب المنومة. كان المستقبل مظلماً تماماً وسيطر عليّ خوفٌ شديدٌ لأنني ظننت أنني في طريقي للجنون.




المراجع:
سيجيء الموت وستكون له عيناك- جمانة حداد-كتاب
World Health Organization: WHO
الحزن الخبيث: تشريح الاكتئاب- لويس ولبرت-كتاب
http://www.kalima.ae/ar/readnew.aspx?id=236

Comments are closed.