السعودي العلمي في ملتقى السيدات في علم البيانات

كتابة: طاقم التحرير بمجموعة السعودي العلمي.

ضمن جهودها البارزة في مواكبة الحراك الاجتماعي في المجتمع العلميّ الدولي، نظمت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ملتقى السيدات في علم البيانات بالتعاون مع جامعة ستانفورد، وذلك يوم الاثنين الماضي الموافق الخامس من مارس في مدينة الرياض، حيث أقيم الملتقى بالتزامن مع 150 فعالية في أكثر من 40 دولةً في أنحاء العالم. وملتقى السيدات في علم البيانات هو حدثٌ عالميّ يهدف إلى جمع الباحثات والكوادر التقنية الرائدة في علم البيانات تحت سقفٍ واحدٍ، في تجمّعٍ علمي يسعى إلى تعزيز الجهود المشتركة وربط المجتمع العلمي والتقني بآخر المستجدات في علم البيانات، وتبادل الخبرات بين الكفاءات من خلفياتٍ مختلفة، حيث يعتمد مجال علم البيانات وتحليل البيانات الضخمة على تداخل تخصصاتٍ عدّة مثل الإحصاء، علوم الحاسوب، الرياضيات، الصحة، الهندسة، وغيرها.

لا يخفى على أحدٍ منّا تأثير الثورة التقنية والمعلوماتية في جميع جوانب الحياة، بدءًا من المراكز البحثية والمختبرات العلمية، مروراً بالمستشفيات، المصانع، الأسواق، منصات الإعلام، وحتى في استخدامنا اليومي. إذ أصبح الناس أكثر انفتاحاً لمشاركة معلوماتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة بياناتهم من خلال الأجهزة التقنية المرتبطة بشبكة إنترنت الأشياء مثل المنازل والسيارات الذكية، مما أدى إلى حصول تدفقٍ هائلٍ للبيانات من مختلف الجهات، لتشكل بدورها هدفاً لأصحاب الأعمال، الباحثين، وصناع القرار، حيث يمكن من خلال تحليلها ودراستها أن تشكل أداةً للتنبؤ بالمستقبل ووسيلةً لمعرفة توجهات المجتمعات واهتماماتهم وبناء الخطط وفق ذلك.

افتتح الملتقى كلٌ من رئيسة برنامج المرأة بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية الأستاذة مرام العلوان وسفيرة برنامج ستانفورد للسيدات في مجال علم البيانات الدكتورة أريج الوابل، حيث رحبن بالحاضرات وأوضحن أهداف الملتقى من تبادل الخبرات بين الباحثين والباحثات داخل المدينة وخارجها من شتى المجالات، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الإمكانيات التي تسهم بها المختبرات والمراكز البحثية للمدينة في تطوير مخرجات البحث العلمي والتطبيقات التقنية المختلفة في مجال تحليل البيانات الضخمة.

الدكتورة أريج الوابل أثناء افتتاح الملتقى

 تبع هذه الافتتاحية أكثر من ثلاثين متحدثةٍ شاركن بآخر أبحاثهن وأعمالهن عبر خطبٍ قصيرةٍ وجلساتٍ حوارية تنوعت بين إسهامات البيانات الضخمة في المجالات الطبية، الأمنية، المالية، الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، كما تخلل تلك الجلسات عددٌ من ورش العمل التي تحدثت عن رابطة الدماغ والحاسوب، تحليل بيانات الشبكات الاجتماعية، وتحليل البيانات باستخدام برنامج أباتشي سبارك. وشملت قائمة المتحدثات نخبةً من العالمات والباحثات السعوديات من مختلف الجامعات الحكومية بالمملكة ومراكز الأبحاث الدولية، مما ساهم في تقديم مادةٍ ثريةٍ ومتنوعةٍ للحاضرات.

استهلت الجلسات المفتوحة المستشارة في هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة البروفيسورة ليلك الصفدي بإلقاء كلمةٍ حول توظيف علم البيانات في حل المشكلات الاجتماعية، وكيفية اسهام القطاع الحكومي والخاص في حل القضايا لتحقيق التحول الوطني عبر توظيف علم البيانات وتحليلها. فأشارت في حديثها إلى اعتماد قطاع الأعمال العالمي على المنشآت الصغيرة بنسبةٍ كبيرةٍ، مسلطةٍ الضوء على المشكلات التي تواجه هذا القطاع في الوقت الحالي، والتي يمكن التغلب عليها عبر الاستثمار في مجال الابتكار والتقنية وتوظيف البيانات مع ازدياد عدد الأجهزة المتصلة والمتوقع أن يصل إلى 50 مليار جهاز في عام 2020مـ.

كما وصفت البيانات بأنها “النفط الجديد” الذي ينبغي استثماره اليوم وتحويله إلى منتجاتٍ دون أي تأخيرٍ في استغلال الفرصة، حيث يُقدر اليوم بأن سبعةٍ من بين كل عشرة شركاتٍ هي شركاتٌ قائمةٌ على البيانات تتوسع كل يومٍ موفرةً المزيد من الوظائف، بينما تتقلص شركات النفط ويقل عدد موظفيها، كما أصبح قطاع الأعمال ينظرُ إلى البيانات كوسيلةٍ لرفع كفاءة التشغيل والنمو السريع. واختتمت بتوصياتٍ لكيفية تحوّل اقتصاد المملكة إلى اقتصادٍ قائمٍ على البيانات تتلخص في تطوير البنية التحتية، فهمٍ جيّد لثورة البيانات، وتطوير الاستراتيجيات الوطنية في جمعها. مع التركيز على الجانب الأمني من خلال وضع سياساتٍ تشجع الناس على مشاركة بياناتهم دون المساس بالخصوصية، ونوهت على الاحتياج الشديد إلى تشجيع الابتكار وتدريب المتخصصين في علم البيانات.

كأبرز التقنيات الواعدة التي تعتمد في جوهرها على البيانات، لم يغب إنترنت الأشياء عن الصورة. حيث قدمت الدكتورة لينا الطعيمي من قسم تقنية المعلومات بجامعة الملك سعود كلمةً عن إنترنت الأشياء والحاجة إلى البيانات، وعرفت هذه التقنية بأنها مجموعةٌ من العتاد والبرمجيات التي تولّد مليارات البيانات عبر الأجهزة المتصلة والمستشعرات باستخدام الحوسبة السحابية وأدوات الذكاء الاصطناعي، ثم تُعالَج البيانات لاستخدامها فيما ينفع الانسان. وذكرت بعض التحديات التي تواجه العاملين في مجال معالجة البيانات والمتمثلة في البيانات نفسها وتشابكها، إذ نحتاج لإدارة وتصنيف الكم الهائل من البيانات المتدفقة يومياً. وختمت بقولها: ” تُشكل البيانات جوهر العديد من المهن اليوم، فعلينا تعلم كيفية التعامل معها باستخدام التقنية الموجودة وفهمها، ومن ثم المضي قدماً”.

في المجال الطبي والتقنية الحيوية، ألقت رئيسة قسم أبحاث الجينوم ومعمل الجينوم في مدينة الملك فهد الطبية الدكتورة ملاك الثقفي محاضرةً عن البيانات الضخمة في مشروع الجينوم السعودي، حيث سلطت الضوء على التقنيات المتقدمة والبنية التحتية الحاسوبية المُستخدمة في معالجة البيانات الضخمة التي تصل إلى 200 تيرابايت خلال اليوم  ، وذلك في مسعى المشروع لمسح التسلسل الوراثي لحوالي 100 ألف فردٍ سعوديٍ، ما سيساعدنا في رسم خريطةً للأمراض الوراثية وانتشارها في المجتمع السعودي، وسيحسن من طريقة تشخيص الأمراض وعلاجها على مستوى الوطن كاملاً.

بعدها، قدمت الدكتورة نوف النمير المتخصصة في علم الوراثيات الجزيئية وبرمجة المعلومات الحيوية من مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث كلمةً، فتحدثت فيها عن تخصص برمجة المعلوماتية الصحية وأنه علمٌ واسعٌ يدمج بين الحوسبة الأحيائية والاحصائية، ويُعرّف بأنه  واستعرضت عدداً من التجارب الناجحة التي استخدموا فيها علم البيانات وتعلم الآلة لتطوير مؤشراتٍ تساعد في التنبؤ بطفراتٍ وراثية جديدة. كما أشارت إلى عددٍ من أبرز قواعد البيانات في مجال برمجة المعلومات الحيوية، وقدمت اقتراحاً بإنشاء   جديدٍ تحت مظلة مشروع الجينوم السعودي، وذلك نظراً للحاجة الماسة إلى بياناتٍ دقيقةٍ لأمراضٍ معينة من شأنها أن تقود العلماء للوصول إلى علاجاتٍ أفضل وفهمٍ أدق للجينوم البشري، وتأمل في أن يصبح العلاج شخصياً في المستقبل بمعنى أن يتم علاج المرضى بناءً على مورثاتهم.

الدكتورة نوف النمير أثناء حديثها

من جانبٍ آخر يأتي دور البيانات الضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي في القانون، حيث تطرقت الدكتورة لطيفة العبدالكريم من جامعة الملك سعود إلى سُبل توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني من خلال تطبيق التفكير المعرفي وتعلم الآلة، وذلك للتمكن من التنبؤ بالقرارات الصحيحة في القضايا، تبرير الحجج القضائية، تصنيف المجال القانوني، أو التوصية بتحديث وتغيير القوانين. ولحساسية هذا المجال، ذكرت في حديثها الجوانب التي ينبغي الأخذ بها عند المضي في هذا المجال، حيث يتطلب وجود سياساتٍ وتنظيماتٍ تضمن مشروعية البيانات التي يتم استخدامها ومدى مصداقيتها، استشعار المسؤولية، والتأكد من وجود الشفافية والمعايير السليمة التي تُبني عليها عمليات اتخاذ القرار. وقالت: “ربما تساهم إحدى الحاضرات اليوم في تغيير القوانين يوماً ما، فالمجال لا يقتصر على المحامين وحدهم، فأنتنّ كعالمات بيانات تلعبن دوراً هامّاً أيضاً”.

أما من ناحية تواجد المرأة في مجال علم البيانات، تحدثت سوزان ملائكة من شركة آي بي أم عن شمولية الجنس في المصادر المفتوحة، كما تطرقت بقية المتحدثات إلى مواضيع أخرى مثل مساهمة علم البيانات في الرعاية الصحية، الحوسبة في العلوم الاجتماعية، استكشاف الاستراتيجيات التجارية، وعلم البيانات في الوسائط المتعددة وغيرها. ويشهد التنوع في مجالات الخُطب التي شملها الملتقى على أهمية المجال وريادته في العصر الحالي، كما شكّل فرصةً للمبتدئات للتعرف على المجالات الواعدة التي يمكن من خلالها استثمار العلوم والتقنية فيما يخدم الوطن والإنسانية.

السعودي العلمي

Comments are closed.