لماذا تكون بعض الأدمغة أذكى من غيرها؟

كتابة: مايك ميكري.
ترجمة: مروة القاضي.
مراجعة: سعاد السقاف.

في حين تُشير الأبحاث السابقة إلى أن الأدمغة الأكبر هي في الواقع أكثر ذكاءً، إلا أنّ نظرةً أقرب إلى البنية التركيبية المجهرية للدماغ تُظِهر أن الأمر لا يقتصر على خلايا دماغيةٍ أكثر فحسب، بل بقدر ما تكون الخلايا مترابطةً بكفاءةٍ أكبر. فالأشخاص الذين يمتلكون معدل ذكاءٍ أعلى من غيرهم يُرجح بأن يكون لديهم عددٌ أقلٌّ من الروابط بين الخلايا العصبية في الطبقة الخارجية من الدماغ وفقاً لدراسةٍ حديثةٍ.

استخدم فريقٌ دوليٌّ من أطباء الأعصاب تقنيةً غير بَاضِعة تُعرف باسم التصوير المتعدد الطبقات بمعامل الانتشار للحصول على فكرةٍ عن كثافة وترتيب التفرعات للمادة الرمادية داخل أدمغة حوالي 260 متطوعٍ، كما أُخضع جميع المشاركون لاختبار المنطق المعقد أيضاً، وأظهروا مجموعة متنوعةً من الدرجات تتراوح ما بين 7 إلى 27 إجابةً صحيحةً من أصل 28.

عند مطابقة بيانات التصوير مع درجات الاختبار، وجد الباحثون أن أولئك الذين يتمتعون بمهاراتٍ تحليليةٍ أعلى لا يمتلكون المزيد من خلايا الدماغ فحسب، بل كانوا يميلون أيضاً إلى امتلاك عددٍ أقل من التفرعات بين الخلايا العصبية في القشرة المخية لديهم، ومن ثم قورنت تلك النتيجة بقاعدة البيانات التابعة لمشروع كونيكتوم البشري الذي يتضمن ما يقرب من 500 خريطةٍ عصبيةٍ، فوجدوا نفس النمط من معدل الذكاء المرتفع وانخفاض الترابط البيني للخلايا العصبية. وقد يبدو هذا مناقضاً للبديهي في البداية! فقد تنطبق العبارة القديمة “الأيدي الكثيرة تنجز” على خلايا المخ، ولكن في هذه الحالة لا يبدو أن هذه الأيدي الإضافية تنقل أيّ معلوماتٍ أكثر فيما بينها.

أظهرت الأبحاث السابقة أنه على الرغم من وجود المزيد من خلايا المخ لتبادل هذا الحِمل الثقيل، إلا أن العقول الأذكى لا تميل إلى العمل بجهد، وتُظِهر نشاطًا أيضياً أقل عندما تخضع لاختبار معدل الذكاء مقارنةً بأولئك الذين يكافحون من أجل الحصول على درجاتٍ عاليةٍ.

وأدت هذه الملاحظة إلى تطوير فرضية الكفاءة العصبية، والتي تُشير إلى أن القدرة التحليلية لمجموعات الخلايا العصبية لا تتمثل في دفعها للعمل بجهدٍ أكبر، بل عبر ربطها بطريقةٍ تقلل الجهد إلى أدنى حدٍ ممكن.

يقول أخصائي الأعصاب من جامعة الرور في بوخوم بألمانيا وهو إرهان جينس: “تتميز الأدمغة الذكية بشبكةٍ رفيعةٍ من الخلايا العصبية، ولكنها فعّالة”، ويضيف: “هذا يجعل من الممكن تحقيق مستوىً عالٍ من التفكير بأقلّ نشاطٍ عصبيّ ممكن”.

غالباً ما يصبح البحث عن الذكاء معقداً بسبب الأسئلة المتعلقة بتعريف اختبار الذكاء ودلالاته، ولهذا نحتاج إلى الابتعاد عن تعميم النتائج أبعد من نطاق التجربة، إذ تقوم الأدمغة بعددٍ من الأشياء الرائعة ويشكل التفكير التحليلي جزءاً فقط من مجموعة المهارات الإدراكية المتنوعة. ولكن فهم المزيد عن كيفية تفاعل الوحدات الفردية لحل المشاكل بأعلى كفاءةٍ ممكنةٍ يكشف لنا ما هو أكثر من مجرد كيفية عمل الأدمغة على المستوى الخلوي، بل قد يأخذنا ذلك إلى تطوير التقنية لمحاكاتها.

ستساهم المزيد من الأبحاث بلا شك في كشف الغموض حول كيفية قيام الجهاز العصبي الانسيابي بحل المشكلات بشكلٍ أفضل، وربما لا يساعدنا ذلك في أن نصبح جميعنا عباقرةً، ولكنه يُظهر بأن هناك ميزةً في العمل بذكاءٍ أكبر، لا بجهدٍ أكثر. ولقد نُشر البحث في دورية نايتشر للاتصالات.

المصدر (Sciencealert)

المصطلحات:
التصوير المتعدد الطبقات بمعامل الانتشار Multi-shell diffusion tensor imaging
اختبار المنطق المعقد Complex reasoning test
مشروع كونيكتوم البشري Human Connectome Project
نشاط أيضي Metabolic activity
فرضية الكفاءة العصبية Neural efficiency hypothesis
إرهان جينس Erhan Genç
جامعة الرور في بوخوم Ruhr-University Bochum

السعودي العلمي

Comments are closed.